عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
للبيت ربٌ يحميه

للبيت ربٌ يحميه

بقلم : د. شريف درويش اللبان

لعلنا نذكر تلك القصة الشهيرة التي حدثت عندما هاجم أبرهة الأشرم مكة بهدف هدم الكعبة التي يحج الناس إليها كل عام، ورغم بنائه "القليس" بأرض اليمن، وهى كنيسة كبيرة بأروع ما يكون البناء والزخارف، إلا أن أحدًا لم يحج إليها، لتعاني الهجر والعزلة، فقرر هدم الكعبة، ليحج الناس إلى "القليس". وعندما أصبح جيش أبرهة وفيله الضخم على مشارف مكة، وتم نصب الخيام لبعض الراحة، طلب سيد قريش عبد المطلب مقابلة أبرهة، فاستجاب لطلبه، وفي اللقاء الذي يسجله التاريخ سأله أبرهة: ما حاجتك؟، فقال له: إن رجالك استولوا على إبلي دون وجه حق فردها على، فتعجب أبرهة وقال له: لقد أكبرتك حين رأيتك، وكنت أعتقد أنك جئتني لكي تطلب مني عدم هدم بيت الله الذي تزعمون، فقال عبد المطلب قولته الشهيرة: رد على إبلي، أما البيت فله ربٌ يحميه".



ما أشبه الليلة بالبارحة، فها هو أبرهة يُبْعَثُ مجددًا في ثوب "الحوثي" وفي أرض اليمن، ويبغي هدم الكعبة بل وغزو مكة، ويرسل فيله الجديد في صورة صاروخ "باليستي" مخيف طويل المدى لتدمير بيت الله الحرام، وبالفعل تم إطلاق الصاروخ بهمجيةٍ حوثية وبعقولٍ مظلمة إيرانية، إلا أن عناية الله جعلت هذا الصاروخ يظهر على شاشات الرادار ليتم التقاطه وتحطيمه بصاروخٍ مضاد ليحطمه على بعد 65 كيلو متر شرق مكة المكرمة، فسقط كعصفٍ مأكول، لتظل مقولة عبد المطلب جد سيد الخلق صادقة على مر الزمان: "للبيت ربٌ يحميه".

وتؤشر عملية إطلاق صاروخ طويل المدى من الحوثيين على مكة – وهو الصاروخ الخامس والثلاثين الذي يتم إطلاقه على السعودية – إلى قضايا مهمة وشائكة، أولها أن الصراع المذهبي بدأ يصل إلى أوجه في شبه الجزيرة العربية والشام، ويحيط بالمملكة العربية السعودية من كل جانب، سواء في سوريا في الشمال التي تصر فيها السعودية على إسقاط بشار الأسد (العلوي الشيعي) الموالي لإيران وحزب الله، أو في اليمن في الجنوب التي خاضت المملكة وحلفاءها حربًا فيها لاجتثاث الحوثيين الشيعة الموالين لإيران، إلا أن الرياح جرت بما لم تشته السفن، وأصبح هؤلاء الحوثيون وأعوانهم يهددون السعودية تهديدًا غير مسبوق منذ تأسيسها في العام 1932. وعلاوة على هذا يجب ألا ننسى أن المنطقة الشرقية بالمملكة تضم مسلمين شيعة تربطهم وشائج وصلات بالدولة الإيرانية التي لا يفصل بينهما سوى مياه الخليج.

إن هذا الوضع غير المسبوق الذي يجعل المذهب الشيعي يحاصر المملكة السعودية من ثلاث جهات، يجعل المملكة في وضع حرج وفي معركة وجود. وقد يؤدي هذا الوضع إلى خوض معركة حقيقية يكون ميدانها داخل حدود المملكة وهو ما رجحه بعض الخبراء، وتدور رحى هذه المعركة بين السعودية وإيران، وحينها لن تكون الحرب بالوكالة كما يجري الآن من استخدام إيران للحوثيين تارة، ولبشار وحزب الله تارةً أخرى، واستخدام المملكة لما أسمته التحالف العربي، فستكون المواجهة عسكرية ومباشرة على الوجه الأرجح، لتكون أول حرب مذهبية بين قطبيْ السنة والشيعة في منطقة الخليج.

إن هذا السيناريو الكارثي المرسوم بعناية جعل الحوثيين يروجون ما أسموْه بـ "غزو مكة"؛ فقد عمدت قيادات مليشيات الحوثي  في الفترة الأخيرة إلى شحن طلاب مدارس المدن الواقعة تحت سيطرتها على ما تسميه بـ«غزوة مكة»، كما روجت لذلك بين مليشياتها. كما أن المدرسين الموالين لـ«الحوثي» يعمدون حاليًّا إلى تدريس طلاب المدارس الواقعة تحت سيطرتهم كيفية اقتحام الحرم المكي، ويدعون الطلاب إلى ما يسمى بالجهاد في صفوفهم وترك التعليم، وذلك بهدف «إعادة الكعبة إلى صنعاء»، على حد مزاعمهم.. إذن هو الصراع التاريخي بين أبرهة والكعبة يعود من جديد.

ورغم كل هذه التطورات المتسارعة، فإن المملكة تتخذ مواقف متعنتة مع شقيقتها مصر، وتذهب لإبرام المعاهدات والاتفاقات مع تركيا التي تناصب مصر العداء، وتحتضن جماعة الإخوان التي كانت تطمع في السيطرة على الخليج وبتروله عندما وصلت لحكم مصر لولا ثورة 30 يونيو. إن مصر كانت على الدوام سندًا للملكة وشقيقاتها الخليجيات في كل أزماتهم، ولعل أبرزها حرب الخليج الثانية، ولم تخذلهم قط، ولعل هذا ما عبرت عنه القيادة السياسية المصرية صراحةً في أكثر من حديث عندما أعلنت أن أمن الخليج من أمن مصر. ولن تسمح مصر بأن يصيب أية دولة عربية أى مكروه، لأن مصر لم ولن تتخلَ عن عروبتها وتاريخها في الدفاع عن العروبة والإسلام منذ موقعة عين جالوت ضد التتار وحتى حرب الخليج الثانية وإلى ما شاء الله أن يكون.

مصر لن تتخلى عن أشقائها مهما كلفها الأمر، ويجب على أشقائها أيضًا ألا يتخلوا عنها، وهذا ما وصى به الله ورسوله، "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز