عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
صحافتنـــا و صحافتــهم !!..

صحافتنـــا و صحافتــهم !!..

بقلم : محمد الوحيدي
عملت في الصحافة الأجنبية ، ما يقرب من ثلاثين عاماً ، راسلت و ترجمت ، و رافقت صحفيين و صحفيات أجانب  بعدد شعر راسي .. ولا أنكر أنني أستفدت الكثير و تعلمت الكثير منهم ، و من متابعتي لأسلوب كتابتهم ، و هندسة تقاريرهم ، و همتهم الزائدة ، المشحونة بدعم واضح من مؤسساتهم الصحفية مادياً و معنوياً .. و التي طالما إنعكست علي أنا شخصياً ، بالطاقة و الرغبة في العمل بدون توقف ، لما كنت أجده من تقدير ، مادي و معنوي .. و أشهد أنني  تابعت عدداً بسيطاً ، و يستهان به ، أخباراً و قصصاً إخبارية ، و تقارير صحفية و تلفزيونية غاية في الروعة ، و المهنية ، و تورد الرواية بكل تفاصيلها بحيادية تامة ، لا تشوه و لا تتنبى موقف ، و تحترم عقلية المتلقي ..  إلا أنني كنت أتساءل ، و أطرح السؤال "بغلبوية" و فضول على كثير من الصحفيين و المراسلين الأجانب حول هذه الرؤية غير المنصفة ، التي أجدها في منتوج عملنا المشترك  !!  فقد كابدنا الظرف ذاته و رأينا بعيوننا ما يحدث .. و عند المتابعة تجد أن ( نغمة ولون ) الناتج سواء أكان مكتوباً أو مرئياً فيه شئ من الظلم للجانب العربي .. أو حتى إن هو حاول أن ينصف ، تشعر بأنه إنصاف ( المنة و التعاطف الفوقي ) ..
 
كنت و مازلت استغرب كم لتقارير التي تنشر و تصور من قبل الصحافة و الإعلام الأجنبي حول الفقر و المرض ، و حول الفساد السياسي و الإجتماعي ، و حول عاداتنا و تقاليدنا ( بوجهة نظر فوقية كتلك التي تعرفك على ساكني الأدغال و إن دافعت فهي تبدي إعجاباً بنسبة الذكاء المرتفعة لدى القرود مثلاً !! ) .. كنت إذا خرجت في مهمة ميدانية مع طاقم تلفزيوني ، أرى المصور الأجنبي بشكل ( غريزي لا إرادي ) يركز على تصوير حمار مثلا ، أو " مقلب زبالة" أو وجوه أطفال متعبة منهكة و لكنها جميلة ، و في نظرة عيونهم شئ من الحدة .. وإذا إنتقل إلى الجانب الآخر الإسرائيلي – مثلاً – و أيضاً بشكل تلقائي ، يركز عدسته على جندي أو ضابط إسرائيلي أشقر بعيون زرقاء ، مهندم ، يعلك اللبان ، و يبدو كنجوم هوليوود .. أو على مجندة حلوة .. و إذا ما إستمعت للتقرير الصوتي على الصورة المصاحبة ، ستجد نفسك ، بشكل عفوي متعاطف مع الإسرائيلي النظيف ، المرتب .. المسالم رغم أنه يحمل على جسدة ترسانة من الأسلحة و أدوات القتل .. و فحوى الخبر اساساً عن مقتل عرب على أيديهم !!
 
كنت أتابع كيف يأتون إلينا في أيام الإنتخابات ، يبحثون و ينبشون تحت الأرض و فوقها .. عن اي ملمح من ملامح الفساد ، أو الترهيب و الترغيب ،  أو ما يسمونه ( إنتهاك حقوق الإنسان و حرية التعبير ) .. لتجد في اليوم الثاني ، إنتشاراً واسعاً ، لجدري التقارير ، على صفحات جرائدهم و شاشاتهم ، حول كم إنتهاكات الديمقراطية ، و الفساد المستشري ، و التخلف الثقافي ، و العشوائية في بلادنا ..
 
ظلت اسئلة كثيرة ، و مشاهدات أكثر ، تصدمني و تجرح تجربني مع الصحافة الأجنبية ، و كانت دافعاً لي للسفر إليهم ، و قراءة و متابعة شئونهم بعيني و أذني ، و عن قرب .. و قد وجدت كما وجد غيري الكثير من القصص ، و الكثير من الوقائع ، و الحقائق ، حول الفساد المستشري ، و ثقافة الغاب ، و الغلبة للأقوى ، و تحكم المافيا ، و إنعدام حقوق الإنسان ، و التزوير و التلبيس و شراء الأصوات ، و إعتقال أصحاب الراي ، و تسلط ألأمن على الإعلام ، و غيرها من ملامح ، تجعلنا في الوطن العربي و العالم الثالث كما يقولون، مقارنة بهم في العالم الأول ، ملائكة ، رغم كل ما لدينا من ديكتاتورية ، و شح في الديمقراطية ، و حقوق الإنسان و الحيوان ..
 
و أستغرب ، لماذا لا نفتش في أحوالهم كما يفعلون ؟ لماذا ينصرف صحافيونا و إعلاميونا إذا ما قدر لهم رحلة ضمن برنامج ، أو مرافقة لزيارة رسمية  أو حتى بشكل تكليف رسمي من مؤسساتنا الصحفية و الإعلامية .. ينصرفون إلى التمتع بزيارة الأماكن السياحية و الفنادق المريحة ، و المطاعم اللذيذة ، أو يبحثون عن عربي هناك لإجراء حوار ، و من ثم يثرون معرفتنا كقراء و مشاهدين بما نعرف أساساً عن أحوالنا .. أو يتسولون آراء المواطن ( الأجنبي ) فينا و في ديننا و في ثقافاتنا و تاريخنا و قياداتنا، و ينصبون الملاطم إن جاءت الآراء ضدنا و غير متعاطفة ، و يقيمون الأفراح و يكاد المراسل أن يطير فرحاً !ذا ما ذكرونا بالخير و تنازلوا و رضوا عنا !!  لماذا لا يوجد من يتابع الإنتخابات الأمريكية بشكل أكثر دقة و يبحث عن حقيقة الإتهامات المتبادلة ، و الجرائم الأخلاقية و التجاوزات المالية و الرشاوى أو المغامرات الجنسية ؟ لماذا لا نكتب عن القتل على خلفية عنصرية ، و جرائم الإغتصاب اليومية و إنتشار المخدرات في أوساط الشباب و حقيقة أن معظم القاصرات حوامل أو لهن تجارب قبل البلوغ ، و عن إنتشار عميلت التحول و قوة لوبي المخنثين و الشواذ لديهم و عن التفكك الأسري و حالات الإنتحار بسبب الفقر أو اليأس يومياً و بشكل غريب و أعداد كبيرة ،
 
و عن القمامة المتراكمة في شوارع و أزقة أكبر المدن الأوروبية و الأمريكية ؟ عن المشردين و سكان الشوارع ، عن العنصرية في المجتمع الإسرائيلي بين الإسرائييلين و أنفسهم ، عن المستوطنات و مافيا المتدينين اليهود ، وعن التجارة بالنساء و حقوق المرأة في إسرائيل و أمريكا و اوروبا و إستخدام جسد المرأة في الدعاية حتى للمأكولات و السيارات و الهواتف ، لماذا لا نكتب عن سرقة الألحان و الأفكار و التراث ؟ لماذا لا نكتب عن الآلاف المؤلفة من الزاويا ، و نكتفي بنشر و ترويج صورة وزير يركب الدراجة الهوائية أو وزيرة جميلة ، أو الحياة الرغدة الخيالية التي يعيشونها ؟؟!!
 
هل هو الإحساس الكامن لدينا بالتقزم ؟ هل نحن إلى هذه الدرجة نتلذذ بتلقي الإهانات و الصفعات ؟ هل نحن صحافة خائبة ؟  أم أن هناك من يدير لنا صحافتنا الوطنية و القومية  بمقاييس غير وطنية و لا قومية ؟ 
 

* المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الفلسطينية
المستشار الإقليمى لصحيفة اساهى اليابانية



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز