عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
اللغة الضائعة

اللغة الضائعة

بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى

أظن أن هناك لغة ضاعت بين جميع البشر ، فنحن أصحنا نهتم بشكل كبير باستيراد أغلب لغات العالم لكي نتعلمها ونتحدث بها ، ونتباهى أيضًا بإجادتها ، فقديمًا من كان يجيد التحدث بلغتين بخلاف لغته الأصلية كان يعتبر نفسه من أباطرة المثقفين ، أما الآن فقد شهدنا طفرة كبيرة في عدد مراكز تعلم اللغات بشتى أنواعها ، ولكن في خضم هذه الطفرة الهائلة ضاعت منا أهم لغة وهي "لغة الحوار" ، فنحن نتعلم الكلام منذ نشأتنا ، ونتعلم اللغات على مر حياتنا ، ولكن للأسف نكتشف أننا نتعلمه من أجل التعليم والشهادات ، وربما العمل فقط ، أما "الحوار" فأين هو ، فأين لغة الحوار بين الناس ، فاللغة التي أصبحت سائدة الآن هي "لغة الصمت" أو "الخلاف" ، فكل شخص أصبح يتعامل مع هاتفه الذكي يكتب ما يريد ويرسله عبر وسائل السوشيال ميديا ، وإذا حدث حوار في المنزل أو العمل غالبًا ما يكون خلاف لا حوار هادئ يهدف إلى الوصول إلى حل مشكلة ، أو طرح موضوع ثقافي أو غيره ، وكذلك البرامج الحوارية أصبحت مبنية على الخلافات والانتقادات ونشوب النزاعات ، لدرجة أن نجاحها أصبح مرتبطًا بهذه النوعية من الموضوعات ، والغريب في الأمر أننا ندعي التطور والتقدم ، ولكن إذا عدنا بالزمن إلى الوراء سندرك أننا تأخرنا جدًا ، فربما نكون تقدمنا تكنولوجيًا بفضل استيرادنا لما يصنعه الغرب من أجهزة إلكترونية وتكنولوجية ، ولكن قديمًا كنا نُعد الندوات الثقافية والأدبية وأيضًا المقاهي التي تجهز الندوات الثقافية ، وكان يحضرها جميع طبقات المجتمع دون تفرقه بينهم ، لدرجة أن الشهادات العلمية لم تكن هي الدليل على الثقافة والعلم ؛ لأن الأُمِّي كان يُثقف نفسه من خلال الحوارات التي يسمعها ويتدخل فيها ، أما الآن أين الحوار ، فأغلب تعاملاتنا أصبحت قرارات سواء عائلية أو عملية أو غيرها ، ونكتفي بإبلاغ قراراتنا لبعضنا البعض ، وإذا حدث وتجادلنا بشأنها يتحول القرار إلى بذرة نشوء الخلاف والنزاع .



وتُضحكني جدًا الجملة القائلة : "الخلاف في وجهات النظر لا يُفسد للود قضية" ، فلو ركزنا سنكتشف أن دائمًا الخلاف في الرأي يقطع العلاقات بين البشر ، مهما كانت قوة هذه العلاقات ، وتفاهة الخلاف الذي حدث بينهما ، فنحن نُردد هذه الجملة كتعبير عن ثقافتنا وسعة صدرنا ، في حين أننا لا نطبقها في الواقع العملي على الإطلاق ؛ والسبب ببساطة أنه لكي لا يُفسد الود لابد من وجود حوار محترم وراقٍ بين المتناظرين ، وألا يُقحموا الأمور الشخصية في القضية المتداولة ، ولكن للأسف لا يوجد من يستطيع فعل ذلك وإذا حدثت المعجزة وتواجد هذا الشخص يُتهم بالبرود أو النفاق أو السلبية ، وكأن العناد والصوت المرتفع والعصبية دليل على الإيجابية ، والرأي الحر . نحن للأسف لكي نتحدث عن الديمقراطية والتقدم والحرية ، لابد أولاً أن نتعلم أصول لغة الحوار ، فالحوار هو بداية أي شيء ناجح وسبب أي فشل في أي علاقة ، فأين نحن من لغة الحوار .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز