عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ضمير مستتر تقديره " أحبك" !

ضمير مستتر تقديره " أحبك" !

بقلم : أمل حجازي
 ؟!!Kisses سألتني وبراءة الأطفال في عينيها: " ماما، هي مش " مقبلات" يعنى
كانت هذه أبنتي عندما كان عمرها فقط تسعة أعوام وكانت تقرأ من قائمة الطعام باللغة العربية لأول مرة، فهي دائما تختار قائمة الطعام المكتوبة باللغة الإنجليزية. وعندما صدمني سؤالها، أدركت حجم الكارثة...فقد أهملنا جميعا اللغة العربية كما أهملتها المدارس الأجنبية، فكرهها الأطفال وبعدوا عنها؛ ليس لصعوبتها، ولكن لسخافة الطريقة التي تدرس بها. ومن خلال مقالي هذا سأحاول جاهدة أن أفعل ما في وسعي كي أجعلكم تقعون ثانية في غرام لغة أهملناها مع سبق الإصرار والترصد.
لغة الضاد:
   تنوعت الشّعوب واختلفت من مكانٍ لمكان وعاشت عبر العصور في مختلف الأزمان ومختلف الأماكن وتحدّثوا بلغاتٍ ولهجاتٍ كثيرةٍ، وسأتحدث عن اللغة العربية التي أعتز بأنها لغتي التي أنطق وأكتب بها لأنها لغة القرآن الكريم ولغة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أبو البشرية.  وسميت بهذا الاسم لأن " الضاد" هو الحرف الوحيد الذي لا يوجد بأي لغة غير اللغة العربية، ولذلك صعب على غير العربي أن ينطق به.
أصبحت اللغة العامية تحاصرنا في كل مكان. وطغيان اللغة العامية أصبح خطرا يهدد اللغة العربية، وذلك لاستسهال البعض في استخدامها وسهولة فهمها لدى جميع طبقات المجتمع. فتجد مثلا أن الجميع الآن على كل وسائل التواصل الاجتماعي يتحدثون باللغة العامية، وهذا أمر لا مانع فيه، مادام هكذا يصل المحتوى أسرع إلى طبقة أكبر من الناس. ولكن ما يحدث هو الكارثة بعينيها؛ فقد وصل هذا التوغل العشوائي من اللغة العامية الي الكتب أيضا!!
 
فقد صدمت من مجموعة الكتب التي اشتريتها هذا الصيف. فأنا عادة أشتري الكتب التي اسمع عنها من قبل، وغالبا ما تكون باللغة العربية الفصحى. ولكن لا يمنع الأمر أن اشتري بعضا من الكتب الخفيفة وأري ما بها. فمحتوى الكتاب يحدد بأي لهجة سيكون؛ فالفكاهة والفرفشة لا تتطلب الكثير من الفذلكة اللغوية، ولكن عندما أفتح كتابا وأجده يحمل فكرة جيدة وموضوعا جميلا ولكنه يستخدم العامية، فكيف يتصور كاتبه أن تصل كلماته إلي؟
 
فعندما افتح كتابا وأجد وكأن أحدهم يتكلم معي "على الناصية" بطريقة " أنت فاهمني؟" " أنت مش متصور إزاي!" فلا أعرف لماذا اشعر وكأنني أريد أن أقول له: " ما هذا بحق الجحيم؟ " على طريقة الترجمة التي تنزل مع الأفلام الأجنبية!!
عندما افتح الكتاب أحب أن يأخذني معه الي عالم آخر، أطير معه عاليا وأحلق بعيدا عن أرض الواقع، والفصحى الراقية المغلفة بالتعبيرات الفاخرة، هي فقط ما تنجح في ذلك. اللغة العربية أغني لغات العالم. والكتاب لابد أن يرتقي بالقارئ؛ فيستمتع، ويتعلم، ويستنير، وعندما تنتهي رحلته مع الكتاب يكون قد أمضي وقتا مستقطعا من صخب الحياة وضجيجها، وعاد بفكرة جديدة، بنظرة جديدة للحياة أو حتى بروح جديدة. ولكن ما يقلقني كثيرا الآن هو انتشار تلك الكتب التي تعج بالعامية الركيكة، أو بلغة الشارع، ومن اسمها فهي لغة للتواصل في الشارع وليست للكتابة ولا القراءة. والمؤسف حقا أن تساعد دور النشر المحترمة في انتشار مثل هذا النوع والغرض " الجمهورعايز كده !!
 
    أما المصيبة الكبرى هي اللغة الجديدة التي أخترعها الشباب، والتي تجمع بين العربي والإنجليزي " الفرانكو". وقد حاولت أبنتي مرارا وتكرارا أن تعلمني قراءتها ولكنني رفضت رفضا قاطعا، فهذا تردي كامل للغتنا الجميلة. فعندما تعبر الأرقام عن حروف، وتعبر الحروف المختصرة عن كلمات ماذا تتوقع؟ حتما سننسي جميعا الكتابة والقراءة باللغة العربية.
 
    ونأتي الآن الي الطامة الكبرى؛ وهي أزمة التعليم. فاللغة العربية وطريقة تدريسها عقيمة للغاية. ولكن هل سألتم أنفسكم لماذا يكره الأطفال حصة اللغة العربية؟ لماذا يهربون من سؤال الإعراب في النحو؟ لماذا حتى لا يحبون مدرس اللغة العربية نفسه؟
 
كآبة الجو الذي تعطى فيه حصة اللغة العربية، مع أسلوب المدرس المتهالك من التحفيظ وحفظ القواعد بطريقة آلية جافة؛ كلها عوامل أدت إلى هروب التلاميذ من لغتهم الأم واللجوء إلى اللغات الأخرى. على المدرس عامل أساسي في جذب انتباه التلاميذ بطريقة محببة إلى ما يقوم بتدريسه، وخاصة هذا الجيل الذي أبتعد كثيرا عن هويته العربية بابتعاده عن اللغة.  فأنا أتذكر مدرسة اللغة العربية البارعة التي كنت أسألها عندما أواجه أي صعوبة، فتتحول اللغة العربية أمامي إلى قطعة من الحلوى اللذيذة التي أذوب معها ومن حلاوتها. بالمناسبة كانت هذه المعلمة هي خالتي-رحمها الله-وقد كانت معلمة أجيال؛ وكانت سببا في تعلقي وشغفي باللغة العربية بوجه عام، وبالكتابة بوجه خاص. نسيت أن أقول لكم أن لخالتي العديد من المؤلفات التي وضحت فيها معاني وأساليب وجمال اللغة العربية من خلال إعجاز القرآن الكريم.
 
   اللغة العربية مستودع تعبيري هائل، يحمل خصائص هذه الأمة وتاريخها وعقيدتها. تمسك بأصلك، تمسك بلغتك، ولا تسمح لهم أن يقوموا بتشويهها. تعلم كل ما يحلو لك من لغات العالم، لكن لا تتنكر للغتك الأم... حتى إنها سميت " لغة أم" يعني أول حروف تذوقها لسانك، وأول كلمات سمعتها أذنيك، فهل تتنكر لأمك؟ وكيف تتنكر لها وأنت من تربي على قصص وروايات " طه حسين" و"نجيب محفوظ"؟ كيف تتنكر لها وأنت تندن وتتسلطن مع الست عندما يغلبك الشوق وتغرق في بحر الغرام فتقول " هل رأى الحب سكارى؟ " كيف يطاوعك قلبك أن تنسي " عبد الحليم حافظ " وهو يشدو من كلمات نزار قباني ويقول: " اشتقت إليك فعلمني ألا أشتاق". أو كيف تنسي القيصر" كاظم الساهر" وهو الوحيد الذي ابقي على الغناء باللغة العربية الفصحى الجميلة، فخرجت أجمل كلمات الحب، فذابت قلوب العشاق وسهروا الليل في شوق وحنين وعاندهم النوم الذي لا يأتي أبدا في وجود الحبيب حتى لو في خيالك. ويقول " كاظم: " همس يذيب الصمت ووسادة كالجمر، من أين يأتي النوم؟ ".....
 
   قول لي الآن كيف تستطيع أن تقاوم جمال هذه اللغة وسحرها الفريد؟ حتى أن جيران العرب أنفسهم سقطوا صرعي سحر تلك اللغة.
   العبارات العربية كالعود، إذا نقرت على أحد أوتاره، رنت جميع الأوتار معا في تناغم جميل، فتتحرك الكلمات في أعماق النفس وتتراقص المعاني على أنغام موكبا من المشاعر والأحاسيس والصور التي لا تصفها أي لغة بدقة وبراعة مثلما تفعل اللغة العربية.
 
هيا...شجعوا معي القراءة والكتابة باللغة العربية؛ لغتنا الجميلة التي نعتز بها جميعا. تكلموا بالعامية لكن لا تقرؤها ولا تكتبوا بها، فلن ننتظر اليوم الذي نصحو فيه لنجد أن الصحف والمجلات اصبحت مكتوبة بلغة الشارع أو " الفرا نكو"!!
لا لن يظل حبنا للغة العربية كالضمير المستتر!



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز