عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الباب

الباب

بقلم : هويدا عطا

يدخل منه السعيد والحزين ،السليم والمعاق،الحكيم والأبله ،الروحانى والمادى،الروتينى والمنظم ،الانيق وغير المهندم،النحيف والسمين،الكريم والبخيل ،القاسى والرحيم،الرقيق والعنيف ،الصامت والثرثار ،خفيف الدم ،ثقيل الظل ، الأبيض والأسود ومابينهما المبدع والعادى،المتكبر والمتواضع ،الحانى والحاسد ،المبارك والحاقد،المتدنى والسفيه ،كريم الاخلاق وعديمها ،العاقل والمجنون.



كل هؤلاء تلتقطهم عينى بينما هم يمرقون ذلك الساحر العجيب،الذى يشدهم الى المرور من تحت قامته فى انحناءة ومحبة ، شيئا ما تراه يشدهم الى الوقوف أمام مرأته البراقة ،يتفحصون وجودهم ووجوههم وكأنهم للمرة الأولى يعيدون ضبط ملابسهم على اجسادهم وشد ياقاتهم الى أعلى قمة ممكنة ،يغرسون  اطراف اصابعهم  فى شعرهم وكأنهم يقبضون على أفكارهم  قبل ان تتبخر  وعلى تسريحاتهم قبل أن تمل من الصمود والروتين الأبله ،فى تلك اللحظة ترى من يخترقه اختراقا عجيبا وكأنه  متسابق فى (المارثوان)فلا تراه ينظر فى وجهه او هندامه ،او حتى من يتارجحون حوله فى صمت وصراخ ،كل مايهم هؤلاء هو اللحاق بما يرغب وما يريد ،،ربما موعد مع حبيب أو الحصول على صفقة أو كومة من الاطعمة والمشروبات ليرضى كرشه الذىيمشى امامه فى تنافس رهيب معه.

وفى الطرف الأخر من الباب تجد وجهين لزوجين كادا ان يقفزا منهما ضجرا ومع ذلك فهما يمسكان ببعضهما البعض وكأنهما السجان والسجين يكاد الرابط بينهما ان يصرخ مستجيرا بمن حولهما ... يالله ..كل هذه الكراهية ...كيف تجتمع فى شخصين قادهما الحب يوما الى زانزانة الرتابة.

وعلى العكس تماما من هذه الصورة شاهدت عاشقين يحتضنان السماء والارض ،وكأنهما لايقويان على البعد والانفصال حتى أمام الأعين والحساد ،ويكادان  ينفجران من الابتسام والزهو بالمحبة الغامرة ،ربما اليوم هى صادقة وغدا منفرة ، تنطق بما يستقر فى قلبيهما المغردين ،وتسمو الى معان كثيرة جميلة ربما افتقدها الزوجان السابقان المتلازمان رغما عنهما.

وفى جوار الباب رأيت شاعرا معروفا اختار العزلة فى جلسته بعيدا عن الناس والاحساس  بالوقت ،يطالع الجميع دون تعليق ويرتل قصيدته العصية ،وتحت نقطة المنتصف بالضبط من الباب يقف رجل عملاق وبجواره طفله الصغير مهيض الجناح ...كان يوجه اليه طلقات من صراخه تسبقها لكمات من يديه وفجأة يربت على كتفه رجل ينقصه وزنا وطولا ،يساله الرحمة والهدوء....لكن هذا الجبل البشرى لم يطق أن يثنيه أحد عما يفعله...فما أن ولى بوجهه نحوه حتى لكمه لكمة قاضية أسقطته صريعا ممتطيا الريح الى الغيبوبة ليتجمع كل المارقين والواقفين والسائرين فى صمتهم حول المشهد، بعضهم هاجم العملاق والبعض الاخر أمسك به والثالث قاتله بنظرة لوم وعتاب  ، فى تلك اللحظة أ ثار اندهاشى المرأة التى تحمل فوق راسها شمسية (كومة)عملاقة من الشعر  الطبيعى الكنيش ،فى قصة غريبة من نوعها  ...غير ملائمة  اطلاقا لعمرها الذى تجاوز الستين ،وايضا هذا المشهد الانسانى المؤثر والمتناقض ..الرجل يمشى بطيئا متكئا على عكازه ،أما زوجته فلم تميز ذلك ،فأخذت تمضى مهرولة أمامه وكأنها حصان رهوان غير مراعية لظروفه الصحية أو مقدرة للعشرة التى  طالت بينهما.

كل من عبر الباب اهتز وسخط وكال اللعنات على رأس من تجرد قلبه من الرحمة والحنو على طفله الصغير ،الا الباب كان صامتا...ثابتا قويا ..عنيدا ...قاسيا لاينبس  ببنت شفة ولا  شئ  تحرك فيه ،مازال يحصى القادمين والراحلين ،مازال يرقب السيناريو الانسانى الذى يتفنن اصحابه فى اجادته دون تعمد كأنهم ألوان فى قبضة ريشة رسام.

وعلى رأى المثل (الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح)مع انه الفاتحة لكل رياح الحياة...فمنه يدخل الخاطب لخطيبته والعريس لعروسه بالعواطف وايضا الكاره لزوجته بورقة الطلاق والمدعى عليه بفاتورة الكهرباء المفزعة  وملل ضيف ثقيل الحضور والانفاس.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز