عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عن فلسفة الاختلاف وإدارته

عن فلسفة الاختلاف وإدارته

بقلم : د. أحمد الديب
حين تُمعن النظر في كل ما يحيط بك ، من بشر وشجر، وحجر ، وحيوان ، وطير . ألا تلاحظ مدي الاختلاف الذي يضفي علي الأشياء تنوعها الشديد الفريد . وهكذا البشر وهم سادة الكون وخلفاء ربهم علي الأرض ، والذين كرمهم ربهم وحملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات  ، لا تجد أحدا يشبه احداً ، لا في الأشكال ولا في المضامين .
 
ورغم أن الأصل واحد في الجنس البشري ، فالكل لآدم ، كما أن الأصل واحد في التركيب الكيميائي فالكل من مكونات التراب ، تختلف الالوان والصفات والطبائع والمكونات الفكرية وكذا تتنوع الأهداف وتختلف ، كما تختلف اللغات من مكان إلي مكان و تتوع اللهجات التي تنتمي إلي كل لغة ، لتتوع وسائل التواصل البشري وتتنوع الثقافات وتتوع صور العمران التي هي اثر الإنسان علي الكون الذي طرأ عليه . قال تعالى" …وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ".
 
ولما كان التنوع والاختلاف جبلة بني الإنسان ، من الحكمة أن لا يُنظر للاختلاف إلا علي أنه في سياق للمصلحة العامة . وما كان تنوع الشعوب والقبائل إلا ليحض الناس علي التعارف ، قال تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" .
 
ولو أن الخالق يعلم أن التشابه وعدم الاختلاف يصب في المصلحة العامة لبني الانسان لما فطرنا علي الاختلاف وجبلنا عليه ، قال تعالي  "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ".
 
لا أري في الاختلاف ثمة نقيصة ، أري الاختلاف شيئاً طبيعياً ، جُبِل عليه بنو البشرلإثراء حياتهم ومجتمعاتهم ويشتمل فيما يشتمل علي اختلاف الأذواق والأحاسيس والتصورات الذهنية والخلفيات الثقافية والفكرية والتوجهات والمآرب ، فلا يُمثل الاختلاف خطراً علي الأمم ولا علي الأوطان إذا ما تفهمناه واحسنا استغلاله . يمثل الاختلاف خطراً إذا فقدنا القدرة علي إدارة خلافاتنا وهي الآفة العضال التي تصيبنا وتنال منا .
 
في علوم الإدارة ، في إطار السعي نحو تحقيق أهداف إستراتيجية مشتركة ، يلفت نظرك تعبير في غاية الايحاء وهو "الاصطفاف الإستراتيجي  "STRATEGIC ALIGNMENT  وتعريفه بمنتهي البساطة أن يعمل المختلفون جنباً إلي جنب ويداً بيد نحو تحقيق أهداف إستراتيجية ، وأقول هنا "المختلفون " ، لأنك قد تندهش إذا عرفت أن فرق العمل الناجحة لا بد أن تتكون من أفراد مختلفي المهارات والثقافات والخبرات "MULTIDISCIPLINARY TEAMS" . هكذا استفادت الأمم المتقدمة من الاختلاف والتنوع بدلا من أن يكون عبئاً ثقبلا عليها ، بينما نصطف نحن كل يوم خمس مرات داخل المساجد وننفض خارجه!.
 
يعتنق الواحد منا الفكرة علي أنها مقدسة كالمعتقدات المقدسة ، فما أن نصطدم بصاحب فكرة مغايرة يعتنقها علي أنها مقدسة ، حتي تسمع الهرج والمرج والصخب في الشوارع ، و علي التلفاز وعلي صفحات التواصل الاجتماعي . يمكنك أن تطلع علي وصلات الإدانة والإهانة المتبادلة والسباب المتبادل بين طبقات تعليمية لا يمكن أن تتخيل أن يصل بينها الخلاف الي هذا الحد لمجرد أن كل طرف يريد أن يقنع الآخر بفكرته بدلاً من أن ينطلقا من أرضية مشتركة للوصول لإلي هدف مشترك يحقق مصلحة الجميع . فيتحول الحوار الذي يفترض أن يكون هادفاً إلي جدل بغيض يعصف بقدرتنا لا علي النقاش فقط بينما يتعدي ذلك ليهدد العيش المشترك.
  
إياك ثم إياك أن تحاول البحث عن منطقة رمادية مشتركة لتقريب وجهات النظر والظفر بمخرج يصب في المصلحة العامة ، حتي لا تُتهم بالميوعة والإمساك بالعصا من منتصفها أوالرقص علي السلالم ، فيكون مصيرك الحتمي هو أن تصاب بالسهام المسمومة المصوبة عليك من كلا الطرفين . وبينما يواجه كل منهما سهام جهة واحدة ، تواجه  أنت  سهام الطرفين عقاباً لك علي الوسطية في كل الامور و محاولة إعمال العقل والتحلي بشيء من  الموضوعية .
 
ولكي لا نلتف حول الحلول ، لا بد أن نأخذ بالأسلوب العلمي للبحث عن جذور المشكلات ، فما أن نقبنا عن تلك الجذور واستخرجناها من باطن المشكلات نستطيع أن نفكر في اولويات وخيارات الحلول وإلا فكل ما سنفعله ..."إذا فعلنا".. سيكون بمثابة مسكنات لعرض بينما يستشري المرض . تدور مشكلة عدم القدرة علي إدارة الاختلاف وتتماس مع مشكلات أخري عديدة ، بيد أن مسؤولية الحلول مشتركة ومتشابكة ما بين مسؤولية الفرد ومسؤولية الأسرة ومسؤولية الدولة . إنه التعليم يا سادة ، معضلة المعضلات ومشكلة المشكلات والذي تجده وراء كل مشكلة تُطرح .
 

من الذي يمكن أن يعلم أولادنا آداب الاختلاف وثقافته غير المعلم ، ألا يحتاج المعلم نفسه إلي تأهيل قبل أن يناط به عمل كهذا العمل ، ألا تحتاج المناهج التعليمية إلي إعادة هيكلة وليس إلي التحسين السطحي القشري بحيث تتماهي مع الأهداف العامة لعملية التعليم . ألا تحتاج تلك الأهداف إلي إعادة صياغة أيضا .  لا أنكر أننا نحتاج الكثير وأن التحديات كثيرة وكبيرة ، ربما تستطيع الأجيال الجديدة أن تفعلها ، ربما!.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز