عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الحمد والشكر..

الحمد والشكر..

بقلم : د. أحمد عيسي عبدالله

 أول من اخترع البوصلة هم الصينيون، إلا أنهم كانوا يستخدمونها في السحر والخرافات، وحينما وصلت لأيدي المسلمين كانوا هم أول من استخدمها في الملاحة البحرية، وفي تحديد القبلة في الصلاة، وبدءوا يطورونها كي تؤدي فوائد عملية للناس وقدموا أروع الأمثلة العملية في العمل بالعلم.. لقد أدرك المسلمون الأوائل أن استثمار العلم الوحيد هو العمل به وليس مجرد الكلام فقط.. لقد أدركوا الفرق بين مفهوم "الحمد" و"الشكر"، عندما قرأوا كتاب الله فوجدوا أنه سبحانه وتعالى دائماً يتحدث عن قلة " شكر" العباد كقوله تعالى:



"وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ " [المؤمنون: 78]

" قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ " [الملك: 23]

 وقوله سبحانه وتعالى : "وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ" [سبأ:13]

ومع أن معظم الأذكار والأدعية ، إن لم تكن كلها ، تتضمن الحمد ، وكثير من الناس تلهث ألسنتهم طول الوقت بالحمد لله على نعمه... فهل الحمد بشكل عام يغني عن الشكر؟

الواقع أن العلماء وأهل اللغة اختلفوا في الفرق بين الحمد والشكر ، والراجح أن الحمد أوسع من الشكر فهو "الحالة النفسية" بينما الشكر هو "السلوك قولاً أو فعلاً"..

وللتبسيط يمكن القول أن الحمد يكون باللسان فقط ، والشكر يكون باللسان والأفعال..

وحقيقة الدين المعروفة أنه عبارة عن عقيدةٌ وعبادةٌ ومعاملاتٌ، والعباداتٍ، لا تكون لمجرَّد الأداء فقط، بل يجب أنْ يكون لها تَّأثير عمليَّ ينعكس على سلوك الإنسان ومعاملاته..فالدين المعاملة.. أى نتيجة وثمرة العقيدة والعبادة التى تظهر فى السلوك والتعاملات مع الناس..

وقد حذَّر القرآن الكريم من القول الذي لا يكون مشفوعًا بعملٍ يؤكِّده، وهناك في الكثير من الآيات التي تدعم ذلك.. كقوله تعالى:

" أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ " [البقرة: 44]،

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ " [الصَّفِّ: 1 - 3]،

ولأنه (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) فعلى الذين يعتقدون أن في الحمد (بالكلام فقط) فائدة ترجى أن يبادروا إلى تبنى مفهوم "الشكر" لله بالفعل واللسان وليس بالكلام فقط الذى هو أضعف الإيمان.. ومن المهم توضيح اقتران الإيمان دائماً بالعمل، والعمل الصَّالح تحديداً حيث لم يمدح الله تعالى الإيمان منفرداً بدون اقترانه بالعمل الصالح، بل إنّ الله سبحانه وتعالى ربطَ الرجاء بِرَحمتهِ بالعمل الصالح ، قال تعالى :

"فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً"[الكهف: 110]

والقرآن مليء بالآيات التي تربط بين الإيمان والعمل الصَّالح ، فلا يهتم بأحدهما ويُهمل الآخر:

"إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ" [هود: 11] .

"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا" [مريم:  96] .

" وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى " [طه:  75] .

"وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا " [طه:  112] .

" وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا " [الفرقان: 71]... والعديد من الآيات..

 إذاً هي ليست ثقافة القول فقط أو الإيمان فقط أو الحمد فقط ، بل هى ضرورة القول والفعل معاً والفعل أولى من الأقوال، فالتقدم والرقى فى حياة الأمم لن يكون إلا بالأفعال ...

فهل آن الأوان أن ننتقل من ثقافة القول إلى ثقافة العمل .. من ثقافة الحمد باللسان فقط إلى ثقافة الشكر بالأفعال؟

أمّا بالنسبة إلى الخالق سبحانه وتعالى فله الشكر وله الحمد معاً .. دائماً وأبداً.

 

*استشارى ادارة الموارد البشرية

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز