عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تغييــر اللا تغييــر

تغييــر اللا تغييــر

بقلم : محمد هيبة

منذ أن انتهت مدة رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية فى يناير الماضى.. وكذلك منذ أن انتهت مدة رؤساء التحرير فى يونيه الماضى.. ولا حديث فى الوسط الصحفى والإعلامى سوى عن التغييرات الصحفية والتعديلات التشريعية المطلوبة لإحداث هذه التغييرات.




الحقيقة أننى يجب أن ألفت النظر إلى حقيقة واضحة وضوح الشمس ولكن لا أحد يريد أن يراها أو يعترف بها.. وهى أنه منذ صدور قرار الرئيس المؤقت عدلى منصور بتشكيل المجلس الأعلى للصحافة فى 1/9/2013 على أن تؤول إليه اختصاصات مجلس الشورى المنحل والملغى بعد ذلك فى دستور 2014 فإن المجلس الأعلى وفق قرار تشكيله وصلاحياته جاء كمجلس مؤقت فى مرحلة انتقالية حددت مدته بعامين أو لحين إصدار التشريعات الإعلامية المكملة لمواد دستور 2014، ومن ثم فقد قام المجلس الأعلى المؤقت بتعيين قيادات صحفية مؤقتة لمدة عامين سواء رؤساء مجالس إدارات أو رؤساء تحرير.. أى أننا فى النهاية نحن أمام وضع انتقالى مؤقت ومجالس مؤقتة لحين إصدار التشريعات الصحفية، والمعضلة الأساسية أن التشريعات الصحفية والإعلامية التى انتهت لجنة الخمسين من إعدادها لم تصدر حتى الآن وتأزم الوضع القانونى سواء للمجلس الأعلى للصحافة أو للقيادات الصحفية وأصبحت كلها مجالس وقيادات تسيير أعمال.
لذا تعالت الأصوات منذ يناير وتصاعدت وتيرتها بعد أزمة النقابة مع الداخلية والحكومة مطالبة بالتغييرات خاصة بعد أن تضامن المجلس الأعلى مع النقابة فى أزمتها.

والمؤسف أن هذا الوضع المعقد المتشابك قانونيا وتشريعيا ومهنيا المسئول عنه هو الحكومة بالدرجة الأولى، حيث إن التشريعات الصحفية سلمت لمجلس الوزراء فى مثل هذا التوقيت من العام الماضى، ولكن للأسف تم تغيير حكومة محلب التى كانت على علم تام ودراية تامة بهذا الملف.. وجاء شريف إسماعيل الذى حاول أن يبدأ من الصفر فى التعامل مع هذا الملف.. وظل القانون حبيس الأدراج حتى الآن، وقد أثرت هذه النقطة فى مقال سابق فى سبتمبر 2015 طالبت فيه الحكومة بأن ترفع القانون للرئيس ليصدره قرارا جمهوريا بقانون، ثم بعد ذلك يعرض على مجلس النواب الذى لم يكن قد تم انتخابه بعد.. وقلت إن تأخير إصدار هذا القانون فى هذا التوقيت سيؤجل خروجه إلى النور لأكثر من عام وربما يصل إلى عامين.. ولكن لا أحد يسمع ولا أحد يقرأ.. والنتيجة المزيد من الفوضى فى الوسط الصحفى والإعلامى واستمرار حالة تسيير الأعمال.. وكل الأمور محلك سر.. والغريب أنه بدلا من الإسراع فى مناقشة القانون فى مجلس الوزراء ومجلس الدولة وسرعة عرضه على مجلس النواب خرجت علينا بعض الاقتراحات الغريبة والموجهة بإجراء تعديلات غير دستورية على المادة 68 من القانون 96 لسنة 96 تعطى الحق لرئيس الجمهورية فى إعادة تشكيل المجلس الأعلى للصحافة، ومن ثم إعطاؤه حق إجراء التغييرات الصحفية.. وواضح أن بعض الحكماء أشاروا على الرئيس بعدم الانسياق والدخول إلى هذه الأزمة الصحفية وهذا الخلاف المهن.. وحسنا فعل.. فإذا بتعديل على التعديل يعطى الحق لمجلس النواب ورئيسه فى إعادة تشكيل المجلس الأعلى للصحافة وتغيير القيادات الصحفية.

الحقيقة أنه تمارس ضغوط مختلفة من السادة النواب الذين يقفون وراء هذا التعديل وللأسف كلهم صحفيون.. ويبدو أن رئيس مجلس النواب استجاب للضغوط مؤخرا وأحال التعديل إلى لجنة الصحافة والإعلام بالمجلس التى نعرف توجهها مسبقا والمشكلة أن تعديل هذه المادة باطل دستوريا لأنه يجب الاستناد إلى مواد دستور 4102 وليس إعادة إنتاج مواد دستور 1791.

يعنى الحكاية ببساطة «عك * عك»، وزيادة الطين بلة.. فالوضع الحالى للمجلس الأعلى للصحافة وضع مؤقت.. والتعديل المقترح فى مجلس النواب هو أيضا تعديل يؤدىإلى وضع مؤقت، أى أننا سنستبدل وضعا مؤقتا بوضع مؤقت آخر لحين إجراء التشريعات الصحفية وخروج القانون إلى النور.. المنطق نفسه سيكون مع القيادات الصحفية ورؤساء التحرير، فنحن أمام قيادات مؤقتة سنستبدلهم بقيادات أخرى مؤقتة لحين صدور القانون وهذا كله يكشف القصور الفكرى والتشريعى والقانونى والمهنى  الذى يزيد من أزمات الصحافة القومية ولا يحلها.

أنا هنا لا أدافع عن استمرار المجلس الأعلى للصحافة لأن شهادتى معه غير مجروحة.. ولا أدافع عن استمرار قيادات صحفية سواء كانوا ناجحين فى مواقعهم أو غير ذلك، ولكن أتساءل فقط: هل التغييرات المقترحة هى التى ستقيل المؤسسات الصحفية من عثرتها.. وهل الأوضاع المالية والاقتصادية لهذه المؤسسات ستتحسن بتغيير القيادات.. بالطبع لا.. لأن المسألة أكبر وأعقد بكثير من تغيير عدة أسماء أو عدة أشخاص، فالأوضاع المالية والاقتصادية والهيكلية لكل المؤسسات تحتاج إلى تضافر كل مؤسسات الدولة لتعديلها وتحسين أوضاعها وليس فقط المجلس الأعلى للصحافة ولا قياداته لأن مديونيات المؤسسات الصحفية الضخمة بفوائدها هى نتاج فساد 30 عاما وليست وليدة اللحظة.

ناهيك عن ذلك، فإن أوضاع المؤسسات ساءت بشدة بعد 25 يناير وتراجعت الإيرادات بنسبة 80% عما قبلها نتيجة التراجع الاقتصادى للدولة كلها وانحسار الإيرادات والإعلانات والنشاط التجارى والدعم غير المباشر من الحكومة المتمثل فى طبع كتب التربية والتعليم التى انخفضت إلى الربع بفعل الإخوان وإعلانات ومناقصات الوزارات والحكومة وغيرها.. مع ارتفاع أسعار المواد الخام بشدة وأهمها الورق الذى ارتفعت أسعاره إلى الضعف ووصل إلى 8 آلاف جنيه للطن نتيجة ارتفاع أسعار الدولار ارتفاعات مستمرة، لذا ولأن هذه المؤسسات مملوكة للدولة بالدرجة الأولى.. فكان المنطقى والطبيعى أن تتدخل الدولة لتحمى هذه المؤسسات من السقوط والانهيار لأنها قضية أمن قومى بالدرجة الأولى والصحافة القومية هى خط الدفاع الأول عن مكتسبات الشعب والوطن، ولهذا فلا داعى للحديث مرارا وتكرارا عن الدعم الذى قدم ويقدم لهذه المؤسسات الذى يقدر بمليار وربع المليار جنيه، وهذا الدعم لم يكن يوما من الأيام موجها للتطوير كما يدعى رئيس الوزراء، ولكن كان ذلك لمواجهة التراجع الاقتصادى لهذه المؤسسات، وهو ما حدث مع مؤسسات كثيرة فى الدولة وأيضا لمواجهة الأعباء المالية الكثيرة لها التى أشرت إلى بعض منها خاصة فى بند المرتبات والأجور الذى زاد بشدة بعد 2011، وإذا كانت الدولة والحكومة تشكو من ارتفاع ميزانية الأجور السنوية أفليس من حقنا أيضا أن نشير إلى الزيادات الرهيبة فى الأجور والمرتبات داخل هذه المؤسسات بعد 2011، والحقيقة أن ترديد هذه النغمة هو خطة ممنهجة لمحاولة تهيئة الرأى العام للتخلص من هذه المؤسسات التى يبدو أنها أصبحت عبئا على الدولة إما بالبيع والخصخصة أو بالدمج، ورغم أن الدستور أكد ملكية الدولة لهذه المؤسسات.. فإنه ما المانع من تعديل الدستور مثلما ظهرت دعاوى كثيرة لتعديل بعض مواد هذا الدستور.

ثم هناك نقطة أخيرة.. هل الزملاء الأفاضل الذين يطالبون بالتغييرات ويحاولون وضع تعديل القانون موضع التنفيذ.. هل هؤلاء راجعوا ميزانيات وخطط هذه المؤسسات فى السنوات الثلاث الأخيرة ووقفوا على حجم الخسائر أو الأرباح سواء كان ذلك أم ذاك.. حتى تكون التغييرات على أسس سليمة.. وإذا كنت لا أستطيع أن أتحدث عن غيرى فأنا أستطيع أن أتحدث عن «روزاليوسف» فبعد أن كانت فى أسوأ وضع مالى واقتصادى قبل 30 يونيه 2013 بفضل سياسات الإخوان الذين كانوا يسعون لتدمير هذه المؤسسة وتركيعها.. وإغلاقها نهائيا لأنها كانت المؤسسة الصحفية الوحيدة بإصداراتها الثلاثة التى وقفت فى وجههم ولم تكن فى صفهم على الإطلاق، ودفعت ثمن ذلك غاليا بإيقاف الدعم تارة وتقليله تارة أخرى.. وإشعال نار الفتن والمؤامرات بين أبناء المؤسسة تارة ثالثة.. «روزاليوسف» بعد 30 يونيه 2013 بدأت تستعيد توازنها وتقف على أقدامها بقوة شامخة وفى 3 سنوات استطاعت تقليل الخسائر وزيادة الإيرادات بصورة واضحة وصلت إلى 23% تقريبا سنوياً رغم كل المعوقات المالية.. وأيضا سددت مديونيات وموردين وصلت إلى أكثر من 75 مليون جنيه، بالإضافة إلى تسديد التزاماتها المالية تجاه الموردين ومصانع الورق.. ورغم حالة تضييق الخناق التى تمارسها المالية والتأمينات والضرائب على المؤسسة ورغم الديون السيادية وديون البنوك التى تقف حائلا أمام أى تطوير ننشده.. فإننا أيضا حققنا إضافات إلى أصول المؤسسة تكمن فى ماكينات تضاف إلى الطاقة الإنتاجية وتشغيل مطبعة كانت معطلة منذ سنوات.. وأعتقد أن هذا معيار أساسى وجوهرى لهواة الحديث عن التغييرات. نحن لسنا ضد التغييرات.. ولكن يجب أن تكون على أسس سليمة قانونية ومهنية.. وأن تساهم فى تحقيق الاستقرار والمناخ الصحى السليم لهذه المؤسسات للقيام بدورها وأعبائها المهنية والتثقيفية والتنويرية.. وليس مجرد التغيير لمجرد التغيير.

وللحديث بقية. •

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز