عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
وداعاً محمود عبد العزيز

وداعاً محمود عبد العزيز

بقلم : د. محمد فاروق

هناك شخوص يستعصي علينا اعتبارهم رموزاً في مجالهم وفقط ، ملامح تأخذك إلى حيث البيت الكبير ، بيت العائلة ، رائحة عَرَق الأب فور وصوله إلى المنزل بعد تفاصيل اليوم المرهقة في العمل ، تلك التفاصيل التي لا تمنع ابتسامته التي تفتح لناظريها أبواب الحياة والنشاط والأمل بالرغم من إجهاد صاحبها ، ملامح تأخذك إلى جلسة الأم على سجادة الصلاة ، بطرحتها البيضاء ، وكفها المرفوع للسماء ، ودعائها لأهل هذا البيت بما يسُر القلوب ، ملامح ترى فيها فرحة الأخت الصغيرة إذا طرق أحدهم الباب ، ففتحت ، وإذا بوجهها تعلوه أنوار الفرحة وابتسامة الملائكة ، حيث الطارق هو الأخ الأكبر المُجند العائد من الكتيبة العسكرية لقضاء يومين في أحضان البيت الكبير بكل حنانه و دفء ساكنيه .



ملامح تأخذك إلى الدور العلوي من المنزل ، حيث شهامة الصعيد وأبناءه ، إلى طيبة النوبة ونقاء سريرة أهلها وقسمات وجوههم البريئة وصفاء أرواحهم ، ملامح تُعيدك إلى عبقرية الحي الشعبي وأولاد حارتنا ، وسامة وطابع للحسن يبدو جلياً في تفاصيل المشهد الخارجي لتلك الشخوص ، تظن من فرط جمال الطلّة أنه ربما جاء من بلاد الغرب ، فإذا تحدث وصاحَب حديثه لغة جسده أيقنت أنك في أحد شوارع مصر العتيقة ، أو أنك ترى طمي النيل في جبهته ، أو لعلك فتحت شُرفة منزلك على حي الحسين ، حيث الذاكرين ، حيث المسجد والمأذنة ، حيث المشهد الذي تحتله الخلطة المصرية ، بالمقاهي وبائعي العطور والبخور والمسبحة .

مراحل عُمرية اكتسبت فيها تلك الشخوص عناصر الفكرة المصرية ، وترجمتها إلى أقوال وأفعال داخل وخارج نطاق عملهم ، خبرات عديدة ، نقلات نوعية ، إحتكاكات خارجية وداخلية ، ومحافل متنوعة ثرية تُثقل هذه الشخصيات بمضادات الانزلاق في التِيه والخلط بين الأوراق والملابسات والتفاصيل ، ظروف قد لا تتوفر إلا لهؤلاء الكبار ، كبار بأعمالهم وأقوالهم وآرائهم وسيرتهم ومسارهم .

محمود عبد العزيز أحد أهم هذه الشخوص ، أيقونة متفردة ، عاشق للتراب المصري  ، شديد العشق لشعب مصر الطيب والأصيل ، رجل تسبق دموعه حروفه إذا اصطدمت بأحزان وطنه ، دموع الخبرة والتجربة والاستشراف للقادم ، دموع تحمل صرخة استفاقة للسامعين ، فإذا تحدث " محمود " فاعلم أن مصر أوكلت له أمراً ، وأرادت أن يكون بلاغاً على لسان الصادقين .

محمود عبد العزيز في مداخلة هاتفية أعقبت أحداث فرنسا الإرهابية الأخيرة حيث كان هناك لتصوير مشاهد عمله الفني الذي لم يُعرض حتى تاريخه ، تلك المداخلة التي أجراها لبرنامج " معكم – منى الشاذلي " .. أقسم مرات عديدة قائلاً : أقسم بالله ثلاثاً أننا لن نجد مثل عبد الفتاح السيسي ، ثم استطرد وأطال في مدح الرئيس ، ثم كرر هذا القَسَم مرات ومرات ، ثم انتقل للحديث عن الذين لا يرون بأعينهم ما حِيك لمصر من مؤامرات ، ثم عاد ليُقسم مرةً أخيرة بأن مصر محظوظة بالرجل الذي يُسمى عبد الفتاح السيسي !

عزيز القارئ :

من بين مئات المقالات لم أكتب يوماً رثاءً لأحدهم ، فناناً كان أو رمزاً للأدب وخلافه ، لكنني اصطدمت بحالة خاصة ، شخصية لها خبرات حياتية وملامح كالتي ذكرناها سالفاً ، شخصية من أكابر وأشراف هذا الوطن ، كانت مصداقيتهم نوراً وإماماً وجواز مرور لأقوالهم ، قل لي بالله عليك ، إذا استمعت لكلمات محمود عبد العزيز الذي طالما كان يسبقها بالقَسَم الإلهي وكأنه يصرخ قائلاً : فوقوا بقى ! إنزعوا الغشاوة من على أعينكم ، كفوا عن التشكيك ، إحذروا ضياع الصادقين من بين أيديكم ، ساعدوا المخلص الأمين الذي لن تجدوا مثله ! بالله عليكم كيف تطرحون نصائح هذا العملاق جانباً ؟ كيف تأخذون من غيره الذي لا يملك ما يملك هذا الرجل من نظرة ليس فيها إلا الوطن والانتماء والحب والحزن على مصر وشعبها !

هل انضمت هذه العقلية الكبيرة بكل خبراتها الحياتية إلى قوافل " المطبلاتية " في أنظاركم ؟ هل هو بكل ما يحمل من معادلة مصرية أصيلة قرر أن يُقسم بالله كذباً لقاء تملُق السلطان ونفاقه ؟ أين عقلي إذا طرحت حديث ونصائح محمو عبد العزيز جانباً ثم استمعت لأيقونات الثورة الذين فرّوا هاربين من مصر ؟ أو المستفيدون من إعادة تدوير الفوضى ؟ أو الإعلاميون الذين  تُحركهم  أهوائهم ومصالحهم ومواقعهم ؟! هل أطرح خلاصة تجربة هذا الرجل وهذه العقلية لأتعاطى مع وجهة نظر قليل الحيلة منزوع الخبرة محروم الاحتكاك ، حتى ولو كان نقياً نظيفاً ؟!  

أيها النبيل الغالي : وداعاً يا أصدق الألسنة في عصر الزيف ، سلاماً يا أيقونة الوطن في الأيام شديدة الصعوبة على الوطن .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز