عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
النزعة الثيوصوفية

النزعة الثيوصوفية

بقلم : د. عصمت نصار

لما كان مصطلح الثيوصوفية غير منتشر بين المثقفين من جهة وتشوبه بعض المغالطات والأخطاء المعرفية - في جل الكتابات التي أدرجته ضمن الجماعات السرية والمذاهب المشبوهة والاتجاهات الإلحادية وذلك لارتباطه بالعديد من الجماعات الباطنية والمحافل والطرق مثل الماسونية وعبدة الشيطان وتحضير الأرواح والعلاج بالجن ..........- من جهة أخرى أرى من واجبي التعريف بتلك الفلسفة اعتمادا على مصادرها الأصيلة ، وذلك كله قبل الكشف عن مدى تأثر أبوشادي بأفكارها واعتناقه لتعاليمها.



- فتجمع المعاجم والموسوعات الروحية المتخصصة على أن ( الثيوصوفية ) Theosophical إحدى الاتجاهات أو الديانات أو النزاعات التي تجمع في بنيتها المعرفية بين العلم والقيم الروحية والفلسفة في سياق واحد وتربط كذلك بين المعارف الحسية التجريبية والتصورات العقلية والإستشراقات الإلهامية المجردة في تحصيل الحقائق من جهة وتقويم السلوك الانساني من جهة أخرى .

ويرجع أنصارها ظهورها كنحلة فطرية إلى تاريخ هبوط الإنسان على الأرض حيث اعتماده في أول أمره على ذلك القبس النوراني الذي استمده من عالم الربوبية أو العقل الفعال ( العقل الإلهي ) قبل انفصاله عنه الأمر الذي جعل أنصار الثيوصوفية يوحدون بين هذا المصطلح والعديد من المصطلحات المتداخلة مثل دين الفطرة والدين الطبيعي والتصوف العقلي والروحية العلمية ويجعلون منها ( أي الثيوصوفية ) أصل كل المعارف ( الدين – الفلسفة – العلم ) والجوهر الأسمى لكل المعتقدات السماوية والوضعية.

وينكر الثيوصوفيون أن عقيدتهم أو فلسفتهم مجرد أفكار ورؤى وتصورات مختلفة قد جُمعت وصيغت على نحو أقرب إلى الأيدلوجيات التي تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة .

ويؤكدون أن ما تحتويه من أفكار وقيم ومعتقدات متعارضة في الظاهر ما هي إلا وجه من وجوه الحقيقة الإلهية فالكمال كما يرى الفيلسوف الإغريقي هيريقليطس ( 535 – 475 ق.م ) هو الذي يحوي الأضداد وتتآلف في جوهره المتناقضات.

ويُرد مصطلح الثيوصوفية في بنيته اللغوية إلى الكلمتين اليونانيتين ( ثيو ) ، ( صوفية ) ويعني الحكمة الإلهية ، أما كمصطلح فلسفي فقد ظهر في مدرسة الإسكندرية ولاسيما في كتابات الفيلسوف السكندري ( أمينيوس ساكاس ) ( 175 – 242 م ) وكان يدل على الجمع بين المعرفة الإلهية والفلسفات العقلية والرؤى الروحية والحدسية والإلهام. وقد ساهمت فلسفة فيلون السكندري ( 25ق.م – 50م) – من قبله - في التوفيق بين نصوص الكتاب المقدس والفلسفة الإغريقية باعتمادها على التأويل الرمزي ، وقد نحى نفس المنحى الفيثاغوريون المتأخرون إذ جمعوا في فلسفتهم بين القيم والمعتقدات الدينية والعلوم الرياضية والطبيعة والنظريات الفلسفية والروحية في سياق واحد. ويعرفها معجم ويبستر بأن الثيوصوفية هي فن التواصل والاتصال وإدراك الحقائق العلوية الإلهية وهي آلية راقية للحوار بين الإنسان والإله. ويذهب فوجان في دائرة المعارف البريطانية إلى أن الثيوصوفي هو الفيلسوف أو العالم أو الراهب أو النبي الذي يستطيع ببصيرته نقل الحكمة الإلهية من عالم الربوبية إلى البشر وذلك ليهذب من سلوكهم ويصلح من شئونهم.

أما ديوجانس اللايرتي ( 180 -240 ) يرجع النحلة الثيوصوفية إلى الفكر المصري القديم حيث حديث الكاهن بوت آمون عن الإلهامات الروحية والحكمة الإلهية ثم تلقف أمينيوس ساكاس والأفلوطونيون المحدثون في مدرسة الإسكندرية هذه البشارات والتعاليم وطوروا بنيتها المعرفية وأسسوا جماعة أطلقوا عليها ( محبو الحقيقة ) في حين أن المدرسيين الأوائل أطلقوا على هذه الجماعة ( المفسرون ) أو المؤولون Analogists وذلك لاطلاعهم لتفسير وتأويل الرؤى والأحلام والأساطير المقدسة ومقابلة تأويلاتهم بالأحداث الواقعية ذلك فضلا عن دعوة هذه الجماعة لوحدة الأديان في عبادة واحدة تؤمن بإله واحد مجرد صانع للعالم ومدبر للكون وتخليص الكتب المقدسة والأساطير من الخرافات التي لا يقبلها العقل وتتعارض في الوقت نفسه مع القيم الأخلاقية كما دعا أمينيوس ساكاس وتلاميذه إلى نبذ الخلاف والشقاق والصراع بين البشر آملا أن ينعم الناس بالسلام الاجتماعي والسياسي ويسود الحب بينهم لتتحقق السعادة على الأرض.

وتعد هذه الجماعة أولى الجماعات الفلسفية التي حاولت التأليف بين الديانة المصرية القديمة والبوذية والزرادشتية وآلهة الأوليمب والرواقية وفلسفة أفلوطين واليهودية في سياق واحد وذلك استنادا على أن الحقيقة الإلهية واحدة وأن مواطن الخلاف في كل هذه الأديان يرجع إلى تباين وسائل الاتصال بعالم الربوبية وتفاوت قدرة الملكات التي تستقبل الوحي والإلهام والنور الإلهي وقد انتخبوا من بينهم معلما أكبر أو مفسرا أعظم لهذه الديانة السرية وذلك على غرار الكاهن الأكبر في سائر الديانات القديمة وتعتقد هذه الجماعة الروحية أن الإله واحد مجرد محايث للعالم أي مباطن له عقل محض غير أنه لا يؤثر في طبائع الموجودات بل إن جميع الموجودات تتشكل بموجب استعدادها الفطري للاتصال به ومدى عشقها وحبها لذاته لتفنى فيه وهو من هذا المنطلق لم يخلق العالم وليس له أدنى تأثير على اختيارات الأفراد وتوجيه سلوك الموجودات. وتعتقد الثيوصوفية المبكرة بتناسخ الأرواح والتقمس والاتصال بالعالم الروحاني ( الملائكة – أرواح البشر – الجن والعفاريت ) ويجعل أتباعها نقاء النفس ورجاحة العقل وطهارة البدن واستقامة الأخلاق شرطا لا تستطيع الروح الإنسانية بدونها الانطلاق إلى عالم الروح والحقائق الكلية في الحضرة الربوبية. وأن القليل من أولئك الأبرار الأطهار هم الذين يكتسبون ملكات ومهارات وقدرات خاصة من معايشتهم أو فناءهم في الحكمة الإلهية فمنهم يكون الأنبياء والفلاسفة والعلماء والسحرة وأصحاب المعجزات وأصحاب القوى الخارقة والمبدعين والمخترعين ذلك فضلا عن قدرتهم على استشراف المستقبل والتنبؤ بالأحداث وقد تجاوزا ذلك إلى زعم بعضهم برؤية الإله عيانا.

ولعل كتابات الآباء في العصر المدرسي من أمثال - ( سيمون الماجوسي الساحر+65م) و (فالينتينيوس +269م) و ( بروكلوس +319م ) وغيرهم من المتأثرين بالفكر الغنوصي والهرنسي من الفلاسفة القدامى وكذا ( مايستر أيكهارت 1220 - 1338) و (نيكولاس أوفكوسا 1401-1464) من فلاسفة العصر الوسيط و ( باراسيليوس 1493-1541م ) و ( جيوردانو برونو 1548-1600 ) و من فلاسفة عصر النهضة وغيرهم من الذين قد اضطلعوا بالتوفيق بين الدين والعلم والفلسفة والمباحث الروحية والتصوف في سياق واحد – قد أسسوا للبنية الفلسفية للثيوصوفية.

وقد قسم الثيوصوفيون أنفسهم إلى ثلاث طبقات عرفانية أعلاها طبقة الكهنة والمرشدين والأساتذة ثم طبقة الطلاب والمريدين وأخيرا طبقة المبتدئين ولا يجوز بوح طبقة الأساتذة إلى من هم أقل من مراتبهم أو أدنى منهم عرفانيا بعالم الأسرار أي تلك التعاليم التي تلقونها أثناء اتصالهم بالحضرة الإلهية وكذا مشاهداتهم في عالم الأرواح ويبرر ذلك الثيوصوفيون بأن طبيعة التلقي والاستيعاب والاستجابة ليست واحدة عند جميع البشر الأمر الذي يميز بين الأفراد فيجعل منهم العالم الذي يتلقى الوحي ويستوعبه عن طريق الحدس ومنه من يقف عند حدود المعارف العقلية والمنطق والاستدلال المباشر وأخيرا من لا يقنع إلا بالمشاهدات الحسية في عالم الموجودات الطبيعية. ولما كان الانتقال من طبقة إلى أخرى في الثيوصوفية يحتاج إلى مران وتأمل ومجاهدة وإرشادات كان لزاما على أرباب كل طبقة الاحتفاظ بعلومهم ومعارفهم ومشاهداتهم في مكنونات أنفسهم وقد نبه على ذلك الفيلسوف السكندري بلوتونيوس منذ توليه قيادة الثيوصوفية الكلاسيكية .

وقد تأثر الثيوصوفيون المحدثون بهذه الكتابات وأفصحت عن ذلك الفيلسوفة الروسية هيلينا بلافاتسكي ( 1831 – 1891 ) المؤسسة لأولى الجمعيات الثيوصوفية في الفكر الحديث والمعاصر بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1875. وتعدها الموسوعات الروحية أكبر المنظرين للنزعة الثيوصوفية وذلك نظرا لغزارة كتاباتها عنها سواء في إرساء الأسس الفلسفية التي بنيت عليها أو الجانب التاريخي الذي يؤصل لأفكارها أو القيم والمعتقدات التي تدين بها وذلك من خلال أشهر كتبها ( المذهب السري 1888 – صوت الصمت 1879 – مفتاح التصوف 1889 – حكايات كابوس الذي نشر بعد وفاتها ). وقد تعددت مشارب ومطاعم هيلينا فوقفت على معظم الفلسفات الشرقية ولاسيما المصرية والهندوسية وكذا التراث الصوفي لليهودية والمسيحية والإسلام ذلك فضلا عن الفلسفة الإغريقية والهيلينستية مثل فلسفة هيريقليطس وفيثاغورث وأفلاطون من الفترة الهيلينية وأفلوطين ثم الرواقية ومدرسة الإسكندرية ( الأفلاطونية المحدثة ) والفلسفة الصينية حيث حكمة لاوتسي التاوية. ويرجع لهيلينا الفضل في تأسيس العديد من الجمعيات في الهند سنة 1882 ، وفي لندن. وقيل إنها زارت مصر في عهد الخديوي إسماعيل وأسست مدرسة تحمل تعاليمها داخل العديد من المحافل الماسونية آنذاك. وقد تأثر الكثير من المفكرين والفلاسفة المحدثين بآرائها نذكر منهم ( غاندي – محمد إقبال – عبدالقادر الجزائري – أحمد زكي أبوشادي ) ذلك بخلاف أعضاء الجمعيات الروحية المصرية من أمثال ( أحمد فهمي أبوالخير – حسان حليم دموس – نصيف إسحق – زكي العزيزي – فيكتوريا داوود – عزيزة عزب - مصطفى الكيك – صابر جبرة – علي عبدالجليل راضي – كامل نخلة – عزيز جورجي المنقبادي – رابح لطفي جمعة – عبدالرزاق نوفل – إسماعيل مظهر ).

وقد خلف هيلينا في قيادة الجمعيات الثيوصوفية المتصوف الأمريكي ويليام ك جدج

( William Q. Judge ) ( 1851 – 1896 ). ثم خلفته السيدة كاترين تينجلي ( 1847 – 1929 ) ، وقد نجحت الأخيرة في تحويل النزعة الثيوصوفية من التصورات الخطابية والرؤى الفلسفية إلى مشروعات عملية وفلسفة تطبيقية وذلك في إطار المعرفة الحدسية والمسحة الأخلاقية وقد نجحت كذلك في صبغ تعاليم الجمعيات بالمبادئ الماسونية راغبة بذلك عن الفلسفات الهندية بوجه عام.

أما الثيوصوفية الهندية فقد احتفظت بتراثها الكلاسيكي وذلك بفضل جهود المتصوفة آني بيزنت ( 1847 – 1933 ). وفي عام 1909 أسس المتصوف الأمريكي روبرت كروسبي المقر العالمي للثيوصوفية في لوس أنجيلوس ، وفي نفس الآونة أنشأ جراس اف نوخ جمعية للدراسات الثيوصوفية في كاليفورنيا. وفي عام 1911 نصب المتصوف (جيدو كيرشامورتي) ( 1895 – 1986 ) نفسه مرشدا عالميا للفلسفة الثيوصوفية الهندوسية وأعلن أنه أضحى من كبار المتصلين بعالم الربوبية وملهما يوحى إليه من قبل الإله الأعظم الأمر الذي ساهم في انتشار تعاليمه وذيوع كتاباته بين سائر الجمعيات الروحية ذلك فضلا عن أثر تعاليمه في تطور الكثير من المذاهب والمعتقدات مثل البوذية والجينية وحركة الأنا( The I am Movement )  والمذهب الروسيكروثي Rosicrucianism وهو إحدى المذاهب الروحية المفسرة للكون ، وفلسفة العقل والفلسفة الشخصانية والنحلة المسيحية الليبرالية ، في أوروبا وأمريكا.

وقد أضحى للثيوصوفية العديد من المراكز العلمية والجمعيات وجامعة أكاديمية ومؤسسة إعلامية تعبر عن رسالتها وتنشر كلاسيكياتها من خلال مطبوعاتها ودورياتها ( ولاسيما مجلة شروق الشمس الأمريكية ، والمجلة الثيوصوفية ) وما يزال الجناح الثيوصوفي الغربي يعمل في فلك المحافل الماسونية ويدين لها بالولاء والاحترام والتبجيل في شتى أنحاء العالم. وقد استعانت أجهزة المخابرات الأمريكية والألمانية ببعض رجالات الثيوصوفية المخضرمين في إعادة تشكيل العقل الباطن والتلصص على الأفكار المخزونة في الخ وكذا تفسير الأحداث غير الطبيعية. ولا ريب في أن اشتغال بعض الثيوصوفيين بالسحر وتحضير الجن قد ألصق بهم العديد من التهم والجرائم وعلى رأسها الشعوذة وأدناها استعداء الأرواح الشريرة على البشر.

 

 

أما عن أهم الأفكار والمعتقدات التي تشكل بنيتها :_ فيمكن إيجازها في :

  • تؤمن الفلسفة الثيوصوفية بوحدة الأديان فالحقائق الإلهية لا تختلف من دين إلى أخر لأنها الأصل والمنبع أما الأديان السماوية والوضعية قد تتعاقب وتتشكل وتتأثر بالثقافات التي تنشأ فيها الأمر الذي يقطع بأن لا دين أعلى من الحقيقة الإلهية.

وقد تأثرت في ذلك بالعديد من النظريات الصوفية وعلى رأسها نظرية وحدة الأديان والنور المحمدي وكذا آراء بعض الفرق الباطنية وعلى رأسها فرقة الإسماعيلية ذلك فضلا عن تأثرها بنظرية الفيض الأفلوطينية.

  • أن للإنسان والإله كيان واحد فروح الرب حلت في الشكل الإنساني فأضحى بشرا وحلت كذلك في باقي الكائنات فأخذت صورها المادية المتباينة والمتعددة ( الجبال – الأنهار – الكواكب – الحيوانات – الأرض – الكائنات الروحية [ الجن والعفاريت ] ) وعليه يصبح الإنسان إحدى صور الإله المتجسدة وأن هذا الجسد يبلى ويتحول إلى صورة أخرى في حين تظل الروح محتفظة بماهيتها السرمدية.

وتتفق الثيوصوفية في ذلك مع التصورات التي جاءت في الفلسفة الهندية ولاسيما في نظرية الكرما ووحدة الوجود وكذا عند الصوفية القائلين بالاتحاد والحلول.  

  • إن سر تفوق الفلاسفة الأقدمين في الشرق على غيرهم يرجع إلى قدراتهم الفائقة على استقبال الإلهامات الإلهية التي هبطت في صورة جامعة للعلم والأخلاق والدين والفن في سياق واحد الأمر الذي يبرر تخلف الأجيال اللاحقة وعجزها عن استيعاب تلك الإلهامات الحدسية الباطنية فجنحوا عن الطريق وضلوا وشوشت عقولهم وفسدت أخلاقهم وتعددت رؤاهم وتفسيراتهم للكون وانقسم الفلاسفة في ضوء ذلك التخبط إلى وضعيين ماديين و مثاليين عقليين و روحيين حدسيين وسوف يأتي يوما يدرك فيه الإنسان إن ما كان يعتقد في ماديته لا يخلو من الروح وأن ما كان يظن أنه وليد الحس سوف يكتشف أن خلفه الشعور والحدس وعليه فالجمادات لا تخلو من الحياة والجن والعفاريت ليست أوهاما خرافية بل موجودات حقيقية.

وفي هذا السياق توحد الثيوصوفية بين الوحي والإلهام والرؤى الحدسية فهي لا تميز بين العالم المبدع والفيلسوف المتأمل والنبي المصطفى والصوفي العارف والولي صاحب الفتوحات والإشراقات والفنان الملهم والأديب العبقري ، فكلهم اتصل بالعقل الفعال وحلت فيهم الروح الإلهية الخلاقة ولكن بدرجات متفاوتة تبعا لنقاء سرائرهم وقدرتهم على استيعاب ما يرونه من حقائق وأنوار علوية ومواقعهم (بعدا أو قربا من الحجب والحضرة الإلهية

أن الصوفية وحدهم هم الذين يدركون بقلوبهم وعقولهم وحواسهم ذلك اللقاء الذي يحدث بين أرواحهم الجزئية والروح الكلي في صورتي الاتحاد والحلول ، والمتصوفة يعرفون أيضا أن الروح الإلهي حاضرة في كل الموجودات وفي سائر الكائنات وقد فطن حكماء الهند والفلاسفة الهواقيين ومن قبلهم جميعا كهنة مصر وآشور وبابل فالوجود عندهم لا يتجزأ والحكمة الإلهية هي الحقيقة الأزلية التي لا تتبدل.

 أن المعرفة الإشراقية الحدسية الإلهامية لا تتكشف لكل البشر لأنها محاطة بحجب وأسرار وموانع لا يستطيع تخطيها إلا نفر قليل من البشر اجتمعت فيهم صفات أخلاقية وعقلية وإدراكية حسية خاصة جدا الأمر الذي ميزهم عن غيرهم من الفلاسفة والعلماء والعرافين والكهنة وغيرهم من المريدين الذين يسألون عن الحقائق الكلية وينشدون الكمال(

ولا تختلف هذه الأفكار في جملتها عن تصورات الفلاسفة القائلين بالدين الطبيعي والطبيعة الطابعة والطبيعة المطبوعة وكذا جل الفلاسفة الحدسيين والروحيين من جهة وأصحاب الفكر الماسوني من جهة أخرى.

وللحديث بقية

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز