عاجل
الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عن القيادة والرؤي المستقبلية

عن القيادة والرؤي المستقبلية

بقلم : د. أحمد الديب

يقسم بعض الكتاب مواصفات القيادة إلي نوعين ، مواصفات تمثيلية ، ومواصفات عامة . المواصفات التمثيلية هي المواصفات التي ينبغي أن يتحلي بها القائد من جنس ما يعمل ، فاللياقة البدنية عند لاعب الكرة لا تؤهله ليكون قائداً لفريقه إذا لم يتحلي بغيرها من الصفات بينما لا يمكن أن يكون قائداً بدونها .  أما المواصفات العامة فهي المواصفات التي يتحلي بها جميع القادة مهما تغيرت الانشطة .

وإذا نظرنا إلي السمات التي يجب أن يتحلي بها القادة وجدنا انها مواصفات لا نهائية بحيث لا يمكن أن يحتويها مقال ولا حتي كتاب . اهم ما يتميز به القائد في رأيي هي الحماسة والتي  هي شراين الحياة  ، كما يقول شكسبير في مسرحيته الشهيرة " هنري الرابع " ...." الحماسة هي الشريان الرئيسي في هذه الحياة "....تري القائد صادقاً مع نفسه متسقاً مع ذاته ، تَحمل أفعالة و أقواله قِيَمَه التي يؤمن به فيكتسب الثقة في نفسه ويثق أتباعه فيه . يتحلي بثلاثية "الصرامة والإصرار والعدل" . يتحدي نفسه أولاً ليحقق أهدافه البعيدة طبقاً لمعاييره العالية . يتحلي بالإنسانية فلا ينساق وراء كل ما هو حيواني والطموح الشديد الذي يمكنه من رسم المستقبل والقدرة علي اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ثم القدرة علي التكيف المرونة بعقليتة المنفتحة وجرأته منقطعة النظير .



دعنا ننظر للقيادة بشكل مختلف ، إن أردت أن تهضم معني القيادة الحقيقي والأعمق ، عليك أن تتخلص من الصور الذهنية المرتبطة بالقيادة عندك ، والتي تَحصُر تابوهات القيادة في القيادة العسكرية ، أو القادة السياسيين ، أو المشاهير من قادة التاريخ . القيادة بمفهومها الواسع والأعمق هي تلك التي ترتبط بالموقف وبما يحسن الفرد منا . هب أنك الرجل الأول في مؤسسة عظمي أنت قائدها الفذ ، ثم تعطلت سيارتك التي تقلك وأولادك في طريق صحراوي فمر أحدهم من بين يديك فاستوقفته فاكتشفت أنه ميكانيكي السيارات والذي يعمل في مؤسستك والذي بادر ليشخص الأعطال ويصلحها وأنت تحاول أن تساعده طبقاً لرؤيته هو لا رؤيتك انت . الحقيقة تكمن في أن  لكل مستوي قيادة ، ولا يمكن لمستوي أن يدعي أفضليته علي المستوي الآخر ، إنه التنوع البشري الذي يجعل غيرك يبرع فيما لا تبرع فيه ويجعلك تبرع في ما لا يبرع فيه غيرك  فتحتاج له ويحتاج لك ولا يمكن لأحدكما ان يستغني عن الآخر وهو المفهوم الذي يؤكد ان التكامل والتعاون والتنسيق هي أيقونات نجاح الجماعات  كالأسر والدول وحتي الأمم .

ثمة ثلاثة أنواع من السلطة ، السلطة التي تنبع من الموقع كسلطة رئيس المؤسسة ، وسلطة المعرفة  والتي تنبع مما يجيد الفرد وما يحسن ، وأخيراً سلطة الشخصية والتي تنبع من الصفات الفطرية الطبيعية المؤثرة . وبينما كان مفهوم القيادة في الماضي وكذلك مفهومها الأسطوري يحوم حول النوع الاول من السلطة وهو سلطة الموقع إلا أن هذا المفهوم قد تغير واتسع ليشمل السلطتين الأخيرتين ، سلطة المعرفة وسلطة الشخصية المؤثرة . أتذكر أول مرة قرأت فيها عبارة " إن المعرفة قوة " ، كانت مكتوبة علي الجدار الخارجي للمدرسة الثانوية ، بالطبع لم أكن أعلم المعني العميق وراء هذا التعبير فإذا به يرتبط بمسوغات السلطة والريادة والقيادة.

وكما أن بعض القادة يناسبون المواقف والظروف الطبيعية العادية والغير استثنائية ، تجد أن الظروف الاستثنائية والطواريء والأحداث الغير متوقعة تحتاج إلي نمط آخر من أنماط القيادة . كان "نابوليون بونابرت"  يتميز بسرعة وشجاعة اتخاذ القرار والتفكير السريع وهي ذات السمات التي جعلته من أكثر القادة قدرة علي التعامل مع الأزمات والظروف الاستثنائية والطواريء والأحداث الغير متوقعة .  كما أن قائد ناجح في مجموعة أو قطاع معين ليس بالضرورة يستطيع أن يحقق نفس النجاح في مجموعة أخري أو قطاع آخر .

والقادة ذوو الرؤي لا يرون المستقبل فهم لا يطلعون علي الغيب ، لكنهم يستطيعون عن طريق فهمهم العميق للواقع أن يضعوا تصوراً دقيقاً للمستقبل من خلال بناء نموذج نظري فكري لما سوف يكون ، وهم لا يكتفون بالرؤي والتي لا تتجاوز مخيلاتهم ، بل يعملون لتحويل هذا النموذج النظري إلي واقع ملموس ، فيضعون الخطط التي هي بمثابة النور الذي سيهدي الأتباع إلي المستقبل . لذا تظل قدرة القادة علي فهم الواقع فهماً دقيقاً والتنبؤ بالمستقبل مع القدرة علي التنفيذ من أهم الصفات التي لا بد أن تميز القادة ذوي الرؤي والذين يغيرون واقعهم ويلهمون أتباعهم بذات الرؤية فيتحركون جميعاً نحو المستقبل بخطي حثيثة .

وبينما يري العوام في الخيال محض هراء ولا يتعدي كونه أحد أشكال ألعاب الاطفال ، يصدق القادة خيالهم ويحاولون تطويره وتحويله إلي واقع ملموس فاذا هم بين عالمين ، عالم خارجي يعيشون فيه وعالم داخلي يعيش فيهم يمتليء بالأفكار والرؤي والبدائل والصور.
والقادة الحقيقيون مع إيمانهم العميق برؤاهم للمستقبل ومع قدرتهم الشديدة علي التأثير علي أتباعهم وإقناعهم بالتحرك نحو أهدافهم المنشودة ، تجدهم أكثر الناس تحملاً للمسؤولية وأكثرهم استعداداً لمواجهة المخاطر وتحملها فلا يجدون عيباً في النقد الخارجي ولا النقد الذاتي، ولا في الاعتراف بالخطأ والذي يمكنهم من تصحيح المسار دائماً .

 أين نحن من هؤلاء ، لا أدري ما  الطريقة التي نختار بها الوزراء والمحافظين مثلاً ، لكن النتائج تدل علي أن ثمة مصيبة في ذهنية القائمين علي اختيار القيادات  ، فلو أخذنا في الاعتبارأن الوزير هو قائد حقيبته ، فإن العلم وتجارب الأمم تؤكد عكس ما اعتدنا عليه من طرق الإختيار . ليس كل مثقف عميق الثقافة يصلح أن يكون وزيرا للثقافة  ، كما أنه ليس كل طبيب ناجح مؤهل أن يكون وزيراً للصحة . في الغالب يقوم المكلف بتشكيل الحكومة بفتح هاتفه الجوال ويخرج من قائمة المسجلين من معارفه القادة في كل مجال حتي أصحاب السوابق منهم!. إن اختيار القادة بهذه الطريقة التي ما أنزل الله بها من سلطان سيؤدي حتماً إلي ضبابية الرؤية وإلي فقر العمل الجماعي ، . وهذا الخلل كالفيروس الذي ينتقل من مكان إلي آخر في ذات الجسد ليصيب التنفيذ بعد ما أصاب التخطيط .

نحن في أمس الحاجة إلي رؤية وطنية عامة تنتقل إلي الجميع من مستويات القيادة إلي المستويات القاعدية . إنها الرؤية التي ترسم المستقبل ثم تتشرب في الثقافة العامة وفي القيم العليا للجميع . وهذه الرؤية إن صدقت ورأت الجماهير أن هناك سعياً حثيثاً لتحقيها بوضع الخطط القصيرة والطويلة وبتوطين الأكفاء في مواقعهم التي يستحقونها وبمحاربة الفساد المتوغل واستبعاد الفاسدين في كل موقع ، ستكون الوازع الحقيقي لإقناع الجماهير بأن تعمل وتصبر وتتوقع كل ما هو خير، وهي الضمانة الحقيقية لرفعة هذا الوطن وسلامته واستقراره وتحقيق مستقبله المنشود.  
 
*خبير الإدارة والجودة.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز