عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أزمة النفط والسياسة بين مصر والسعودية

أزمة النفط والسياسة بين مصر والسعودية

بقلم : صبحى شبانة

هل تمر العلاقات المصرية السعودية بأزمة؟  تساؤل يطرح نفسه بقوة،  وإن كان ليس بجديد، فكثيرا ماتعرضت العلاقات بين الدولتين لما قد يشوب العلاقات الاخوية الراسخة،  ولكنها كانت تظل خافية،  او مكتومة في إطار دوائر تسعي للخروج منها، وتجاوزها.



الجديد هنا  هو في خروج الازمات للعلن، والتراشق الاعلامي الموجه الذي بدأه الاعلامي الاخواني جمال خاشقجي أثناء حواره الاسبوع الماضي مع الرئيس التركي طيب رجب  اردوغان في قناة روتانا خليجية وهو الذي تربي في أحضان تنظيم القاعدة وعاش متخفيا زمنا  بين  جبال تورابورا بافغانستان في  ثمانينيات القرن الماضي، ورد عليه الاعلام المصري في قنوات وفضائيات  الليل التي تقول السعودية بانها موجهة ، وتنطلق من توجيهات وتعليمات أمنية وسياسية. 

العلاقات المصرية السعودية محورية واستراتيجية وعميقة هذه من المسلمات التي لايمكن ان يتجاوزها أو يقفز عليها احد ، نعم قد تمر بها بعض الازمات ، ولكن هناك ادراك ووعي يقيني  بأن العلاقات بين الشعبين صلبة، ومتينة، ووطيدة، لايمكن ان تفت بها ازمة، او تعكر صفوها إشاعة، فالدولتان مستهدفان في هذه المرحلة، والولايات المتحدة الامريكية التي تحارب مصر، منذ ثورة ٣٠ يونيو ، احكمت الخناق علي الدولة السعودية، واطلقت عليها داعش في الشمال والحوثيون في اليمن، ثم “جاستا” لشفط الاستثمارات السعودية في الاقتصاد الامريكي، الحق ان الدولتان يتعرضان لهجمة إستعمارية شرسة تختلف ادواتها، لكن اهدافها واحدة ومحددة، الا وهي القضاء علي ماتبقي من الدم والنخوة والمال العربي، لذا من الضروري ان تعذر كل من الدولتان الاخري،  وان تتخندق السياسة المصرية والسعودية لصد حالة السعار الامريكي التي تصر علي طمس الهوية العربية لصالح  حليفتيها في عواصم الشر،  تل ابيب، و طهران.

جاء قطع الامدادات النفطية (شفهيا) الي مصر بعد تصويت مصر في مجلس الامن لصالح القرار الروسي علي عكس رغبة المملكة، في نفس الوقت التي صوتت فيه لصالح القرار الفرنسي الأسباني إرضاءا للمملكة، الامر فيما يبدو عاديا بل منطقيا لأن مصر اعلنت موقفها المبدئي وبوضوح من الصراع الدولي الدائر  في سوريا  منذ اكثر من خمس سنوات ، والذي اودي بحياة وأمن وإستقرار الشعب السوري ومكتسباته وسيادة ووحدة اراضيه،  وحول الدولة السورية العربية الي ماقبل العصور الوسطي،،، المملكة العربية السعودية من جانبها  تعلم ان لمصر  موقف مختلف وغير متطابق معها في الملف السوري، والعارفون بعمق العلاقات المصرية السعودية  وحساسيتها يعلمون أن وزارتي الخارجية في البلدين  تعملان بتنسيق كامل في كثير من المواقف والازمات ، وأن تبادل الأدوار بين مصر والسعودية يسير في أفضل حالاته، وكل من الدولتين تعلم أن الموقف الغير متطابق في عدد من القضايا يوسع من خياراتهما السياسية والاستراتيجية، كما ان القيادات في الدولتين الشقيقتين لديهما وعي وإدراك كامل بحجم المأزق التاريخي الذي تمر به الامة العربية، وحجم التحول الجيوسياسي الذي تسعي الي ترسيمه  الولايات المتحدة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط، وهو الامر الذي يتطلب في ظني صياغة جديدة للعلاقات بين الدولتين  تقوم علي اسس التعظيم من قوتهما المشتركة ،  و زيادة حجم تأثيراتهما الاقليمية والدولية،  وتوسع من خياراتهما الاستراتيجية التي تهدف الي مصلحة الشعب العربي الواحد في البلدين الشقيقين اللذين يتعايشان علي التاريخ المشترك،  والدين الواحد،  والتحديات التي تستهدفهما معا،  ويتقاسما معا  ضفتي البحر الاحمر، شريان الدم الذي يغذي الاواصر والاخوة عبر التاريخ والازمان.

من وجهة نظري ان  مسألة وقف إمدادات النفط الي مصر كان ينبغي التعامل معها بروية وتؤدة ، فهناك عقد تجاري يربط بين ارامكو السعودية والهيئة العامة المصرية للبترول ينص علي التدفق النفطي شهريا دون إنقطاع ،  والسعودية دولة تلتزم بتعهداتها وتعاقداتها، وهذا أمر قاطع لاشك فيه ولالبس حوله، وقد نفت من جانبها  ارامكو صدور اي قرار رسمي عنها بهذا الشأن في الوقت الذي اعتمد فيه الجانب المصري علي بلاغ شفهي  يمكن التشكيك بسهولة في مصدره، كما ان العقود والاتفاقيات لايتم التعامل معها علي هذا النحو .

مصدر ثقتي ان موضوع وقف امدادات النفط مفتعل،  وقد يكون مدسوسا، فهذا العقد بالتحديد الذي جاء في إطار حزمة واسعة من الدعم السعودي الي مصر جاء طوعيا من الجانب السعودي،  ففي منتصف شهر ديسمبر الماضي، وأثناء الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق السعودي المصري، قال ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، في بداية الاجتماع، بأن توجيهات والده الملك سلمان، قد صدرت بأن تزيد الاستثمارات السعودية في مصر، وأن تُسهم  المملكة في توفير احتياجات مصر من البترول لمدة خمس سنوات، وبناء على ذلك، في أثناء زيارته الثانية  والتاريخية لمصر في السابع من أبريل من العام الجاري، قام الملك سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس عبدالفتاح السيسي، بتوقيع اتفاقية لتمويل احتياجات مصر البترولية لمدة خمس سنوات، بقيمة تبلغ نحو 23 مليار دولار وبفائدة 2% وفترة سماح للسداد ثلاث سنوات على الأقل، على أن يتم السداد على 15 عاما، بواقع شحنات شهرية تصل إلى 700 ألف طن من المنتجات البترولية المكررة، على أن يدفع الصندوق السعودي للتنمية مقابل المواد البترولية لشركة أرامكو بشكل فوري ويستعيد تلك المبالغ من مصر على أقساط، وتنفيذًا لهذا الاتفاق، بدأت الهيئة المصرية  العامة للبترول، في استلام أولى الشحنات في شهر مايو الماضي، وكانت عبارة عن 700 ألف طن من المنتجات البترولية، تحتوي على 400 ألف طن سولار، و200 ألف طن بنزين، و100 ألف طن مازوت، جري ضخها بشكل مباشر في السوق المصري، واستمرت الشحنات في التدفق حتى شهر سبتمبر الماضي، ولكن الشحنه التي كان مقررًا لها أن تصل في أكتوبر الجاري الجاري تأخرت بسسب ما أعلنته المملكة أنه جاء نتيجة إعادة تقييم حصص السعودية من النفط، بعد الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه في اجتماع الدول المصدّرة للنفط "أوبك" في الجزائر نهاية سبتمبر الماضي، إذن هناك عقد واتفاق مشروط بين الدولتين ، وكما اسلفت فان المملكة دولة تفي بتعهداتها، فلم هذه الزوبعة؟ ولماذا كل هذا النفخ من ابواق إخوانية ويسارية لافتعال ازمة؟ انا علي يقين ان شروطها ليست متوفرة، وان كان المناخ فيما يبدو مهيئا  بفعل التحديات الضخمة التي تواجه الدولتين علي مختلف الاصعدة.

العلاقات المصرية السعودية ازلية، وابدية بحكم التاريخ والجغرافيا، وستظل مصر الداعم الرئيسي للمملكة، كما ان المملكة ستظل داعما رئيسيا لمصر ، وعلينا في البلدين الشقيقين الا ننساق الي سيل المؤامرات، والاشاعات التي تستهدف مستقبلنا .
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز