عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الدولار والسولار

الدولار والسولار

بقلم : طارق العكاري

نعيش أزمة حقيقية في سعر الصرف العملات الاجنبيه و السؤال الان هل فقدت الدولة السيطرة على السوق الموازي للعملة أم يعمل مقرروا السياسات النقديه علي تنفيذ خطه موضوعه حتى لنخرج من الأزمة؟



دعونا نرجع إلى الخلف ونرى كيف كانت تُدار السياسات المالية فقبل الثورة كان الاحتياطي النقدي أكثر من ستة وثلاثون مليار دولار وهو أكبر من نسبة خمس وعشرون بالمائة من متطلبات الاستيراد وهو الحد الآمن عالمياً. كانت إيرادات الدولة من الدولار هي تحويلات العاملين بالخارج وايرادات السياحة وعوائد قناة السويس والاستثمارات الأجنبية وكان المستوردون يتعاملون بمنتهى البساطة مع التحويلات للخارج فكان مسموح بالتحويل عن طريق نموذج 4 أو خطابات الأعتماد، الأكثر من ذلك أنه كان من الممكن أن يتم التحويل من حساب شخصي داخل مصر إلى حساب شخصي خارج مصر بمنتهى السهولة ، ويمكن أيضا سحب وتداول أي قيمة من العملات الأجنبية من البنك بالعملة الأجنبية وهو أمر غير مسموح به في كل دول العالم، فلا يمكن سحب عملات أجنبية من أي بنك في العالم، يتم تحويلها إلى العملة المحلية أولاً ثم يقوم بتغيرها من شركات الصرافة بفارق منطقي، وعلي سبيل المثال و ليس الحصر لا يمكن لأي شخص يمتلك حساب دولاري ببنك من بنوك الامارات أن يقوم بسحب مبلغ من حسابه إلا ما يعادله بالدرهم الإماراتي، وكذلك من اليورو والدولار في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية يمكنه فقط تحويله للخارج أو سحب ما يعادل القيمه بالعملة المحلية.

قام البنك المركزي بعدة إجراءات نتيجة إنخفاض السياحة وتراجع تحويلات الخارج والاستثمار والعنصر الوحيد الباقي كما هو عوائد قناة السويس، ومن أهم الاجراءات التي قام البنك المركزي بإتخاذها هى وقف التحويلات من الحسابات الشخصية، الان السبيلين الوحيدين لتحويل العملة للخارج بصفة منتظمة هي نموذج 4 أو خطاب إعتماد لوقف نزيف فواتير الاستيراد الغير حقيقية والذي تراجع بشكل كبير.

فاروق العقدة المؤسس لسياسات مصر النقدية لسنوات طويلة ومحمد العريان الخبير بأحدث أدوات السياسات النقدية في العالم وطارق عامر ذو القدرة الإدارية الخارقة وصاحب النتائج المبهرة في تغيير ثقافة وأرباح البنك الأهلي، هل كل هؤلاء الجهابذة غير قادرين على إيجاد حلول للأزمة؟ هل يجب على الدولة توفير العملة الاجنبيه بعد نفاذ مواردها من تحويلات العاملين بالخارج وتراجع إيرادات السياحة والاستثمارات الخارجية؟ أم مانعيشه الآن هو احد دروب الخطه الموضوعه؟

اُشفق علي الحكومة الآن فهم في موقف لا يُحسدوا عليه، فصندوق النقد الدولي يطالب بثلاثة إجراءات رئيسية لإعطائنا القرض ،أولهم رفع الغطاء بالبنك الدولي بقيمة ستة مليارات دولار وهو أمر تقريباً تم حسمه وأصبحنا قريبين جداً من تمويل هذا الرقم من دول صديقة بمقابل وبدون، ثانيهم توحيد سعر الصرف بالبنوك والسوق الموازية وهو أمر لن يحدث إلا بإجراءات من البنك المركزي، كعمل تعويم جزئي أو توفير العملة من داخل البنوك أو منع التداول أواو اجبارالمستوردون علي اظهار مصدر العمله الاجنبيه وقت الايداع لمنع دخول لاعبين جدد الي ملعب الصرافه او كل ما سبق، و كل الاجراءات المذكوره ليست ببعيده عن عقول اصحاب القرار و اتخاذها في توقيتات سابقه كان سيحد قطعا من المضاربه و هو ما يجعلني واثقا في اننا نسير داخل خطه متفق عليها،  ويأتي الأمر الثالث الأكثر صعوبة وحساسية وهو رفع الدعم عن المحروقات ومن هنا تأتي العلاقة بين الدولار والسولار فنحن في حالة تضخم مخيف ومن يتحدث عن التعويم الجزئي أو الكلي لا يتحدث عن أنه حتى اللحظة يتم توفير الدولار للسلع الاساسية بسعر البنك (8.88 جنيه) لكل المستوردون القائمين علي استيراد هذه السلع بما فيهم الدولة وشركاتها التابعه و المستوردون لصالحها، وفي حالة التعويم الجزئي أو الكلي فحتى لو استقر الدولار في الأسواق الرسمية والغير رسمية عن 12 أو 12.5 جنيه وهو سعره الحقيقي  سيحدث إنفلات في أسعار السلع الأساسية غير مسبوق وهذا لا يعني أن التعويم الجزئي أمر غير مقبول ولن يُنفذ، عذرا فليس لدينا رفاهية الأختيار.

الخليج وأوروبا يعانون من حالة كساد ايضا ولنا في الأمارات والسعودية والكويت مثلاً فهم بلاد مستقرة لم تكن في ثورة أو عدم استقرار لست سنوات سابقة، و يعانون من ارتفاع الاسعار فالأمارات رفعت قيمة فواتير المياه والكهرباء والبنزين وكذلك الكويت، أما السعودية ستبدأ بفرض ضرائب 10% على الموظفين وستقوم بتحميل الموظفين برسوم الإقامة لهم ولذويهم فما بالنا بدولة مثل مصر تسعون مليوناً خرجت من ثورتين استنزفتا معظم مدخراتها.

ليس أمامنا الآن إلا أن تتحمل الدولة ما تقدر على تحمله فقط وهو توفير السلع الأساسية بسعر مناسب والتخلي عن المستوردين فدائماً المستورد يتمتع بهامش ربح مرتفع يصل إلى الضعف والضعفين في بعض المنتجات ومكاتب الاستيراد غير كثيفة العمالة، والدوله لن تمنعه من هامشه الذي اعتاد عليه ل ولكن لن يكون بمساعده و دعم الدوله  فطالما يجد على المستورد من يشتري المنتج بحسابات تكلفة العملة الاجنبيه بـ 17 جنيه أوليكن 20 جنيه فلا يوجد ما يمنع ولكن إذا أصبح السعر غير مناسب للمشتري سيقوم المستورد بالتنازل عن هامش ربحه لنصل إلى نقطة التعادل

 لا يوجد أي أسواق في العالم هوامش ربح الأعمال التجارية فيها تصل للضعف والضعفين و تمسك المستوردون بحقوقهم في تطبيق اليات السوق الحر يجب أن يكون على كافة العناصر، حقا استيراد أي سلعة هو من مبادئ السوق الحر وايضا التنازل عن جزء من هامش الربح ليصبح منطقياً وفقاً لآليات السوق الحر حق لمن فرض و سمح بوجود سوق حر، أن ما يحدث من إرتفاع في سعر العملة الجنبيه هو أمر جبري مقصود وإذا أردنا أن نعرف لماذا وصلنا إلى هذا الحد من التضخم وفرق سعر العملة فيجب أن ننظر إلى الماضي البعيد فإتفاقية الجات هى البطل في تحجيم دور الدولة في منع الاستيراد وتدخل صناديق النقد والبنك الدولي والديون هم المُخرج والمُخرج المساعد والمُنتج لأي قيود تمنع الدولة من إتخاذ إجراءات من شأنها فتح الأبواب لاختيارات أكثر أمام القائمين على وضع السياسات المالية، نختلف أو نتفق على السياسات المالية التي سوف نراها قريباً ولكن لابد ألا نغفل أوضاع التهرب الجمركي وضعف أدوات الدولة في حَوكمة الأسواق حتى الآن.

إن ثقافة ترشيد الإنفاق التي كانت منذ عقود مجرد كلمات لا نعبأ بها أصبحت اليوم إلزام ورغم أُنف الجميع سنقوم بتطبيقها فكُلنا قلت مواردنا مقارنة بالتضخم الموجود وإن لم نلجأ إلى عدالة توزيع الموارد ولن نفيق أبداً ،فلماذا تستحق شركات النقل الجماعي الفاخر العاملة على طرق القاهرة  الاسكندرية وشرم والغردقة سولاراً مدعوماً؟ لماذا تستحق الفنادق ذات الخمس نجوم بوتجاز أو غاز مدعوماً؟ كيف لسيارة ملاكي تسير مائة ألف كم في السنة ان تأخذ وقوداً مدعوماً ويأخذ مواطن أخر دعماً على عشرون ألف فقط؟ اليس هذا يأكل من حق ذاك؟

على الدولة ان تحقق عدالة توزيع الموارد بما يتناسب مع أوزان الطبقات الاجتماعية النسبية وإلا ستظل العلاقة بين الدولار والسولار علاقة غير شرعية.     

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز