عاجل
الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
وقد يكتب الحصان شعرا!

وقد يكتب الحصان شعرا!

بقلم : د. طه جزاع

من المتعارف عليه في دنيا الأدباء والكتاب إن لكل منهم طقسا خاصا حين يباشر عمله الإبداعي في ساعات التجلي والإلهام ، فشاعر أنيق مثل نزار قباني كان يتهيأ للحظة كتابة القصيدة وهو في كامل أناقته وبين يديه مجموعة من الأوراق الملونة ، وردية وخضر وبنفسجية مع أحبار ملونة أيضا، فهو يريد أن يستقبل قصيدته مثلما يستقبل حبيبته ، في حقل من العطور والألوان والأضواء مع فنجان قهوة وتبوغ معطرة !



وكان القاص والروائي المصري يوسف إدريس يثقل كاهل أسرته حين يكتب ، وكانت زوجته ترتب له كل شيء وتحضر له الأوراق والأقلام والأحبار والأجواء الرومانسية ، وتسهر معه حتى الصباح لكي تلبي طلباته ، وحين يهجر النوم لأيام متتالية كانت هي تسهر على راحته وتلبي كل ما يحتاجه ، وما عليه إلا أن يكتب قصصه لكي تتنفس الأسرة الصعداء بعد انتظار أشبه ما يكون بانتظار مولود في صالة الولادة !

والمعروف أيضا إن الروائي الكبير نجيب محفوظ كان يخطط بدقة لعمله الإبداعي ووقت تفرغه للكتابة ، حتى إن كثير من المقربين منه كانوا يضبطون ساعاتهم بمراقبة تحركاته ما بين مسكنه واستراحته في المقهى أو تجواله أو إضاءة المصباح في غرفته استعدادا للبدء بكتابة قصة أو مقال أدبي ، أو استكمال مشروع روائي ينمو يوميا بين يديه وفي أوقات محددة معلومة بالساعات والدقائق التي لم يحد عنها لا قبل  جائزة نوبل ولا بعدها .

أما أستاذنا العراقي الراحل الدكتور حسام محي الدين الالوسي الذي تحل هذه الأيام ذكرى رحيله ، فكان لا يحلو له التفكير والبحث الفلسفي العميق إلا وهو جالس في صالة بيته بين صوت التلفاز الملعلع ، وعبث حفيديه الطفولي ولهوهم وصخبهم ، فقد كان عقله الكبير غير منفصل عن قلبه الكبير الذي يتسع لمحبتهم ولا يمنع العقل من ممارسة دوره بين الصخب والضجيج والأحاديث الأسرية التي لا تنتهي حتى لو انتهى من انجاز بحث أو كتاب فلسفي جديد . ومن المعروف أيضا عن استاذنا الدكتور ناجي عباس التكريتي أطال الله في عمره ، انه يقضي ساعات الليل الطويلة حتى انبلاج الفجر وهو يخط بيديه الاف الكلمات التي يطغى فيها الجانب الأدبي الروائي أو القصصي على الجانب الفلسفي ، فالتكريتي محترف للفلسفة لكنه هاو وعاشق للأدب ، ولاسيما فن السيرة الذاتية والروايات الملحمية التي تسترد فيها ذاكرته الفذة صورا موغلة في القدم منذ أيام الطفولة والفتوة والشباب ومن أيام الدراسة الجامعية العليا التي قضاها مناصفة بين شهادتي الماجستير والدكتوراه في جامعتي الاسكندرية وكيمبردج . أما صديقنا المفقود في ديار الغربة الدكتور محمد جلوب فرحان فأنه لايعرف طريقة لكتابة بحوثه الفلسفية والتربوية الا بالقلم الرصاص !

وقد تعرف – أيها القارئ الكريم – حكايات وأمثلة كثيرة عن طقوس الكتابة عند أدباء وكتاب وصحفيين من مختلف أرجاء العالم،لكنك تعرف أيضا إن هناك كتابا آخرين يكتبون من دون طقوس ولا أوراق ملونة ولا تبوغ معطرة ، وإنهم جاهزون للكتابة على الورق أو الحاسوب في أصعب الظروف وأقساها ، في الشتاء القارص أو الصيف اللاهب ، خلف المكاتب جلوسا  ، أو تحت المكاتب انبطاحا ، بالبدلة الأنيقة أو بالبيجاما أو بالدشداشة المدشدشة أو بالفانيلة المفتقة ، على أصوات زعيق الأطفال أو على أنغام طرطرة المركبات !

ومما يروى في طقوس الكتابة إن تابعا سأل مولاه الثري إن كان يكتب شعرا في بعض الأحيان ، فأجابه مولاه : إذا كنت جالسا على حافة نهر جميل ، تحف بي الأشجار والزهور والحشائش الخضر وأصوات البلابل والطيور والوجوه الحسان ، وأمامي مائدة عامرة بما لذ وطاب من الفاكهة والأطياب والأعناب ، فمن المحتمل إنني سأكتب شعرا !

فلم يتردد التابع من أن يقول لمولاه : يا مولاي،في مثل هكذا أجواء فأنه من المحتمل أيضا أن يكتب    حصاني .. شعرا !

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز