عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
يد تبنى.. ويد تهرى!
بقلم
محمد نجم

يد تبنى.. ويد تهرى!

بقلم : محمد نجم

 



'قال شاعرنا العربى الكبير (المتبنى) «وكم فى مصر من المضحكات.. المبكيات» وهو توصيف صحيح عندما نتأمل فى معناه ومغزاه.

فلدينا فى مصر مجموعةمن البشر تتعمد إثارة البلبلة والتشكيك فيما يجرى وتصدير الإحباط لغيرهم من المواطنين.

هذا مـــع التأكيد علــى أهميـــة «الاختلاف» فى وجهات النظر حول القضايا المختلفة، فالمعارضة الموضوعية أمر مهم ومطلوب، وقديما قالوا: إن المعارض يشد من أذر المفاوض.

ولكننا هنا لا نتحدث عن المعارضة الموضوعية ووجهات النظر المبنية على حقائق ومعلومات تساهم فى تصحيح أوضاع مختلفة وتصويب آراء وقرارات غير صحيحة.

وإنما نتحدث عن «سيول» من الشائعات المغرضة، وكم هائل من الأخبار غير الصحيحة التى تعمد البعض نشرها خاصة على بعض المواقع الإخبارية أو صفحات الفيس وأخواته!

 

وما يضحك ويبكى فى ذات الوقت طبقا لوصف المتنبى، أنه عندما يكتب أحد أفراد هذه «المجموعة» بوست حول قرار أو قضية معينة، يسارع البعض بالتعليق مؤيدا ما كتب ومستنكرا ما صدر أو ما يحدث دون أن يعطى نفسه فرصة للتفكير فى حقيقة هذا البوست ومدى صحته وما يستهدفه.. ثم تتابع التعليقات فى ذات الاتجاه إلا من رحم ربك وكان لديه بعض المعلومات الصحيحة أو لديه خبرة فى الموضوع المكتوب فيفاجئ بتغيير اتجاه التعليقات فى الهجوم عليه واتهامه بتهم «معلبة» لا أساس لها من الصحة على أرض الواقع.

وكثيرا ما يبدو الأمر وكأنك فى المسرح أو فى ندوة، حيث يبدأ أحدهما بالتصفيق لممثل أو متحدث فتنتقل العدوى سريعة لبقية الحاضرين وتضج القاعة بالتصفيق الجماعى، والمضحك أنه لو تثائب أحد المتفرجين.. وهو يقاوم النعاس.. فسرعان أيضا ما يتثائب بقية الحضور!.

لقد لمست ذلك من متابعتى للفيس بوك وخاصة على صفحتى التى تجمع أصدقاء من كل فج عميق، وبالطبع تختلف كتابتهم وأهدافها طبقا للأعمار والثقافة واتجاهاتهم السياسية.. وهو أمر طبيعى.

ولكن المشكلة أننى لاحظت أن «البوستات» غير المدققة من حيث صحة معلوماتها يكتبها أناس لديهم قدر وافر من التعليم والثقافة.. وكذلك أيضا التعليقات المتسرعة على تلك البوستات، وكثيرا ما يثبت عدم صحة ما كتب، ومن ثم يفقد مصداقيته وتجدنى وغيرى لا نهتم كثيرا بما يكتبه بعد ذلك، فهل لا يهتم مثل هذا الشخص «الكذوب» بفقدان مصداقيته؟ ألا ينظر فى المرآة؟.. وكيف يكون راضيا عن نفسه وهو يعلم حقيقتها؟..

لا أقول غير ما قاله الأولون: لله فى خلقه شئون!

qqq

ولكن أكثر ما أحزننى فى هذا الأمر ما نشرته بعض المواقع الإخبارية التى يديرها زملاء صحفيون منتمون لمؤسسات إعلامية معروفة، والغريب أنهم من «الموالاة» وليسوا من المعارضة. ومنهم على سبيل المثال «صدى البلد» و«اليوم السابع».

فقد نشر أحدهما أن الحكومة سوف تستغنى عن 3 ملايين موظف طبقا لاتفاقها مع ممثلى صندوق النقد الدولى على برنامج جديد للإصلاح الاقتصادى، هذا مع علم الجميع أن لا الصندوق طلب ذلك ولا الحكومة تطوعت به! والغريب أن هذا «الخبر» الكاذب نشر فى ذات الوقت الذى نشرت فيه تلك المواقع بيان صندوق النقد، والذى تضمن «بنود» الاتفاق.. بالطبع اضطرت الحكومة لتكذيب هذا الخبر أكثر من مرة كان آخرها على لسان رئيسها شخصيا! كما نشر موقع آخر.. أن الحكومة قررت رفع الدعم عن البنزين والسولار طبقا أيضا لاتفاقها مع الصندوق، واضطر وزير المالية لإصدار بيان بالتكذيب.

وبصراحة لا أعلم ما هو نظام المحاسبة على الأخبار التى يقدمها «المتدربين» لتلك المواقع، ويبدو أنه بالكم دون النظر لصحة الخبر من عدمه!

أين المهنية هنا؟.. وأين المصداقية؟.. ولماذا غابت المؤسسات المعنية بالممارسات المهنية عن ذلك؟.

ليس ذلك فقط.. بل أصابت البعض لوثة البحث عن السبق الصحفى مهما كان الضرر المترتب على النشر، فقد طالعنا الأسابيع والشهور الماضية كمًّا رهيبًا من الأخبار المفبركة بعناوين خادعة مثل «حركة المحافظين الجدد خلال ساعات»! و«تغييرات وزارية وشيكة» بل تطوع البعض وحدد الوزارات التى سيجرى بها التغيير وقام آخرون بذكر أسماء مرشحون لتولى حقائب وزارية معينة فى التغيير الوزارى الوشيك.

والغريب أن تنضم بعض الصحف القومية اليومية لمثل هذا السباق المحموم!

لمؤاخذة.. دى مش صحافة.. وإنما تهريج واستسهال يثير البلبلة ويعطل المراكب السايرة!

وما الفرق إذن بين المؤسسات الصحفية وبين الصفحات الخاصة على الفيس بوك.. التى يكتب فيها أصحابها ما يشاءون دون رقيب.. وكثيرا ما يكونوا هم أيضا قراؤها فقط؟!

qqq

لقد قرأت لزميلة صحفية مغتربة اعتز بصداقتها «بوست» على الفيس بوك.. تستنكر فيه ما يحدث فى كوبرى قصر النيل.. وأبدت دهشتها من إزالة أعمدة الإنارة الأثرية من الكوبرى واستبدالها بأعمدة جديدة من الألمونيوم وطالبت بمحاسبة من فعل ذلك؟

ودهشت من حجم التعليقات على ما كتبته الزميلة وكان أغلبه مؤيدا لها.. بل تطوع أحدهم وذكر وقائع أخرى استولى فيها بعض المسئولين على أعمدة مشابهة من كبارى أخرى ونقلوها إلى قصورهم الخاصة!

بصراحة.. كنت على وشك تصديق ذلك.. ثم ضحكت من نفسى حتى أغرقت عينى بالدموع.. فكانا ضحكـا كالبكاء.. وفعلا شر البلية ما يضحك فطريقى اليومى فى الذهاب والعودة يمر بكوبرى قصر النيل،ومن ثم أنا شاهد عيان على ما يجرى من إصلاحات يومية وبكافة تفاصيلها، حيث تقوم محافظة القاهرة وبتمويل من البنك الأهلى المصرى بعملية تجديد شاملة لهذا الكوبرى الأثرى الجميل.. والذى انتظر فيه عبد الحليم حافظ فاتن حمامة أكثر من ثلاث ساعات فى عز الظهر فى فيلم «موعد غرام» وأصيب بضربة شمس بسبب هذا الانتظار الطويل على هذا الكوبرى الذى كان ومازال المكان المفضل للعشاق الجدد.. قليلى الحيلة والنقود!

qqq

ولكن ما يزيد النفس اطمئنانًا ويمنح البهجة للروح والقلب أنه فى ذات الوقت الذى فيه كثير من الأيادى «تهرى» على الفيس بوك بأخبار كاذبة وكلام لا معنى له، هناك أيضا أياد تبنى بجهدها وعرقها هذا البلد الطيب، ولديها رغبة وأمل أن تتركها «واقفة على رجليها» لأبنائها وأحفادها كما تركها الآباء والأجداد.

ألا يرى «بتوع» الفيس ماذا يفعل المخلصين فى هذا البلد- وأغلبهم من البسطاء- الذين يستيقظون مع صلاة الفجر ويبدأون يومهم من النجمة- كما يقولون، ومنهم من يذهب لجراج الأتوبيسات ويسرع بمركبته ليتمكن من نقل الموظفين فى مواعيد العمل الرسمية، ومن يذهب إلى الفرن ليبدأ العجن والخبز والتسوية حتى يجد «البهوات» ما يفطرون به عندما يصحون فى الضحى، وكذلك من يقف بقدرة القول ليفطر «الغلابة» قبل السعى للرزق، ألم يسمع هؤلاء عن من يشقون الجبال ويحطمون الصخر فى الوادى لشق طريق أو بناء مدن جديدة تستوعب الزيادة السكانية الرهيبة فى مصر؟

ألم يقرأوا أو يسمعوا عن نتائج لجنة استرداد الأراضى من مغتصبيها؟

عيب.. حطوا فى أعينكم حصوة من ملح وبطلوا «هرى» على الفيس.. وإثارة البلبلة فى المجتمع وتصدير الإحباط لأهالينا البسطاء الذين يرغبون فى تربية أبنائهم بالحلال ولا يطلبون من الله سوى دوام الصحة والستر..

حفظ الله مصر.. ووقاها شر كل مغرض أثيم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز