عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أبو شادي والإخوان الماسونيون

أبو شادي والإخوان الماسونيون

بقلم : د. عصمت نصار

حري بي توضيح أن علة كتابتي هذه المقالات عن أحمد زكي أبو شادي هو الكشف عن الجانب الايديولوجي والنزعات العقدية التي كان لها عظيم الاثر في توجيه شعره وما حواه من رؤى وآراء قد خفيت جميعها عن بعض المثقفين المعنيين بدراسته بوجه خاص والادب العربي بوجه عام. ذلك فضلاً عن رغبتنا في الكشف عن الحس الفلسفي في كتاباته. لذا سوف انتهج المنهج الوصفي دون غيره مع الاشارة من حين الى آخر, لاوجه التشابه بين ما حوته افكاره والاتجاهات الاصلاحية والجماعات السرية التي شكلت البنية الثقافية المصرية في هذه الحقبة, أي آخريات النصف الأول من القرن العشرين.



فإذا كانت المقالة الاولى قد تناولت موقفه من المحافل الماسونية ورسالتها وغايتها, فإن السطور التالية سوف تتناول حديثه - من فوق منبر الماسونية- عن حرية المرأة وحرية الفكر.

وعلى الرغم من أن معظم ما أتى به لا يختلف في هذا المضمار عما ساد من رؤى في كتابات المصلحين الليبراليين من أمثال رفاعه الطهطاوي وحمزة فتح الله وعبدالله فكري ومحمد عبده وتلاميذه وعلى رأسهم قاسم امين واحمد لطفي السيد من جهة وآراء العلمانيين الماسونيين ومنهم جورجي زيدان وشاهين مكاريوس من جهة أخرى, فإننا لا يمكننا إهمال ما في دعوته المبكرة وكتاباته الجريئة عن نقد التراث, والمطالبة بحقوق المرأة السياسية والاجتماعية والتأليف بين القديم والجديد وحرية الفكر والاعتقاد والمواءمة بين الدعوة للعولمة أو الكوكبة وفكرة المواطنة والانتماء والولاء للمنبت والأصل.

فها هو يصرح بأنه ينتمي الى المحافل الماسونية المختلطة- وهي تلك التي لا تتقيد بدين أو جنس أو هوية اجتماعية أو سياسية أو بطبقة اجتماعية- في قبول عضوية من يرغب في الانضمام إلى محافلها، وقد تأسس هذا الشكل من أشكال المحافل (الإيكوسية) عام 1875 على يد الماسوني الفرنسي جورج مارتان في مدينة لوزان بسويسرا – وفد دفعه تاثره بتعاليم هذا المحفل إلى الدعوة المبكرة لحقوق المرأة السياسية- كما ذكرنا – وذلك فضلاً عن حقوقها الاجتماعية والثقافية, بداية من حقها في التعليم حتى المشاركة الايجابية في صنع القرار السيادي, ومن اقواله في ذلك " يعمل الاخوان والاخوات سواء على الاسراع نحو تلك اللحظة التي نرجو بلوغها قريباً لنشر لواء العدالة السياسية الاجتماعية, تلك اللحظة التي يصبح فيها الحق الإنساني بعد الاعتراف به حقاً يتمتع به الرجل والمرأة دون أي تمييز أو تفضيل, سواء في الاسرة أو في الهيئة الاجتماعية... أردنا في هذه الدفعة التي اتخذنا فيها المرأة عضداً لنا أن نعود الى مهمة الماسونية القديمة التي لم يتيسر لها أن تثمر الثمر المنتظر. وسبب ذلك على ما نرى يرجع الى عدم اشتراكها في العمل مع هذا العضد الذي لابد من مساعدته... أن عدم اشتراك المرأة في أعمال الماسونية حرم فعلاً المناقشات في الماضي من عامل ضروري لضمان حل المسائل التي تعرض في المحافل لصالح الأسرة والأمة والإنسانية باجمعها. ومن أجل ذلك قررنا أن نجمع في محافلنا على اختلاف درجاتها الرجال والسيدات على أسس المساواة بأتم معانيها. ورأينا أيضا أن حضور الرجال والسيدات في المحفل يدعو إلى زيادة حفظ الكرامة في آداب المناقشة بين الجميع، وهذا طبعاً بفضل ايجاد عاملي الإنسانية في محافل مشتركة. ولما كنا من أنصار وجوب تربية الرجال والسيدات معاً, رأينا أخيراً أن خير وسط يتيسر فيه العمل لتحقيق تلك الأمنية هو المحفل الماسوني المختلط حيث يجتمع فيه جنباً إلى جنب الرجل وامرأته، والوالدان وابناؤهما، والاخوان واخواتهم, ومن ذلك المجموع تتكون أسرة عظيمة مكبرة.

ويضيف أبو شادي أنه من الخطأ تجاهل دور المرأة في تربية الصغار, وكذا خضوع الازواج إليهن, فلا غرو في أن تأثيرهن على الرجال ولاسيما في الأمور الاجتماعية والوجدانية والعقدية أخطر من أثر الرجال عليهن, ومن ثم فأن مفتاح التغيير في ثقافة المجتمع بوجه عام هو المرأة. فينبغي بذل الجهد الاكبر لإعدادها لتصبح آلية صالحة لكل ما نرجوه من نهضة واستنارة وحرية.

وبناءً على ذلك يجب اعادة بناء العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الانساني على هذه الاسس:

اولها: ان تكتسب المرأة مكانتها في المجتمع تبعاً لقاعدة المصالح المتبادلة بغض النظر عن غيرها من الافكار الموروثة (التربية, الزواج, التعليم, العمل, تولي المناصب, الاختلاط والصداقة) 

وثانيها: أنه لا ينبغي على المجتمع حرمان المراة من حقوقها السياسية, وذلك لأن هذا الحرمان يُعد سلباً لقدر كبير من حريتها وحرمانها من ممارسة فعل لا يحول بينها وانجازه سوى بعض الآراء الرجعية المستمدة من ثقافة ذكورية بائدة.

وثالثها: أن تربية المرأة على أن المجتمع والأمة لا يسيرهما ويقودهما سوى الرأي الجماعي القائم على احترام رأي الاغلبية سوف يقضي حتماً على كل أشكال الاستبداد التي تعاني منها المراة.

ورابعهما: التسليم بأن الحرية هي حق من حقوق الوجود الانساني وانها في الوقت نفسه مسئولية يجب أن يتحمل توابعها المرء في توجيه افعاله, وانتخاب مواقفه, فالقانون وحده هو الذي يحد من تلك الحرية, فينبغي على كل افراد المجتمع وضع قوانين على نحو لا يخالف الفطرة من جهة ولا يجعل الحرية شكل من اشكال الفوضى والعدوان على حقوق الآخرين من جهة ثانية أو شعاراً أجوف يتحكم فيه ايديولوجيات وتصورات يلفظها الرأي العام ويمجها الذوق الحسن وتجحدها الفضائل الاخلاقية السائدة.

وخامسها: أن معيار الكفاءة وحده هو الذي يبرر اصطفاء القيادات, فالرجل والمراة أمام القانون سواسية, فالتعليم واكتساب المهارات هو السبيل الذي يجب للمرأة أن تسلكه لتتفوق في سوق العمل.

وينتقل أبو شادي من حديثه عن حرية المرأة إلى حرية التفكير والاعتقاد, فنراه يؤكد على أن حرية الكتابة والبوح والنقد بكل اشكاله يعد من الحقوق الأساسية للإنسان, وعليه لا ينبغي وضع قوانين أو لوائح تحول بين المواطنين وممارسة هذا الحق, اللهم إذا ما تعارض ما ينشرونه في المجتمع من أخبار وآراء وأفكار ومعتقدات مع الصالح العام للدولة أو تهديد أمنها أو السعي لهدم كيانها وتفكيك عناصرها مثل تحريض الجمهور للتمرد على قانون الخدمة العسكرية أو الامتناع عن أداء الضرائب المستحقة أو نشر الاكاذيب, فإن مثل ذلك لا يعد شكلاً من أشكال الحرية بل هو مسلك فوضوي ينبغي العزوف عنه ومعاقبة من يسلكه.

وفي ذلك يقول "لا يجوز أن يُمس أي إنسان من جراء آرائه السياسية أو الفلسفية أو الأدبية متى كان تظاهره بتلك الآراء لا يعكر صفو الأمن العام. وحرية تبادل الأفكار والآراء من أعز حقوق الإنسان الذي له أن يتكلم ويكتب وينشر يكل حرية إلا في الاحوال التي يعدها القانون افتئاتاً على حدود الحرية".

ويضيف أبو شادي في كتابه "روح الماسونية وآمال الإنسانية, وهو الكتاب الثاني الذي وضعه للترويج للمحفل الذي رأسه عام 1926 في بورسعيد– كما أشرنا– لذا ينبغي النظر لهذه الاقوال باعتبارها الخطاب الدعوي المؤسس للاخوة الماسونية" في حملته على الجمود والتعصب والرجعية والاقصاء والعنف" أن التعصب بكل صوره يحول بين العقل والتفكير الحر والفعل الارادي والنقد البناء والحكم الواعي"

ولما كان الغرض الاساسي للماسونية هو البناء والاصلاح فكان لزاماً عليها محاربة ذلك العنف الفكري المتمثل في رزيلة التعصب.

وللحرية قيود مستمدة من العادات والتقاليد والقيم الخلقية التي تتناسب مع العلم والعقل معاً, بالاضافة إلى آثارها الايجابي في المجتمع ومعالجة آفاته ومشكلاته, لذا تجد الماسونيين يناصرون العلم والعلماء ويدافعون عنهم ومكتشفاتهم بما استطاعوا إليه سبيلا ويؤسسون الجمعيات التي تبث في المجتمع الفضائل ومكارم الاخلاق وأخرى عن مكافحة الادمان والمخدرات والعهر. ذلك بالاضافة إلى تشييد دور العبادة بغض النظر عن الملة أو الدين أو الاله المعبود فيها (معبد وثني أو كنسية أو جامع).

وينتقل أبو شادي لمناقشة قضية الولاء والانتماء في ظل دعوة الماسونية للاخوة العالمية، فذهب إلى أن جميع المحافل تدعوة إلى الاخوة العالمية, غير أنها في الوقت نفسه لا تريد نزع روح الولاء والانتماء للوطن شريطة أن يكون ذلك الحب لا يتعدى المشاعر الرقيقة والحنين للأرض والصحبة والخلان, ودون ذلك يُعد من ألوان التعصب والعنصرية والعنف تجاه الآخرين وهو مع ذلك يبيح الحرب دفاعاً عن الوطن ضد أي معتدي من أولئك الذين استباحوا السطو على الأمم النامية والدول الضعيفة, فاذا كانت الماسونية تنشد السلام العالمي فانها تحارب في الوقت نفسه كل أشكال الاحتلال. ويقول "أن الذي لا يعرف حب أسرته لن يعرف حب وطنه. ومن لا يعرف حب وطنه فلن يعرف حب (الدولة الماسونية) الكبرى التي ترمي إلى تكوين جمعية أخوية دولية عظمى".

فالماسونية– على حد تعبيره– عبادة فكرية, ومعاهد أخلاق وفضائل, ومصادر إحسان وإرشاد, وتعاليم سرية تضمن بقائها وتحافظ على كيانها وتعاليمها واستقرارها, وتحوي فلسفة تجمع بين الروحية والمادية والنظر والعمل والمثالية والواقعية والتفرد والجماعية والليبرالية والاشتراكية ووحدة الأديان والتسامح الطائفي والنزعة العقلية.

وللحديث بقية ....

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز