عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"الثورة مستبدة"

"الثورة مستبدة"

بقلم : د. محمد فاروق

مصر تمر بمنعطف خطير ، بالفعل نحن في أشد الحاجة للفهم وللنظر فيما يدور حولنا ، الخطة البديلة لاستكمال تمزيق الشرق الأوسط وما تبقى فيه من استقرارا يُهدد نجاح هذا المخطط اللعين والمتمثل في " ضرب استقرار مصر " وإعادتها لما كانت عليه قبل يونيو بدأ مع نجاح ثورة يونيو ، مؤامرات عنيفة خارجية تتمثل في تكاتف أمريكي أوروبي يسعى بكل الطرق لضرب التشكيل السياسي الجديد المكون من مصر وروسيا والصين وبعض دول الخليج ! تحالف يهدد بقاء أمريكا كدولة عظمى خلال العقد القادم ! يبحثون عن إعادة نشاط " الجزء الثاني من مسلسل الربيع العربي ، أو نصف ربيع الآخر "



فماذا نحن فاعلون ؟! ما الذي تلعبه القوى السياسية الداخلية أو الإعلام المرئي والمسموع لقاء هذا التحدي الخارجي والمخططات التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لإعادة مصر إلى المربع الخطير فيما قبل يونيو ؟! لا شيء ! بل على العكس ، النخبة السياسية والإعلام المسموم يساهمون في هدم مصر عبر الاستبداد بالجهل الثوري وفقدان الثقافة والاضطلاع على ما يُحاك لنا ! يستغلون أوجاع الشعب والدولة التي تحاول القيام من عثرتها ويضربون الحابل بالنابل ليعودوا إلى المربع رقم صفر ويتحدثون عن " أهداف يناير التي لم تتحقق " !!! جميعهم لا يدرون أن يونيو جاء لإنقاذ مصر بعدما تكشفت أركان المؤامرة وكنا قاب قوسين أو أدنى من الهلاك العظيم ، هذا الأمر الذي جعلنا نسعى بكل طاقتنا وجهدنا وصبرنا على النجاة منه ، هذا الأمر الذي جعلنا نعطي الأولوية لأهداف ودواعي أخرى ومختلفة عن أهداف واستحقاقات يناير ، مؤيداً كنت أو معارضاً ليناير ، فنحن نتفق بنهاية الأمر أنه كانت هناك استحقاقات وأوجاع وآلام  وأحلام تم استغلالها لخلق الكابوس ، تم استغلالها لتأجيج الفتنة وإشعال نار ما يسمى بالربيع العربي ، فأصبحت أهداف يناير تَرَف ورفاهية مع شدة حاجتنا لها ! وهؤلاء كأنهم لا يعلمون !  

هذا التأجيج يدفع باتجاه فئات متعددة للتكالب على النَيِّل من النظام الحالي ، ويخدم مخططاتهم ومآربهم ، هذه النار التي يشترك فيها المُستبدين بالثورة تُعتبر قيمة مضافة ومحرك رهيب وخطير يُعيد مصر إلى خانة الخطر ! الثورة مستبدة لأنها عمياء ، يقودها رموز إعلامية وسياسية بلا قلب أو وازع وضمير وطني ، ثورة مستبدة يراها رموزها وكأنها فلذة أكبادهم وأجمل ذكرياتهم ، دفعهم انتمائهم لها لأن يعبدوها ، لأن يُفضلوها على مصلحة مصر وشعبها ، يدافعون عن أيام وليالِِ قضوها في الميادين ، ذكريات صارت أعز عليهم من أصل الملف والقضية ، أصبح البحث عن مصر وشعبها منبثقاً عندهم من يناير ، وخلاف ذلك فهو خيانة ، أو ارتداد عن الثورة والكفر بها !

الثورة مستبدة لأنها تجهل ولا تعرف الوقت المتوقع والكافي لإحراز تقدم في ملفات الدولة الاقتصادية المُعقدة ؟ أو في تحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية التي يتشدقون بها وكأنها مجرد قرار يقع أمره بين " الكاف و النون – كن فيكون " ! ثورة مستبدة ديكتاتورية قميئة وجاهلة ، لا تعرف التعقيدات الخطيرة في تغيير التوجهات السياسية والدبلوماسية أو العسكرية للدولة ، والتي استمرت عقوداً كاملة داخل الأحضان الأمريكية ، وآن لها أن تنتهي إلى غير رجعة !! مع أن هذا المحور كان على رأس أهدافهم الثورية " القضاء على سياسات التبعية والهيمنة الأمريكية " !

وإذا كان هذا هو الحال ، وإذا كان الصبر على الفترة وتداعياتها هو الحل ، فلماذا خرج الشعب على مرسي وجماعته بعد عام واحد من الحكم ؟! أليس هذا سؤالاً منطقياً ؟ لكن الرد عليه جاء في أهداف ثورة يونيو ، الأمر ليس سراً ، الأمر يبدو واضحاً وضوح الشمس في ثورة يونيو صاحبة العقل والمنطق والضمير والحس الوطني ، تلك الثورة التي أدارها الشعب دونما استبداد وبمنتهى نكران الذات .

أهداف يونيو كانت إنقاذ مصر من الخيانة والتآمر الذي بات واضحاً ولم تستطع هذه الجماعة إخفاؤه أو مُواراته ، فقد سلّط عليهم ربُهم أنفُسَهُم وسارعوا وتصارعوا على جمع الغنائم قبل إحكام قبضتهم على مصر ضمن مخطط عالمي شيطاني يعلمونه جيداً ، وكانت تمر الساعات علينا ونحن نرى هذه المعطيات وتتكشف لنا يوماً بعد يوم خيوط المؤامرة وما كان وحدث في يناير من استغلال لأحلام الشعب لخلق الكابوس المُفزع !

أهداف يونيو جاءت بعد أن اكتشفنا في شهور أن شعار هذه الجماعة " يا نحكمكم يا نقتلكم " ! تماماً كما كان الحال في مجزرة الاتحادية التي جسدت أفظع مشاهد هذا التيار المتأسلم المتطرف الفاشي ، هذا اليوم المشئوم الذي كاد فيه المسيحي أن يُخفي إسمه وبطاقة الرقم القومي الخاصة به حتى لا يقتلوه ، وجميعنا شاهد المهندس مينا فيليب في هذه الليلة السوداء وهو مسحولاً مضروباً عارياً من ملابسه " وسط بلده " ! المعنى الحقيقي للضياع تجسد في هذا اليوم

أهداف يونيو جاءت عندما تأكد للشعب أن مرسي وجماعته " إيد واحدة " مع أدوات الشر العالمية أمريكا و قطر و تركيا وحلفاء الإرهاب في شتى بقاع الأرض ! أهداف يونيو جاءت عندما رأينا احتفالات أكتوبر على شرف قاتلي صاحب نصر أكتوبر !

أهداف يونيو كانت لإنقاذ دولة عريقة يمتد عمرها لأكثر من سبعة آلاف عام ، لم يكن في هذه الأهداف أي مصالح خاصة أو بحث عن رفاهية العيش أو حتى البحث عن الكفاية والكفاف ، لم يكن ذلك وارداً في خروج المصريين وقتها ! لم نخرج على مرسي لأنه " فاشل " .. مع كونه فاشلاً مع مرتبة الشرف ، ولكن كنا نستطيع الصبر على فشله لولا ما ذكرناه أعلاه !

حقيقة الأمر أن ثورة يونيو جاءت لإنقاذ مصر من ثورة يناير ، يناير التي أصبحت " ثورة مستبدة " وجانبها الصواب ، وخالفها الشعب ، ولم يعد لها إلا المُستبدين ! لم نرى منها أو معها ممن قاموا بإشعال فتيل الأزمة ، مستخدمين في ذلك حلم الشعب المستحق لخلق كابوس مفزع كما ذكرنا آنفاً " إلا العملاء ، والمتحالفين مع الشيطان ، والذين تلقوا تدريبات خارجية ودعم مالي أمريكي من منظمات مشبوهة ومنوط بها إحداث خراب ودمار وتمزيق للخريطة المصرية التاريخية والجغرافية، حتى يتم الانتهاء من حرق الشرق الأوسط كاملاً بنهاية الرأس الكبير " مصر "

إذا وضعت أهداف يناير نُصب عينيك ، ثم جئت بالخبراء والعلماء في شتى المناحي الاقتصادية والعلمية وخلافه لوضع برنامجاً زمنياً لتحقيق هذه الأهداف التي عانى الشعب المصري من غيابها طيلة عقود ، ستكون الإجابة 8 سنوات في أقل تقدير ، وهذا هو ما أعلنه حمدين صباحي في برنامجه الانتخابي سابقاً ، هذا بافتراض أنك في منطقة آمنة ، ليس بها مؤامرات وحروب وقتال وانهيار يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي لمصر وبلدان المنطقة ، فكيف تحكمون ؟!

ثورة مستبدة لأنها ترى بأم عينها حرب و وابل من الأكاذيب المصنوعة عمداً لجذب مصر إلى الخلف دوماً ، فتارة يفتحون علينا النار بإسم " الاختفاء القسري " فتتجه الدولة للدفاع عن نفسها لإثبات عكس تلك المزاعم ، ثم نكتشف أن المُختفون منضمون لدولة داعش ! وتارة أخرى يبحثون فيها عن زعزعة الاستقرار الاقتصادي بترويج أخبار كاذبة عن وجود هجمات إرهابية متوقعة بحد زعمهم ، فتتأثر السياحة المصرية بعد أن بدأت تتعافى رويداً من جراء حاث الطائرة الروسية بشرم الشيخ ! ثم حادث تفجير طائرة مصر للطيران القادمة من باريس ! كل هذه الحروب يراها أصحاب الثورة المستبدة ، ثم يرتشفون قهوتهم بهدوء ليكتبوا عن تدخل الجيش في الحياة السياسية أو الاقتصادية ! أو ينتهزون حادث مثل غرق مركب الهجرة غير الشرعية ليُلصقوا هذه التهمة بالنظام لخلق حائط جديد من المبكى إلى أن يظهر حائطاً آخر !  يعجز القلم في التعبير عن عار هذا التفاوت في تناول الملفات ، هذا العار المقصود والمباشر من الرموز الضالعة في خلق المؤامرة ، والغير مباشر من الأتباع والأقزام الواقعون في عبادة يناير والمتوضئون بذكرياتها !  

الثورة مستبدة لأنها لم تدرك أنها ثورة ليست كأي ثورة جرت في العالم ، ثورة بطعم المؤامرة ضمن ثورات متعددة في محيط ومنطقة واحدة ، أمر جلل يستدعي السير على الحِبال ، أمر أشبه بالسير في المناطق الملغومة والممنوعة السير ! أمر لا يستقيم معه الشفافية في الإعلان عن توجهات الدولة الاقتصادية والسياسية كما يطلب المستبدون ، لسنا بصدد ثورة طبيعية ، ولسنا بصدد رئيس تَسَلم السلطة من رئيس آخر في أجواء طبيعية حتى نطالب بإعلان كل شيء ، وإلا ندعو للتأجيج وإعادة الصراع والنزول إلى الميادين ! ثورة مستبدة ومستمرة في استبدادها بلا عقل أو ضمير ووازع وطني ، ولا مانع لديها من وضع يدها في أيادي التيار الإرهابي الإخواني في نوفمبر القادم !

ومصر " عارفة ،  و شايفة ، وبتصبر .. لكنها في خطفة زمن تعبُر ، و تسترد الإسم والعناوين "

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز