عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الأمـــان

الأمـــان

بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى

كل البشر تسعى لتحقيق الأمان ، ودائمًا ما يختلف مفهوم الأمان من إنسان لإنسان ، ولكنه في النهاية هدف كل البشر ، يسعون إليه ، ويحاربون من أجله ، ويدفعون في سبيله الغث والثمين ، لاسيما لو دفعوا أعصابهم ثمنًا للشعور بلحظة أمان ، فهل نختلف على أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يَحيون دائمًا فوق فوهة بركان ، أو على جمرة من نار ؛ خوفًا من كل شيء في الحياة ، فهم يخشون الموت والمرض والفقر والضياع والغدر ... إلخ ، فلديهم رغبة قاتلة في الوصول إلى الأمان التام الذي لا تشوبه شائبة ، ولا خلاف على نُبل الهدف ، ولكن السؤال ، هل هناك أمان تام في الحياة ، فلو تفكرنا بعمق سنكتشف أن الحياة عبارة عن مغامرة كبرى ، ورحلة غير محددة الأهداف ، فكم من مرة خرج إنسان من منزله مُحددًا هدفه وطريقه ، ولكنه غيره في آخر لحظه ، وكم من حلم سعى الإنسان إلى تحقيقه ، ولكنه في النهاية وصل إلى تحقيق حلم آخر لم يكن يتخيل أن يعيشه ولو للحظة واحدة ، وكم من أشخاص كرهنا مجرد فكرة التعامل معهم ، ثم أصبحوا شركاء الحياة والعمر والعكس ، فهكذا الحياة لها حساباتها الخاصة ، فهل يمكن أن نصل معها للشعور بالأمان الكامل التام ؟ وبالقطع فسيكون البديل أن نعيش في قلق وتوتر مستمر خشية تحقيق أي ألم تخشاه ، ولو تعايشنا هكذا ، سنصل إما إلى المرض المزمن أو الجنون ، وبالقطع رغم قدسية الحياة ، إلا أنها لا تستحق أن يفقد الإنسان من أجلها كل وأهم شيء فيها ، لاسيما وأنها ستنتهي لا محالة ، لذا فالحل الوحيد لكي نحقق التوازن بين تحقيق الأمان ومجاراة متغيرات الحياة ، هو القناعة التامة بأن الأمان التام كامن في الإيمان التام ، نعم ، فلو أننا آمنا أن كل شيء بيد الله ، وأن الحياة ذاتها بمن وما عليها ملكًا له وحده ، وأن مقدراتنا ليست في أيدي بعضنا البعض ، وإنما في يديه ، وأننا مجرد أدوات مُسَخَّرة لتنفيذ أوامر القدر ، وأن الابتلاء ينزل ومعه اللطف ، وأن المولى – عز وجل – أرحم وأحنّ علينا من أنفسنا ، وأن خوفنا وهلعنا من المستقبل وغدره ، ومن الحياة ومتغيراتها لن يصلوا بنا إلا إلى المتاهة ، التي لا أمل في الوصول منها ، فهنا فقط ستهدأ أعصابنا ، وستتحول حياتنا إلى رحلة تحوي في طريقها كل أشكال المشاعر ، وسوف نُؤمن أننا خُلقنا لنتذوق كل أنواع الأحاسيس ببرودتها ودفئها ، بآلامها وأفراحها ، بعذابها وسكينتها ، فمن يظن أن حياته ستسير على وتيرة واحدة ، وأنها لن تتغير أو تتبدل أو تختلف ، فهو بلا شك مخطئ ، فالأمان ذاته متغير ، فقد يُحقق الإنسان الأمان المادي ويعجز عن تحقيق الأمان الصحي ، وقد يحقق الأمان الاجتماعي ، ويفشل في تحقيق الأمان النفسي .



باختصار ، الكُوب مستحيل أن يكتمل إلى نهايته ، وهذه هي حكمة المولى – عز وجل - حتى تظل أيدينا مرفوعة إلى السماء ، وتهتز أرواحنا من رحمة المولى – سبحانه وتعالى – بنا عن احتياجنا إليه . وأخيرًا لا يسعني أن أقول سوى ، إذا كنا نبحث عن الأمان ، فلن نجده إلا في الإيمان .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز