عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ورَحَلَ وريثُ جيلِ الرُوَاد

ورَحَلَ وريثُ جيلِ الرُوَاد

بقلم : د. شريف درويش اللبان

د. فؤاد أحمد سليم من أساتذة كلية الإعلام جامعة القاهرة الذين عُرفت بهم الكلية التي كانت مجردَ قسمٍ للصحافة بكلية الآداب حتى نضجت وكبرت وأصبحت كليةً مستقلة في العام 1971. لقد تخرج د. فؤاد في ذلك القسم تلك النبتة الطيبة التي أورقت وأثمرت كلية الإعلام في العام 1965، وكان هو الوريث الحقيقي لجيل الرواد في ذلك القسم.. تعلم على أيديهم ونهل من علمهم واستكمل مسيرتهم العلمية مع تلامذته.. فقد تعامل لسنواتٍ عديدة مع أساتذةٍ عظام من أمثال د. خليل صابات و د. إبراهيم إمام و د. أحمد حسين الصاوي و د. جيهان رشتي ود. إجلال خليفة و د. سامي عزيز.. وغيرهم كثيرون.



ومما لا يعلمه البعض أن د. فؤاد سليم يمكن أن نُطلق عليه دون منازع لقب "أستاذ الأساتذة"؛ فعديدٌ من أساتذة الكلية الكبار تتلمذوا على يديْ د. فؤاد عندما كان معيداً ومدرساً مساعداً ومدرساً؛ ومن بين هؤلاء أساتذتنا الكبار د. علي عجوة و د. منى الحديدي ود. ماجي الحواني ومن أتى بعدَهم.

وقد استطاع د. فؤاد سليم أن يؤسسَ لمدرسةٍ علمية رصينة في بحوث ودراسات الإخراج الصحفي تتلمذ فيه على يديْه كثيرون من بينهم د. عصام عبد الهادي و د. أحمد محمود ود. سعيد الغريب و د. معين الميتمي (يمني) وغيرهم كثيرون.

ولقد شرُفت بالتتلمذِ في رسالة الدكتورة على اثنين من العلماءِ من جيلِ الرواد والجيل الثاني الذي ورث هذا الجيل في العلمِ والأخلاقيات وهما د. خليل صابات ود. فؤاد سليم، واللذيْن كانا يشكلان ثنائياً متعاوناً في الإشراف على الرسائلِ العلمية في تخصصيْ الطباعةِ والإخراجِ الصحفي.

وتعلمت من د. فؤاد سليم الكثير والكثير في رسالة الدكتوراه، وكان يفتح لي دائماً أبواب قلبه وبيته بالساعات الطوال لمناقشتي فيما أكتبه وتوضيح ما يخفى علىَ في أمورٍ طباعيةٍ  وإخراجية مارسها بنفسه في دار "أخبار اليوم" الصحفية.

أذكرُ ذاتَ يومٍ، عندما أُصيب د. فؤاد بوعكةٍ صحيةٍ شديدة ألمت به، وذهبت لزيارته في مستشفى مصر للطيران للاطمئنان عليه، فكان أولُ ما حدثني فيه رغم حالته الصحية مسألةَ المحاضرات التي يقوم بتدريسها، وأوصاني بأن ترشح الكلية بديلاً حتى ولو من الخارج لتدريسها، فأبيْت إلا أن أقومَ باستكمالِ مشوارِه في تدريسها، وعندئذ عادت بى الذاكرة إلى موقفٍ مماثلٍ للدكتور خليل صابات الذي تعرض لكسر بالساق دخل على إثره المستشفى لتركيب شرائح معدنية وكنت أعمل معه في لجنة طباعة الامتحانات، فكان السؤال الأول الذي بادرني به عند دخولي عليه: أخبار طباعة الامتحانات إيه؟، وكان سعيداً بأن له تلامذة يستطيعون إكمال ما بدأه من عمل.

.. وهكذا هو جيلُ الأساتذةِ العِظام الذين ملأوا الأرض علماً ونوراً يُشِعُ في أرجاءِ الدنيا؛ كانوا لا يبخلون على تلامذتهم بوقتهم وجهدهم وعلمهم، وكانت كليةُ الإعلام في ضميرهم وعقولهم حتى في أصعب الظروف.

إن د. فؤاد سليم لا يُعد فقط وريثَ جيلِ الرواد من أساتذةِ كليةِ الإعلام العِظام، بل يُعد ضميرَ هذه الكلية وكاتمَ أسرارها والأمينَ عليها، لأنه عمل ليس لسنواتٍ بل لعقودٍ في لجنةِ طباعةِ امتحاناتِ هذه الكلية سواء في مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا أو التعليم المفتوح، وهو طوالَ عمله معيداً منذ العام 1965 بقسم الصحافة بكلية الآداب وحتى الآن يتمسك بأخلاقيات الفرسان في التعامل مع الجميع .. تلامذته قبل زملائه.

وقد زرتُ الأربعاء الماضي أستاذنا الجليل الأستاذ الدكتور فؤاد سليم بصحبة د. علي عجوة و د. بركات عبد العزيز والأستاذ أحمد مصطفى بغرفة العناية المركزة بوحدة د. شريف مختار بمستشفى قصر العيني الفرنساوي، ولم يُسمح لنا سوى بدقائق معدودات نرنو فيها بأبصارنا إلى "الأستاذ" الذي ملأ الدنيا علمًا من داخل جامعة القاهرة إلى كل جامعات مصر ومن المملكة العربية السعودية إلى سلطنة عُمان إلى قطر إلى الإمارات.

تحدثتُ إلى "الأستاذ" وهو في الغيبوبة التي كنا نتحداها جميعًا في أن تُغيبه عنا، تحدثتُ إليه ببعض الكلمات والذكريات أعتقد أنه سمعها واستجاب لها باتساع قليل في فتحة العين كما لاحظت ولاحظ الدكتور المعالج، ولكن "الأستاذ" استجاب لنداء ربه صباح أمس الأحد، وتركنا جميعًا نشكو اليُتْمَ الأكاديمي والإنساني من بعده.

ومن عجبٍ أن د. انشراح الشال ترحل عنا يوم 29 أغسطس ليحلق بها د. فؤاد سليم يوم 4 سبتمبر في خلال أسبوعٍ واحد في تلازمٍ نادر الحدوث. والأعجب أن الكثير لا يعلم أنهما كانا زميليْ بعثة علمية إلى فرنسا خلال العام الجامعي 1976/1977، وكان ثالثهما الراحل العظيم د. محمد سيد محمد.

د. فؤاد سليم .. أستاذي العزيز: كان لديك قلبٌ من ذهب.. وأخلاقياتُ فارس.. ومِشْعَلُ النورِ الذي يحمله العلماءُ في كلِ زمان.. وتلامذةٌ يحفظون لك قَدْرَك.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز