عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
150 عامًا من الديمقراطية

150 عامًا من الديمقراطية

بقلم : د. شريف درويش اللبان

إن احتفال مصر بمرور 150 عامًا على تأسيس الحياة النيابية بقرار الخديو اسماعيل ببدء مجلس شورى النواب أعماله عام 1866 يعكس أمرًا مهمًا ولافتًا، وهو أننا بدأنا طريق الديمقراطية منذ ذلك التاريخ، كنا أول دولة عربية وأفريقية وشرق أوسطية وخامس دولة على مستوى العالم يصبح لديها برلمان.. لقد كان الخديو اسماعيل – رحمه الله – يريد تحديث مصر في كل شئ .. في الجيش .. في العمارة.. في تخطيط المدن .. في الفن .. في الموسيقى .. وفي الديمقراطية ونُظُم الحُكم أيضًا.



لقد بدأنا مسيرة الديمقراطية منذ عصر الخديو اسماعيل، وكانت إحدى أهم أدواتها الفاعلة الإعلام، ولعل صدور أول صحيفة أهلية أوعز إسماعيل إلى عبد الله أبو السعود بإنشائها كانت صحيفة "وادي النيل"، لقد أراد إسماعيل أن تكون في مصر صحافة أهلية تنطق بنبض الشعب ولكن دون انتقاد لمليك البلاد، ورغم ذلك نشأت صحف انتقادية أخرى كانت تكيل النقد للخديو في ذلك الوقت المبكر من تاريخ الديمقراطية الوليدة، ويمكننا الرجوع إلى إصدارات يعقوب صنوع صاحب البدايات الأولى لفنون المسرح والكاريكاتور والصحافة الساخرة في مصر الحديثة، لقد استطاع "صنوع" أن ينتقد حكم إسماعيل وأخيه في الرضاعة اسماعيل المفتش بأقسى ما تكون العبارات، ولم يكن أمام الدولة إلا أن تغلق له مجلة ليُصدر أخرى بمنتهى السلاسة ليقول ما يريده فيها، تلك المقولات التي ذهبت في بعض الأحيان إلى عدم أحقية إسماعيل في الحُكم لأنه تخطى غيره ممن هم أحق منه بولاية عرش مصر من أسرة محمد علي.

لقد ناضل الشعب المصري ضد التسلط والاستبداد وضد الاحتلال في آنٍ واحد ليثور ثورةً شعبيةً عارمة في العام 1919، كانت أهم نتائجها السياسية تصدر حزب "الوفد" للحياة السياسية المصرية، وفوزه في كل الانتخابات التي لم تزورها جهة الإدارة، وكان من أهم نتائجها البرلمانية صدور دستور 1923 أفضل الدساتير المصرية حريةً وديمقراطيةً في ذلك الوقت، وهو ما لم يطيقه المستبدون، فانقلبوا عليه بعد ثماني سنوات من صدوره، ليصدروا دستورًا استبداديًا عام 1931.

في البرلمان المصري، وفي دولة كانت ترزح تحت الاستعمار الانجليزي، تمت الموافقة على معاهدة 1936 لتأمين خطوط الإمداد للقوات البريطانية في مصر أثناء الحرب العالمية الثانية أملاً في نَيْلِ الاستقلال، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، ولم يتحقق أمل المصريين، وقف الرئيس الجليل مصطفى النحاس (باشا) في مجلس النواب وقد احتشدت القاعة بالنواب والشيوخ يوم 8 أكتوبر 1951 للاستماع إلى بيان رئيس الحكومة، حيث تحدث النحاس (باشا) شارحاً تفاصيل المفاوضات التي أجرتها حكومته مع الجانب البريطاني لتحقيق الجلاء عن مصر وتوحيد شطري الوادي (مصر والسودان) تحت التاج الملكي إلى أن قال "حضرات الشيوخ والنواب المحترمين: لقد انقضى وقت الكلام وجاء وقت العمل، العمل الدائب المنتج الذي لا يعرف ضجيجًا أو صخبًا بل يقوم على التدبير والتنظيم وتوحيد الصفوف لمواجهة جميع الاحتمالات وتذليل كل العقبات وإقامة الدليل على ان شعب مصر والسودان ليس هو الشعب الذي يٌكره على مالا يرضاه أو يسكت عن حقه في الحياة. أما الخطوات العملية التالية فستقفون على كل خطوة منها في حينها القريب، وإني لعلى يقين من أن هذه الأمة الخالدة ستعرف كيف ترتفع إلى مستوي الموقف الخطير الذي تواجهه متذرعةً له بالصبر والإيمان والكفاح وبذل أكرم التضحيات في سبيل مطلبها الاسمى. يا حضرات الشيوخ والنواب المحترمين: من أجل مصر وقعت معاهدة سنة 1936 ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها". وكانت هذه هى الشرارة التي انطلقت من تحت قبة البرلمان لتحرير مصر من براثن الاستعمار.

لقد كان البرلمان المصري قويًا .. شهد انتصارات مصر وخطاب النصر الذي ألقاه الرئيس السادات عقب حرب أكتوبر 1973، وشهد انكسارتها عقب هزيمة 1967 وخطاب التنحي للرئيس عبد الناصر، وتسليم البلاد بعد اغتيال الرئيس السادات لنائبه محمد حسني مبارك في أكتوبر 1981.

وقد عانى البرلمان المصري كثيرًا في عهد مبارك، فهو إما عُرضَةً للحَل أو عُرضَةً لعدم الدستورية، أو عُرضَةً للتزوير السافر الذي يُفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها. لقد أصبح البرلمان في عهد مبارك ورقة التوت التي تحاول أن تستر عورات النظام، حتى أزال النظام عن عورته ورقة التوت تلك في انتخابات 2010 التي حولت البرلمان المصري العريق إلى كومةٍ كبيرة من الخُردة يتم صهرها في مصانع الحديد والصُلب بعد تزوير إرادة الشعب المصري في أسوأ عملية تزوير فجة شهدتها الحياة البرلمانية المصرية عبر تاريخها الطويل.

إن التجربة البرلمانية المصرية يجب أن تؤسس لحياةٍ ديمقراطية سليمة تؤدي إلى تفجير كل الطاقات لدى كل فئات المجتمع نحو البناء والتنمية والتقدم. إن البرلمان الحالي تقع على عاتقه مهامٌ جِسَامٌ حددها الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته الافتتاحية للاحتفال بمرور 150 عامًا على تأسيس البرلمان المصري، حيث أشار إلى أن تجربة مصر النيابية عبر العقود الماضية أثبتت محورية الدور الذى يقوم به البرلمان خلال مسيرة الوطن، ونتطلع الآن لأن يستكمل مجلس النواب الحالى تلك المسيرة ليترجم تطلعات الشعب المصرى إلى قرارات وتشريعات فعالة تحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، وبما يلبى طموحات المصريين الذين خرجوا فى ثورتين متتاليتين خلال ثلاث سنوات للمطالبة بالنهوض بأوضاع الوطن وحماية مقدراته.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز