عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
العِنَاد

العِنَاد

بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى

يُضحكني كثيرًا أن هناك من يتحدث عن عناده بمنتهى الفخر ، وكأنها صفة تستحق التباهي ، ولا يدرك أن العناد هو بداية النهاية لكل شيء جميل حققه الإنسان ، فالإنسان عادةً ما يُعاند من أجل تحقيق رضاء كبريائه ، أو من أجل إذلال كبرياء غيره ، فهو في الحالتين يُضحي بالثمين من أجل الغث ، وكل ما يسعى إليه في لحظة عناده، ألا ينهزم أمام الطرف الآخر ، أو يتراجع عن موقفه ، حتى لو خسر الكثير أو خسر كل شيء ، وصدق من قال : "أن العناد يورث الكفر" ، بل ويورث الكذب والرياء ، وكل الصفات المذمومة التي تنزل بالإنسان إلى أسفل السافلين ، لماذا نظن أن تراجعنا عن مواقفنا ينم عن الضعف ، فعلى النقيض تمامًا ، فالإنسان أحيانًا يتراجع حتى لا يُدمر نفسه ، أو غيره ، فهذا ليس دليل على الضعف ، بل على العكس ، فهو دليل على قمة القوة ، فنحن عندما نكبح جماح كبريائنا ، ونقف أمام عنادنا ، ونذلل رغباتنا في الانتقام لخدمة الصالح والنافع ، فهذا هو منتهى القوة ، أما من يستسلم للمشاعر التي تقوده لدمار نفسه ، والقضاء على الآخرين ؛ بغية إرضاء غريزة شهوة الكبرياء المزيف ، فهو في الواقع إنسان ضعيف وأجوف من الداخل ، يستسلم بالكامل لنوبات غضب تقوده إلى عِناد غير مُستساغ ، بالقطع يدفع ثمنها في النهاية بصورة أخطر كثيرًا من كل تصوراته ، وينسى أن هناك عقل لابد أن نُحَكِّمَه في كل لحظات حياتنا ، سيما في لحظات الضعف والغضب ، فهو الذي يقودنا إلى اتخاذ القرار السليم البعيد كل البعد عن رغبات العِناد والانتقام ، فكم من أسرة انهارت بسبب العِناد ، وكم من فرصة ضاعت بسبب العِناد ، وكم من صداقات تلاشت بسبب أيضًا العِناد ، فلو عددنا نتائجه قطعًا لن نُحصيها ؛ لأن الإنسان للأسف الشديد جُبِلَ عليه ، فهو يجد لذته في ذلك ، لدرجة أنه أحيانًا يعاند نفسه ، ويختار الطريق الوعر ، ويؤئره على الطريق السهل المضيء ؛ حتى يثبت لنفسه أنه مهما حدث لن يتنازل عن موقفه ، ولكن أين العقل من كل هذا ؟!



فما الفارق هنا بين الإنسان ذو العقل والفكر والعلم ، وبين أي حيوان تحكمه غرائزه ، فيتصرف دون أن يضع في اعتباره أي نتائج سيئة قد يصل إليها من جراء عِناده ، ولكن رغم كل ذلك لابد أن نقر ونُعترف أن هناك عنادًا إيجابيًا ، نعم ، فمن يعاند من أجل الوصول إلى النجاح ، ومن يعاند من أجل إثبات براءته ، ومن يعاند كذلك من أجل انتصار روحه الطيبة على نزواته الشريرة ، فهو بالقطع يأتي سلوكًا إيجابيًا ، فمن رحمة المولى -عز وجل- بنا أن كل شيء في الحياة له شقين ، ويحتمل وجهين ، وعلى الإنسان أن يختار أي وجه يُفضل ، لذا علينا قبل أن ننصاع لأوامر أفكارنا السوداء أن نفكر أولاً في نتائجها التي دائمًا لا يُحمد عقباها ، وللأسف كل هذا من أجل رفع راية مزيفة اسمها "إعلان كلمة العِناد" .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز