عاجل
السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
كلمات ليست كالكلمات

كلمات ليست كالكلمات

بقلم : أمل حجازي

" يسمعني حين يراقصني، كلمات ليست كالكلمات...يروى أشياء تدوخني...تنسيني المرقص والخطوات...كلمات تقلب تاريخي...تجعلني امرأة في لحظات". هكذا تغزلت " ماجدة الرومي" في كلمات حبيبها التي كان يهمس بها في أذنيها وهو يراقصها؛ كلمات كانت كفيلة بأن تقلب كيانها وتلعب بمهارة على أوتار قلبها الرقيق، فشعرت بأنوثتها طاغية التي اكتملت فقط بكلماته. ولذلك فقد دارت بها الأرض...داخت... ونسيت حتى أين هي !!...هل وحدها الكلمات قادرة على فعل كل ذلك؟ ...بلى...وأكثر بعد!



للكلمات مفعول السحر. فكلمة واحدة قد تغير حياتك. كلمة قد تحييك وأخرى تقتلك. كلمة تعطيك الأمل وأخري تبث اليأس كالسم في نفسك. كلمة ترفعك عاليا وأخرى تطيح بك أرضا. كلمة واحدة كفيلة بإحباطك وأخرى قادرة على فعل المستحيل. كثيرة هي الكلمات ولكن قليلون هم من يستطيعون التعبير.

في يوم من الأيام كنت أتكلم مع صديقة لي اخبرتني أنها لا تحب أن تتذكر الماضي وذكرياته عندما كانت طفلة صغيرة. واستطردت قائلة: " ماما هي السبب" !! ولما رأت الدهشة على وجهي أكملت قائلة: " ماما كانت دايما تكسر ثقتي في نفسي. في كل حاجة. كانت بتقول لي أني مش فالحة، ومش بركز. أنى تخينة ولما أكبر وأتجوز هأتخن أكتر ومش هأعرف أخس أبدا. حتى لو كانت دى طريقتها في أنها خايفة عليا، بس أنا مش قادرة أنسى كل كلامها ده. مش قادرة أنسى أنه كان جارح، أنه كان بيخليني أقضي الليل أعيط لوحدي" !! صديقتي هذه الآن زوجة ناجحة، وجميلة تهتم بجمالها ورشاقتها بشكل قد يبدو للبعض مبالغ فيه، ربما خوفا من انتقاد والدتها، أو ربما لثقتها التي اهتزت منذ الصغر. صديقتي هذه لا تعمل، ليس لعيب في قدراتها ولكن ربما الآن اتضح السبب؛ فهي تخاف الفشل كما توعدتها أمها وهي صغيرة. يا تري ماذا كان سيحدث لو أن أمها قدمت لها النصيحة بشكل آخر؟ ماذا لو قالت لها نفس المعني وتغيرت الكلمات؟ ماذا لو أن تلك الكلمات التي تذبح، تحولت إلى كلمات تزرع بها الأمل في قلبها؟

قرأت مرة عن متسول كفيف يكتب على لوحة بجانبه " أنا أعمى أرجوكم ساعدوني"...كان الناس ينظرون إليه ويقرأون اللوحة، بعضهم يحن قلبه ويعطيه نقودا والبعض الآخر يقرأ ويمضي في طريقه. حتى أتت سيدة انيقة وتأملت في تلك اللوحة التي وضعت بجانبه، ثم أخذت قلما وقلبت اللوحة وكتبت كلاما آخرا ومضت في طريقها. وعند عودتها في نهاية اليوم رأت أن صندوق النقود الموضوع أمام الرجل قد أمتلأ عن أخره، فرحت وسألت الفقير إذا كان يحتاج شيئا، ولما سألها " ماذا حدث؟ " و" ماذا كتبت حتى تأثر الناس هكذا ورق قلبهم؟  قالت له: " نفس المعنى ولكن بكلمات أخرى. لقد كتبت: " اليوم يوم جميل ولكنني لا أراه مثلكم ". هذا هو سحر الكلمات.

يقولون ان حصيلة الكلمات السلبية التي يتعلمها الطفل من أهله تقريبا 4000 كلمة، و500 كلمة إيجابية فقط! ثم تتسألون لماذا ينشأ طفل محبط، ويكبر رجل بلا طموح؟  وحسب الدراسات يوجد باللغة الإنجليزية 3000 كلمة تصف المشاعر، منها 1800 كلمة سلبية أمام 1200 كلمة إيجابية، يستخدم منهم فقط 50 كلمة. أما بالنسبة للغة العربية، الغنية بالمعاني والمرادفات والمشتقات، فبها أكثر من 300,000 كلمة لوصف المشاعر، ولا يمكن حصرهم لكثرتهم. والآن أسأل نفسك سؤالا: " أي نوع من الكلمات تستخدم؟ السلبية منها أم الإيجابية؟ لديك بحر من الكلمات في اللغة العربية وعليك فقط ان تختار. أنه لأمر محير حقا أن تترك هذا الكم من الكلمات الجميلة وتختار السيئة منها فقط؟

الأخطر من ذلك كله هو الكلام الذي تردده أنت لنفسك. هل تعرف أن له تأثير كبير عليك دون أن تدري؟ فعندما تقول لنفسك كلمات مثل " أنا فاشل" " أنا لن أنجح في الامتحان" " أنا لن أستطيع" تأكد تماما فإنك لن تحقق شيئا.

للكلمات ذبذبات لا يستهان ابدا بقوتها؛ تسري وتتسرب في الجو فتصل للقلوب وتتفتح بها العقول.

وكلمة واحدة قادرة على تغير المصير وكتابة التاريخ. ففي بدْء الخليقة وسوس الشَّيطان لأبينا وأمِّنا بكلِمة، فكان الخروج من الجنة. وعلى امتِداد التاريخ البشري، وقعت حروب لا تحصى، وبرزت عقائد وأفكار لا تعدُّ؛ وكان القاسم المشترك بين كلِّ ذلك هو الأثر الخطير للكَلِمة على مصائر الأُمَم والشعوب والأفراد. فكلمة واحدة من امرأة مسلِمة حرَّة حرَّكت جيشًا، وجعلت خليفةً يَحكم أرضًا لا تغيبُ عنْها الشَّمس لا يهدأ ولا ينام: “وامعتصماه " تسعة حروف فقط غيرت مصير أمة. هناك كلمات حركت مشاعر الملايين من البشر وألهمتهم، مثلما فعل الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر"؛ فأحبه الشعب العربي كله، وكانت كلماته وخطبه مؤثرة دائما. وكذلك خطبة القرن الشهيرة في أمريكا أو خطبة الحلم " لمارتن لوثر كنج" غيرت نظرة الناس عن العنصرية في العالم. وحتى "هتلر" نجح بخطاباته وكلماته التي حركت الألمان خلفه بغض النظر عن سياسته العنصرية الا ان كلماته كانت ناريه تحرك الهمم. وهل هناك أصدق من قول الله تعالى: {َ ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}

قد يكون لديك عقل جيد، وفكرة جيدة، ولكنك حين تطرحها بشكل سيء، تخسر كل شيء وينتهي الأمر. ثق في قوة كلماتك؛ فأنت تملك القدرة على الارتقاء بشخص من الحضيض إلى النجاح الساحق ببضع كلمات. ولديك أيضا القدرة على الإطاحة بسعادة هذا الشخص ببضع كلمات أخرى... أنتق كلماتك تتغير .
حياتك
لا تبخل بالكلمة الطيبة، ولك الثواب. ابتسم في وجه الفقير وأرفق بحاله، فطيبتك وعطفك قد يكون كل ما يحتاجه اليوم. لا تثرثر كثيرا، قل المفيد.

"كلمات الحلوى "؛ أو هكذا أحب أن أسميها، فهي مثل الحلوى التي تزين الجمل بل وتزين صاحبها فتبدو أنت أجمل وأحلي؛ تلك الكلمات هي: " من فضلك" " أشكرك" " لو سمحت" " ممكن" " آسف"...وغيرها. أجلب المعجم وأبحر في اللغة العربية الجميلة؛ تسكع بين حروفها ومشتقاتها وتعلم أن تنتقى الأجمل والأطيب من الكلمات. ولو كان الأمر بيدي لمحوت كل الكلمات القبيحة منه، ولكننا قد نحتاج القليل منها عند الحاجة لمن يستحق فقط.

حتى عندما تقرأ، فأنك أبدا لا تعود كما كنت قبل القراءة، فلا بد وأن تغيرك الكلمات. هكذا أحب دائما أن تفعل بكم كتاباتي، حتى ولو تأثر وتغير شخص واحد فقط من قرائي، فأنا أكون في منتهي السعادة أننى كنت قادرة على التغيير، الذي دائما اسعى أن يكون للأفضل.

وبما أننى بدأت مقالي برومانسية كلمات " نزار قباني" فلابد وأن أنهيه بنفس الرومانسية وأذكركم بكلمات الحب الرائعة " لغادة السمان" والتي تقول فيها: " صوتك مسكون باللهفة كعناق... يعلقني بالجنون على أسوار قلعة الليل... وأعاني سكرات الحياة وأنا أفتقدك.

وأعاني سكرات الحياة وأنا أحبك أكثر"... هذا الجنون الذي أصابها كان فقط من سماع صوت حبيبها، ومن خلال كلماته الساحرة طار عقلها وأزادت شوقا له...ألم أقل لكم أن للكلمات سحرا؟ وفي الحب يزداد السحر والروعة والخيال.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز