عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ابو شادي والفلسفة الماسونية

ابو شادي والفلسفة الماسونية

بقلم : د. عصمت نصار

لم ينظر مفكرنا للماسونية على أنها احدى النزعات الغربية أو واحدة من الايديولوجيات التي انتشرت بين المثقفين, بل نظر إليها على أنها فلسفة حياة. فقد ذهب أبو شادي إلى أن الماسونية ليست مجرد جماعة أو فصيل إصلاحي لتقويم الجماعات بل هي فلسفة وعقيدة إنسانية ترمي في المقام الأول إلى تحقيق السعادة للبشر كافة, لذا نجد محافلها لا تسمح بالانضمام إليها إلا من توفرت فيه رجاجة الذهن ونور العلم وسماحة الفضائل الاخلاقية, فالفيلسوف الماسوني هو الذي يهب حياته لخدمة المبادئ والمثل التي اتنقها بمنأى عن هاتيك التقاليد البائدة التي غرست فيه روح الأنانية والعنصرية والتملك والتعلق بالمناصب حتى لو كان على حساب ذوي الاستحقاق من العلماء والفلاسفة.



ويصرح أبو شادي بأن غاية الماسونية هو إعادة بناء الطبقة الوسطى في المجتمع الإنساني على نحو يجمع بين الذوق الراقي والذهن الواعي والعقل المستنير والعلم النافع والسياسة الحرة, ويقول "أني اعتبر الطبقات المتوسطة المتنورة التي ينتسب اغلبنا إليها. هي عماد الماسونية كما هي عماد الأمية, وعماد الإنسانية جملة, ولكن الغرض الذي ارمي إليه– كما يدل بياني– هو النظر إلى حسن الأصل وحسن السيرة ودرجة التهذيب والترفع عن الإنانية والحسد قبل أي اعتبار آخر. ولا انكر أن المال قوة من القوى التي تحتاج إليها الماسونية دائماً لتنفيذ مشروعاتها الخيرية الإصلاحية وللدفاع عن الحق الإنساني, ولكن الفكر اعظم قوة لها, وبمعونته تستطيع الماسونية اجتذاب ثقة الجماهير ومعاونتها المالية... ومن واجباتنا المقدسة لنستحق الانتساب إلى الماسونية السمحة أن نعالج أنفسنا بإنفسنا, وأن نتقي أمراض الضعف, وأن نكون خير قدوة للجمهور, وإلا فالماسونية بريئة منا, وما نقترفه من ذنوب إنما يعود أثمه علينا وحدنا, فالماسونية اسمى وأشرف من أن تتحمل جرائر أبنائها الغواة الطائشين, المحبي للظهور والتكالب على الوظائف, المحاربين للاكفاء"

ويؤكد أبو شادي أن مصطلح الفلسفة الماسونية ليس مؤسساً على فراغ, أو مكتوباً من باب الشهرة أو التندر, بل على العكس من ذلك تماماً فالمحافل الماسونية قد حفت بعشرات من الفلاسفة والعلماء الذين اعتنقوا مبادئها واثروا وتأثروا بتعاليمها, نذكر منهم فرنسيس بيكون وجون لوك وفولتير وارنست هيكل ذلك فضلاً عن حكماء الشرق ومجدديه المحدثين في الهند ومصر وبلاد الشام ... وبيّن أن بأمثال هؤلاء التنويريين أيقظت الماسونية العقول, وحررت الاذهان من الخرافات والترهات والمظالم, وشجعت الثورات على كل قلاع الاستبداد والنزعات النقدية على كل ما يخالف العلم والعقل والصالح العام, وذلك كله بمنـأى عن الانغماس في الصراعات السياسية والدينية والجنسية, وذلك أن هدف الماسونية– كما ذكرنا- هو الاخوة العالمية والسلام الاجتماعي.

ويقول "الماسونية أي البناية الحرة المسماه أيضاً بالفن الملوكي هي عشيرة أدبية لها رموز خاصة وموضحة بروايات مجازية, والغرض من العشيرة البحث وراء الحقيقة والاحاسن ودرسها    والسعي في نشرها والاعجاب بالجمال وممارسة الفضيلة... ومن أصول العشيرة عدم التعصب للأديان واحترام سائر المذاهب المعروفة. أما شعارها فهو: الحرية والآخاء والمساوة ... ولا تتعرض هذه العشيرة في اجتماعاتها للمباحث الدينية ولا تخوض في المباحث السياسية, كما نصت المادة العاشرة على ضرورة الاعتقاد بوجود الاله والايمان بخلود النفس, وهو اعتقاد فلسفي صميم "

ويضيف ابو شادي ان الاعتراف بوجود إله للكون ( المهندس الاعظم ) لا يرد إلى عقيدة بعينها أو نصوص مقدسة, بل هو استنباط اهتدى إليه العقل من ادراكه لحسن النظام والحكمة الصانعة والتصور المبدع لكل ما في الوجود, وأن التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل وعشق الجمال والفناء في الخير ليس استجابة أو طاعة لتعاليم بعينها, بل هو استجابة للروح الإنسانية الطاهرة التي تنشد دائماً الكمال والخلود, وأن كجالسة الحكماء نابع من وعي وخبرة مفادها أن الشبيه يدرك الشبيه, وعليه فمصاحبة الفلاسفة والعلماء يُمكن العقل من اختيار سبله في العيش وانتقاء آلياته للارتقاء والتحضر. وأن محاربة الرذائل ومكافحة الشهوات ومجاهدة المطامع لا يعد سوى طاقة إيجابية تدفع بنفس القدر إلى البر والمحبة وتحرير الإنسانية من الأنانية والرغبة في السيطرة والتملك.

وأن الرسالة التنويرية التي يحملها الماسوني على عاتقه ما هي إلا المكافأة التي إذا ما أثمرت تحقق لصاحبها السعادة, فهل هناك أجمل من تربية العقول وتوعية الأذهان وغرس شجرة المحبة بين أفراد الأسرة, والولاء للوطن والوفاء للاصدقاء ورعاية المعوزين والعطف على المحتاجين, وبذل قصارى الجهد لمعرفة الإنسان نفسه قبل أن يتهكم أو يسخر من فهمه لانفس الآخرين, والتفاني في البحث عن الحقيقة فهي غاية الغايات, وفي البحث عنها أقصى درجات اللذة والمتعة العقلية.

واتخاذ العلم نهجاً ومنهجاً فإذا كان للحقيقة وجوه عدة فلتكن هي الحكمة والعدالة والحرية واللطف والرحمة والحلم والتواضع والقناعة والعفة. كما أن النفس النقية هي التي تتخذ من الأخلاص والوفاء والصدق والتسامح والتضحية من أجل الوطن غاية لها.

كما أن احترام معتقدات الآخرين ودياناتهم هو الحكمة العملية للتسامح والتخلي عن العنف والعزوف عن الصراعات, والحذر كل الحذر من الاسراف في القدح والمدح فكلاهما لا يوصل للحقيقة ابداً, كما أن سنة الرفق بالزوجة والأبناء من لوازم التربية القويمة التي لا يجب على الماسوني الجنوح عنها.

وإذا ما تأملنا المبادئ والتعاليم الفلسفية الماسونية في مجملها سوف ندرك أنها خلاصة العديد من الاتجاهات والفلسفات والديانات والتصورات التي جمعت في بنيتها بين المثالية والواقعية ولاسيما في مبحثي المعرفة والاخلاق, ولا يزعم فلاسفة الماسونية أنهم قدموا جديداً فيما وضعوه دستوراً حاكماً لفلسفتهم المعلنه, بل أنهم يعترفون بإنهم بحثوا وانتقوا أفضل ما كُتب من النصائح والتعاليم والآراء والأفكار, واعادوا صياغتها لتكون خير ممثل لخطابهم الدعوي والإعلامي للمثقفين على أختلاف مراتبهم وميولهم وأجناسهم وفلسفتهم التطبيقية.

وللحديث بقية....    

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز