عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
" مصر في عامين "

" مصر في عامين "

بقلم : د. محمد فاروق

كلمة الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ثم في الجلسة الخاصة بمجلس الأمن تحتاج إلى عمق سياسي وحِسّ إعلامي كبير لتفنيد ما جاء بها من توجهات ، ليت أصحاب الفضائيات يتفرغون لقراءة السطور الواضحة فضلاً عن ما بين السطور من إشارات يستطيع من خلالها القارئ السياسي الناضج أن يستنبط القادم .



أولاً على الجميع أن يتذكر أن الكلمة التي ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2014 /2015 كانت تستحث جميع الأعضاء المشاركة بالجمعية العامة على التسليم والاعتراف بشرعية النظام القائم بعد 30 يونيو ، كنا نتلمَّس وقتها الطريق ، كانت سهام الدول الكبرى موجهة لطرح مصر أرضاً وإفقادها التوازن المكتسب من إرادة شعبها في يونيو ، كنا نسعى لإثبات وجود مصر بنظامها الجديد عبر شرح خارطة المستقبل وما تتضمنه من استفتاء قادم على دستورِِ جديد ، ثم انتخاب برلمان مصري لاستكمال مؤسسات الدولة ، كنا في " ألِف ، باء " إثبات وجود .

 

وقتها أتذكر كلمات المساندة العربية والدعم الذي كان له عظيم الأثر في ترسيخ دعائم الدولة المصرية بنظامها الجديد ، كانت كلمة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات الشقيقة أعظم مما كنا نتصور ونتخيل ، الملف المصري تقريباً كان هو المسيطر على كلمة الدولتين ، كنا في حاجة ماسة إلى تلك المساندة من الدول العربية الأكثر تأثيراً في كلمتها وتوجهاتها على اللوبي الأمريكي الأوروبي .

خلال عامين فقط ، وفي كلمة الرئيس أمام الجمعية العامة ثم في جلسة مجلس الأمن ، كانت مصر تفرض وجهة نظرها على الملفات الساخنة الخاصة بالوضع العربي ومنطقة الشرق الأوسط ! خلال عامين فقط كانت مصر عضواً غير دائم ضمن أعضاء مجلس الأمن ولمدة عامين ، كانت رئيساً لأهم وأكبر لجنة داخل هذا المجلس ، وهي لجنة مكافحة الإرهاب .

بعد عامين فقط وقف الرئيس المصري يتحدث عن الوضع السوري مُحذراً الجميع كما جاء في كلمته التي قال فيها "   لقد مرت خمسة أعوام ونزيف الدم لازال مستمرا فى سوريا.. مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين واللاجئين، ومازال الحل السياسي غائباً ، ومازالت سوريا نهباً لأطماع إقليمية ودولية تستغل أزمتها لتحقيق مصالح ضيقة وفريسة لإرهاب يتغذى على هذه الأطماع ويتفاقم مهددا مقدرات الشعب السوري.

ثم انتقل الرئيس لفقرة أشد حسماً حينما قال " دعوني أقولها صراحة ، أن كل من يُراهن على حسم عسكري يُفضى لغلبة فريق واحد في سوريا ، فهو خاسر ! كما أن كل من يُراهن على أن تلعب التنظيمات الإرهابية دوراً في مستقبل سوريا ، فهو واهم ! ثم استطرد قائلاً : إن مصر ليست في حاجة لأن تؤكد أنها ترفض رفضاً قاطعاً أي تدخلات أجنبية في الشئون العربية .

ثم انتقل الرئيس أيضاً إلى إيضاح غاية في الدقة عندما قال : لا مجال على الإطلاق لتجميل صورة الإرهاب الكائن على الأراضي السورية !

عزيزي القارئ : حاول أن تسترجع السطور الماضية مرةً أخرى مع عقد جلسة طارئة بينك وبين الماضي القريب ، ثم بينك وبين الماضي البعيد ، لترى أن هذه النبرة الحادة ليست مجرد خطاب يُملى على الحضور ثم يزول مفعوله بعد انتهاء فعاليات الحدث ، لتتأكد أن هناك سياسات استطاعت مصر أن تجمع فيها ولها جُل قواها لتقف واثقةً تتلوها على الجميع في شكل قرار مصري وليس في شكل طلب أو التماس .

إن الأدوات التي تسمح بتبني مثل هذا الموقف المصري تحتاج لسنوات عديدة ربما لا تقل عن عقدين من الزمان في ظل الظروف الراهنة التي تأكل من الأخضر كلما اشتد عودُه ، إلا أن مصر خلال عامين فقط استطاعت بناء ترسانة سياسية ودبلوماسية وعسكرية تؤهلها لأن تقول كما جاء في كلمة الرئيس " إن مصر ليست في حاجة لأن تؤكد أنها ترفض رفضاً قاطعاً أي تدخلات أجنبية في الشئون العربية  " هذا بخلاف ما جاء على لسان الرئيس فيما يخص ليبيا عندما قال " إن مصر تحمي حدودها مع ليبيا بالشكل وبالكيفية التي لا تسمح بمرور التيارات الإرهابية إلى أراضيها " هذا فضلاً عن الدعم اللوجستي والعسكري الذي تقدمه مصر للقوات المسلحة الليبية سراً ، في الوقت الذي يمتنع فيه العالم أجمع عن الدعم العسكري للجيش الليبي .

صفقات التسليح المصرية التي أبرمتها القوات المسلحة براً وبحراً كانت إحدى دعامات هذا الخطاب المُستقل صاحب القرار السيادي و الحاد في لهجته والمُتسم بالدبلوماسية أيضاً . تلك الصفقات التي تحدث عنها بعض الجهلاء ، أو قُل العملاء متسائلاً : لماذا صفقات التسليح ؟!

عزيزي القارئ : الأمن يصنع الاقتصاد ، والاقتصاد محرك السياسات ، وبخلاف هذا الترتيب لن تقوم قائمة لدولة أو لشعب كائناً من كان . والذي يسأل عن سبب صفقات التسليح لا يجهل في الحقيقة المراد منها ، إنما هم جميعاً أداة في أيدي أصحاب خارطة التمزيق والتقسيم والخراب داخل الأراضي العربية ، تلك الخارطة التي تم تمزيق معالمها في يونيو 2013 بأيادي مصرية . وللحديث عن كلمة مصر بقية .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز