عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ما بينَ الدَواءِ المُرِ والجِرَاحَةِ المُؤلِمَة

ما بينَ الدَواءِ المُرِ والجِرَاحَةِ المُؤلِمَة

بقلم : د. شريف درويش اللبان

إذا تخيلنا أن الاقتصاد المصري رجلاً مريضًا وتمت الاستعانة بفريقٍ من الأطباء لتشخيص مرضه (كونصلتو) مكون من الحكومة ممثلةٍ في رئيس الوزراء والمجموعة الاقتصادية، ومحافظ البنك المركزي ولجنة السياسة النقدية، والشعب المصري ممثلاً في المواطن المصري البسيط الذي يكمن تحت خط الفقر حينًا ويتأرجح فوق هذا الخط أحيانًا يكاد يواقع مساحات الفقر التي تتسع أسفله، ويحاول جاهدًا في قطاعٍ منه تُسمى الطبقة المتوسطة أن تحافظ على أسلوب معيشتها وتعليم أولادها وحياتها الكريمة التي تأثرت سلبًا في الأعوام الأخيرة.



إذا جمعنا هذا (الكونصلتو) المكون من الحكومة والبنك المركزي والشعب؛ فلا شك أنهم سيتفقون جميعًا على أن الاقتصاد المصري مريضٌ، ويستدعي العلاج بأسرع ما يمكن خوفًا مما لا يُحْمَدُ عُقْبَاه من أن يموت المريض، أو يعلن إفلاسه من الحلول التي تجعله يتعافى من مرضه. وسوف يتفقون جميعًا على أن أعراض المرض واحدة لا تخطؤها العين الفاحصة، وتتمثل في عجز الموازنة العامة للدولة، وارتفاع حجم الدين الداخلي، واختلاف سعر الصرف للعملات العربية والأجنبية ما بين البنوك والسوق الموازية، وتدني حجم التصدير وارتفاع فاتورة الواردات، وتراجع معدلات الإنتاج، وإغلاق مئات من المصانع أبوابها، وهروب الاستثمارات وإحجام المستثمرين الأجانب، وتراجع السياحة، ولجوء عديد من التجار المحترفين والهواة إلى المضاربة في سوق العملات باعتبارها سلعًا وليست أوراقًا مالية.

إذاً سيكون هناك اتفاق بين الحكومة والبنك المركزي والشعب على التشخيص، ولكن من الواضح أنه قد نشب خلافٌ أو لنقل اختلافٌ بين هؤلاء الثلاثة على العلاج؛ فالحكومة والبنك المركزي اتفقا أو توافقا معًا على أن علاج الاقتصاد المريض يُحتم إجراء عملية جراحية قد تكون مؤلمة ولكنها ضرورية للشفاء التام، وتمتاز هذه العملية الجراحية في فتح بطن المريض وإخراج كل أحشائه لاستئصال مواطن المرض منها دفعة واحدة أيًا كان الألم الذي ستتسبب فيه هذه العملية للمريض، والذي قد يودي بحياته إذا لم يكن الجراح ماهرًا، أو أن المريض نفسه قد لا يتحمل هكذا عملية.

ومن جهةٍ أخرى، فإن للشعب رأيٌ له وجاهته، وهو أن يُعالج الاقتصاد المريض من خلال تلقي جرعاتٍ مناسبة ومتتالية من الدواء، ومعظم الشفاء من مُرِ الدواء، ولا بأس من أن يعاني المريض من مرارة الدواء وجرعاته المتتالية وصولاً للشفاء، علمًا بأن تلقي الدواء كله دفعةً واحدة لن يؤدي إلى الشفاء، لأنه قد يؤدي أيضًا إلى وفاة المريض، فالسرعة الجامحة غير مطلوبة في مداواة المريض، وبعض التأني قد يعجل بالشفاء المنشود.

المشكلة أن الحكومة والبنك المركزي أصرا على رأيهما في إجراء العملية الجراحية للاقتصاد المريض، ولم يعيرا أدنى اهتمام لرأي الشعب رغم أنه رأيٌ حكيمٌ من شعبٍ مُجَرِبٍ مرت عليه عشراتُ الحكومات ومحافظو البنك المركزي ومحافظو البنك الأهلي من قبله، ورغم أن هذا الشعب – ببساطة – هو الذي سيدفع تكلفة الدواء المُر، وهو الذي سيدفع تكلفة العملية الجراحية التي سيتم إجراؤها، وسوف يُحاسب في النهاية على ثمن الأدوية والمحاليل والأشعة وحجز غرفة العملية وأجرة الجراحين وأكياس الدم اللازمة لإجراء الجراحة، وهى الأشياء التي لا تتوافر في مستشفياتنا الحكومية، ويلزم على أهل المريض شراؤها من الخارج، بل إن هذا الشعب هو الذي سيدفع تكلفة الغُسل والتشريح والتكفين وسيارة نقل الموتى وليلة العزاء إذا فشلت العملية الجراحية – لا قدر الله - لأية أسباب قد تكون راجعة إلى أن الجراحين الذين أجروا العملية تعوزهم المهارة اللازمة لإنجاح مثل هذا النوع من العمليات الجراحية المعقدة، أو أن حالة المريض لا تتحمل إجراء مثل هذه العملية الجراحية المؤلمة، أو أنه كان من الممكن أن يُعَالج المريض بتلقي العلاج عبر جرعاتٍ متتالية خلال فترةٍ زمنيةٍ أطول قليلاً.

أيًا كان الأمر، فقد أجرت الحكومة والبنك المركزي العملية الجراحية المؤلمة يوم الخميس الماضي بتعويم الجنيه، ورفع سعر البنزين والسولار وغاز السيارات، ورفع سعر غاز المنازل، ورفع سعر أنبوبة البوتاجاز، وأعربت الحكومة في المؤتمر الصحفي الذي عُقد يوم الجمعة لطمأنةِ الشعب عن نيتها لرفع سعر تذكرة المترو.

وحتى الآن لازال المريض يقبع في العناية المركزة تخرج الخراطيم من فمه وأنفه وممنوع من الزيارة ويتلقى المحاليل لمساعدته في أن يظل على قيد الحياة، وكلُ قلوبِنا وأعينِنا مُعَلَقَة بهذا المريض لنعرف النتيجة النهائية للعملية الجراحية المؤلمة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز