عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الزواج على الطريقة الحديثة

الزواج على الطريقة الحديثة

بقلم : د. شريف درويش اللبان

لعل معظمنا يتذكر الفيلم الرائع من عصر الأبيض والأسود لسعاد حسني وحسن يوسف "الزواج على الطريقة الحديثة"، التي حاول فيها البطل والبطلة القفز على الأسلوب التقليدي في الزواج من شقة وشبكة ومهر وعريس جاهز و"متريش" إلى أسلوب حديث يخلو من كل هذه المظاهر دفعةً واحدة، ليرتبط الحبيبان في بداية حياتهما دون شبكة أو مهر أو شقة أو حتى رصيد محترم للعريس ينفق منه على عروسه، علاوة على إقامة العريس في منزل عائلة عروسه مرة أسبوعيًا ليلة الجمعة في غرفتها التي تقيم فيها في شقة أسرتها..!.



ورغم أن هذا الفيلم تم إنتاجه عام 1968 أي منذ 48 سنة أو لنقل حوالي نصف قرن، إلا أن أحدًا لم يزوج ابنته على الطريقة الحديثة التي وردت في الفيلم، بل وتم إدراج الفيلم وما ورد فيه في إطار السخرية من التدهور الاقتصادي الذي ضرب البلاد في أعقاب حرب 1967، وذلك ببساطة لأن الأفكار الواردة فيه تتصادم بشكلٍ عنيف مع التقاليد المرعية للأسر المصرية في مسألة الزواج. 

إلا أنه وبعد تراجع معدلات الزواج في الصيف المنقضي وفي إجازتيْ عيد الفطر وعيد الأضحى الماضييْن، قامت الأسر المصرية بإعادة التفكير في الأمر جديًا، وخاصةً بعد الارتفاع الجنوني في أسعار الذهب والأثاث، وجاءت المبادرة من إحدى محافظات الصعيد التي توصف أنها من بين المحافظات الأكثر فقرًا، وهى محافظة بني سويف، المبادرة جاءت تحت عنوان "مبادرة لتيسير الزواج على الشباب"، حيث قرر 30 ألف مواطن بقرية العواونة، التابعة لمركز إهناسيا، غرب محافظة بنى سويف، بمحاربة المغالاة فى الزواج، ووضع بنود جديدة تسهل عملية الزواج بين الشباب.

وتوصل أهالي القرية والقرى المجاورة إلى مبادرة من ستة بنود، تسهل من إتمام عملية الزواج، وتخفف من كاهل أسرتيْ المتزوجيْن، التى وافق أهالى القرية عليها، وتضمنت المبادرة حصر الكمية المطلوبة من المشغولات الذهبية وتحديدها من 10 إلى 20 جرامًا بحدٍ أقصى ويُكتب ما اتفق عليه الطرفان فى القائمة، إلغاء "النيش" نهائيًا بما يخفف العبء على الطرفيْن رغم كونه أحد الطلبات التى يتمسك بها أهل العروس، جعل المفروشات من ملزمات العريس وفى ذلك تخفيف على العروسة، إلغاء الواجبات المتبادلة بين الطرفيْن ويُكتفى بثلاثة واجبات فقط يأتى بهم العريس خلال فترة الخطوبة وتردهم العروسة بعد الزواج، أن تكون قراءة الفاتحة وكتب الكتاب بالمسجد، والاكتفاء بتوزيع بعض الحلوى والشوكولاتة لخفض تكاليف هذه الليلة بإلغاء الحفل الذى كان يصاحبها "ليلة الحنة".

ولكن رغم أن هذه المبادرة جريئة ولاقت توافقًا غير مسبوق في بعض مدن وقرى محافظة بني سويف، إلا أن التقاليد المجتمعية التي رفضت هكذا أفكار منذ حوالي نصف قرن، سوف تقف عقبةً كؤودًا أمام "الزواج على الطريقة الحديثة"، بمعنى من يضمن ألا تنظر الأسر بعضها إلى بعض في مسائل المهر والشبكة والتفاخر بالهدايا التي يُهديها العريس لعروسه في المناسبات المختلفة، بل من يضمن ألا تنظر الأخت إلى شقيقتها التي تزوجت منذ فترة والذهب يرصع يديْها ورقبتها وأصابعها لتكتفي بمجرد 10 أو 20 جرامًا من الذهب يتم تسجيلهم في قائمة وكأنه ذهبٌ افتراضي لا وجود له إلا إذا حدث ما لا يُحمد عقباه، وانهارت الزيجة وطالبت الزوجة بمستحقاتها في القائمة التي وقع عليها الزوج.

والأهم من ذلك كله، فقد أغفلت المبادرة حكاية الشقة، وهل يتم إلغاؤها أيضًا في هذه المبادرة لكي يبيت العريس مع عروسه في غرفتها في بيت العائلة مرة أو أكثر أسبوعيًا وفي الأعياد والمناسبات والإجازات، أم أن العريس مُلزم وحده بتدبير الشقة، وهى العقبة الأهم أمام أية زيجة سواء كانت الشقة تمليك أو إيجار جديد.

يجب أن تُحَل مشكلة الشقة لحديثي الزواج، وهذا يحتاج بلا شك إلى تدخل الدولة لتدبير مسكنٍ صغير ولائق ومنخفض التكاليف لحديثي الزواج يتشارك فيه العريس مع عروسه في بداية طريقهما لتكوين أسرة مصرية جديدة "على الطريقة الحديثة" تحت رعاية الدولة المصرية التي تتطلع إلى مستقبلٍ أفضل لمواطنيها.

ويمكن أن يكون في كل مدينة جديدة حي "للزواج على الطريقة الحديثة" في مدن بني سويف الجديدة والمنيا الجديدة وأسيوط الجديدة و6 أكتوبر والعاشر والسادات، ويمكن إنشاء صندوق للزواج يساهم فيه المقتدرون ورجال الأعمال والمتبرعون لسداد نصف تكلفة هذا المشروع على أن تتكفل الدولة بالنصف الآخر.

وكما فكر المصريون خارج الصندوق، فيجب على الدولة أن تدعم كل فكرة ومبادرة جديدة، لأن هذه الأفكار والمبادرات هى التي تعمل على تحديث المجتمع وتطوره بدلاً من أن يتجمد ويتكلس ويصبح أسيرًا لعاداتٍ وتقاليدَ بالية، وإن لم يحدث ذلك فقد يصبح الزواج نفسه جزءًا لا يتجزأ من العادات والتقاليد البالية..!.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز