عاجل
الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أبو شادي والإسلام والثيوصوفية

أبو شادي والإسلام والثيوصوفية

بقلم : د. عصمت نصار

يمضي أبوشادي في محاولة توفيقه بين الماسونية والثيوصوفية من جهة والثقافة الإسلامية من جهة أخرى. فنجده يربط بين فكرة السلام العالمي والوحدة الإنسانية (العولمة)، ووحدة الأديان ويجعلها في سياق واحد، فالأخوة العالمية – عنده - لا يمكن تحققها في ظل صراع الثقافات والتعصب الديني – الذي بدا في الفرق والمذاهب والنحل المختلفة - ، ومن ثم يجب العمل على إيجاد سياق أوسع يوحد بين الأديان الوضعية والسماوية ألا وهو الإيمان بوجود إله واحد محب عطوف خير يأمر بالسلام والبر والتعاون بين البشر واعتبار الكتب السماوية والتعاليم المقدسة والتراث العقدي في كل الديانات مجرد خطابات أُرسلت للفلاسفة والأنبياء والعلماء والمصلحين لمعالجة شئون حيواتهم وقد قرؤوها بموجب قدرتهم على استيعاب ما فيها من حقائق. ولما كان الطريق مازال ممهدا أمام العقول المنفعلة والعقل الرباني الفاعل فإننا لا يجب الوقوف عند هذه الخطابات فحسب بل يجب تطويرها بموجب الرسائل المتواصلة في واقعنا المعيش وهو بذلك لا يفرق بين الأنبياء والفلاسفة والعلماء من جهة ولا يجعل هناك أدنى فارق بين الكتب السماوية الموحى بها وتعاليم الفلاسفة التي شكلت بدورها نسقا موروثا مقدسا كما هو الحال عند البوذيين والجينيين والتاويين من جهة ثانية ، ويجعل الثيوصوفي المطلع على الحقائق الربانية قادر دوما على نسخ التعاليم وتطويرها وتأويل نصوصها وتطويعها لخدمة الحاضر من جهة ثالثة. الأمر الذي يمكن كل دعاة الإصلاح الأخلاقي من أداء مهمتهم المتمثلة في إحياء القيم الإنسانية الرفيعة في سلوك البشر والحد من كل مظاهر الانحراف الخلقي والأفعال المحرضة على الشر والعنف ذلك فضلاً عن تدعيم الروابط الاجتماعية بداية من العواطف الأسرية إلى التكافل الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء ونهاية بالتعاون الدولي من خلال المؤسسات والهيئات الخيرية الاجتماعية والصحية الكبرى .



ويقول ابوشادي عن قوانين الطبيعة :

قانونُ الطبيعة قانونٌ نافذ لا يهاب سطوةَ الأمير ولا يترك الضعيفَ لضعفه، وهو عبارة عن عِدَّة نتائج لأسباب كثيرة تقع تحت حسِّنا، وكلما تشابهت تلك النتائج كانت أسبابها متماثلة، وليس ذلك بمدوَّن في كتب خاصة به وإن كانت الكتب السماوية قد جمعت موادَّه، وشرح شيئًا منها الفلاسفةُ والحكماءُ بقدر استطاعتهم، وإنما يرجع المستفسرُ عنه إلى صدور كثرت خبرةُ أصحابها بالحوادث التي تمرُّ بهم، ففيها يجد الإنسان الحقائق الكثيرة ومنها يعرف تلك الأسرار الخفية الغامضة على الجاهلين.

هؤلاء الشيوخ الذين يوافون هذا العالم دائمًا بنصائحهم الذهبية التي لا يلتفت إليها إلَّا القوم العاقلون يبسطون للملأ قضيةً لا نزاع فيها، ويقولون إن هذه القضية ولو أنهابسيطة يسهل على ذوي العقول الصغيرة فهمها، إلا أنها من أهم الأمور وأكبر القضايا التي يترتب عليها نهوضا بالبشر وثبات الأشياء لأمدٍ طويلٍ ويقولون كذلك إنها مع صدق ما تتضمنه وإقرار النفوس به فكثيرًا ما تُهمَل ولا يُحفَل بها! تأكد أن الأساس ثابت » : تلك النظرية القوية البرهان لا تتعدى معنى الجملة الآتية وإني إذا ذكرتُ للقارئ — وأنا أخصُّ بالذكر غالبًا هذا البلد — ،« قبل أن تهمَّ بالبناء أن في كل مائة نفر من الناس تسعين أو أكثر ينبذونها فلا أكون مبالغًا، وإلا فأي معنى لتلاشي الأعمال وتهدُّمِها إذا كانت مشيَّدة على دعائم قوية، تضمن لها النجاح، وتحافظ على بقائها؟

ويمضى أبو شادي مع عبد العزيز جاويش  ومحمد يوسف موسى  في دعوتهما لعالمية الإسلام وإنسانية الحضارة مؤكداً أن الحضارة الإسلامية أخذت وأعطت واقتبست وطورت وحدثت وأخذ عنها الغرب أصول نهضته العلمية والفلسفية ولاسيما فلسفة ابن سينا وابن رشد، ومن ثم يجب علينا مواكبة التطور واحتياجات الواقع مع الاحتفاظ بالنهج العقلي الإسلامي الذي لا يتعارض بدوره مع العلم ولا تحديث النظم .

غير أنه يختلف عن سابقيه بمحاولته مصادرة فكرة عالمية الإسلام ودعوته للتعاون الإنساني ، لصالح الماسونية والثيوصوفية فيقول:

إن العقيدة العالمية لا يمكن أن تتدعم  في دولة يكون فيها المواطنون طبقات أو مراتب، وعلى ذلك يكون التعريف الأول للدولة الإسلامية غير صالح لزماننا الحاضر ولابد من المساواة التامة بين جميع المواطنين شرطاً حتمياً لنجاح الدولة الإسلامية الديمقراطية في عصرنا هذا، وشتان بين ظروف الإسلام الأولى الضيقة نسبياً وبين ظروفه العالمية الحاضرة...إن القانون الفرنسي مستمد معظم نصوصه من مذهب الإمام مالك، ولسنا إلا مستردين بضاعتنا إذا ما استأنسنا به، وكذلك النظام الدستوري العصري ما هو إلا توسع يطابق حاجيات العصر في تطبيق المبادئ الإسلامية الإنسانية، ومن يقول بعكس ذلك إنما يرمي الإسلام من حيث لا يدري بالجمود والعصبية الجاهلية ويوصمه بعدم الصلاحية لتنظيم التقدم الإنساني والدولة الحديثة وفقاً للمبادئ العلمية التي تخدم الحق وتصون كرامة البشر، وحاشا أن يكون الإسلام ضالعاً مع هذا التعصب الأعمى أو الجمود الذي يسبق الدمار وينذر بالفناء"
جميع هذه التفاسير والأخبار والشواهد تنادي بصلاحية الإسلام كدولة عالمية قوامها المبادئ الإنسانية بحيث لا يوجد فيها تفاضل إلا بالمواهب والتقوى، ولا يغمط فضل إنسان بسبب عقيدته أو لونه أو نشأته أو جنسه أو ظروفه الخاصة"

ويسترسل أبو شادي مبيناً أن غايته من التأويلات العلمية المعاصرة للنصوص المقدسة هو تحرير الأصول الشرعية من قيود التفسيرات الفقهية الموروثة والانطلاق بها إلى آفاق العلم الذي يتجاوز حرفية النص إلى المقصد والغرض فالإسلام عنده معرفة وفلسفة وروحانية وسلوك قويم، وجميعها يشكل أسس الحضارة الإنسانية، ويقول في ذلك: "لا خلاف مطلقاً بين الإسلام والحضارة، فالحضارة نتيجة من نتائج النظام الإسلامي والفلسفة الإسلامية العملية، والحضارة الإسلامية –أي المترعرعة في كنف الإسلام- حضارة شاملة عالمية، فهي لا تعرف التعصب إطلاقاً اللهم إلا للخير العام."

ويقول في موضع آخر عن الأصول الثلاثة التي تقوم عليها فلسفته والمتمثلة في القلب والعقل والإرادة:  "قام الإسلام على المحبة والتصميم، والحكمة، وهذه القواعد الثلاث، بنات القلب، والعقل والإرادة."

ويؤكد أبو شادي أن المشاعر الصادقة الراقية والحكمة والعلم والقيم الأخلاقية والدساتير والشرائع والأديان لا يمكنها أن تقوم برسالتها وهي على هذا النحو من الشتات، لذا جاء الإسلام ليجمع بينها في سياق واحد ليعبر عن رسالة السماء الحقيقية التي لم يصيبها التحريف أو العطب أو التجديف فيقول:

المحبة انفتاح لا حد له، لكنها لا توحد بنظام:

الصوفية حنين إلى المجهول لم تدرك الطريق إليه،

الشريعة حال ممدودة بين البشر لا تصعد نحو الله.

أحلام الفلسفة أشواق لا تجد طمأنينة في مداها، أو انفعالاً مع الواقع:

كل ذلك جمعه الإسلام في ذاته وصفاه وطوره، ثم جعله وحدة قذف بها في الوجود فإذا بها تبقى وحدها رغم الأعاصير والزعازع، لتمتد وتمتد من جديد لتواكد ذاتها، وتجمع العالم في أسرة واحدة، تلتقي في عناق صميم عند عرش الله."

ينزع أبو شادي في تأملاته الثيوصوفية فينظر إلى اسم الجلالة باعتباره الجامع لكل الحقائق والقيم التي تربط البشر بعضهم ببعض من جهة، والإنسان باعتباره تاج الخلائق بربه من جهة أخرى، ويقول:

الله نور السماوات والأرض وهذا تعريف بليغ متناه في الرقة، وكلما تعمقنا فيه وفي حواشيه ازددنا إحساساً بروحانية الإسلام التي تتلاقى وطاقته العلمية وتندمج فيها أيما اندماج...والله في الإسلام ليس مالك عبيد، وإنما المحيط الأعظم الذي تخرج منه الحياة جميعها ثم تصب فيه"

ويلخص أبو شادي نزعته الثيوصوفية في ثلاث قواعد هي:

الإيمان، والعلم، والعقل. ويجعل الأولى روحية نفسية وقناعة فردية وتنتج التصوف العرفانى العملي، أما الثانية فهي قاعدة منهجية تحصل المعارف عن طريق الاستقراء والاستنباط، وتنحي ما عداه من الخرافات والأكاذيب، أما القاعدة الثالثة فتختص بتأويل المنقول والتعرف على المقاصد الشرعية، وذلك لتعبر تعبيراً صحيحاً عن حقيقة الإسلام، ويقول في ذلك:

إن أصول الإسلام التي بسطناها ونوهنا بها غير مرة لا تقنع بمجرد الانطباعات أو الاعتقادات الدينية، ومنها ما يورثه التأمل في الطبيعة والحياة الإنسانية إذا لم تكن منسجمة مع العلم المحقق، وبعبارة أخرى إن الإسلام لا يكتفي بالعلة الغائية وبالمغزى وحدهما، وإلا لما ناشد المؤمنين أن يتحروا ويبحثوا عن كل شيء وأن يطلبوا العلم ولو في آخر الدنيا. أما التجربة الداخلية الفردية التي لا يمكن تحقيقها عن طريق ذلك البرهان فهي عنده من التفاعلات النفسية الشعورية فحسب وإن سميت تصوفاً دينياً... القانون الذي جاء به الإسلام يعني في اتباعنا إياه أن القوة التي يعطينا إياها العلم تستعمل في الأغراض التي يحددها الدين، ومعنى ذلك عمل الدين والعلم معاً لسعادة الإنسان."

وذهب أبو شادي مع الصوفية إلى أن غاية الشرائع هي طاعة الله التي ينبغي على جميع المخلوقات الإخلاص لها والعمل بمقتضاها، وهي السعادة البشرية في الدنيا والآخرة أيضا وعليه لا خصومة بين العلم والتصوف والفلسفة إذا ما نظرنا إليها جميعاً باعتبارها محاولات إنسانية  لتفهم الوحي والحكمة الربانية وتطبيق ما جاء به من تعاليم وهو يوافق في ذلك عبد القادر الجزائري ومحمد إقبال وسعيد النورسي وغيرهم من المتصوفة المحدثين – أصحاب التصوف العملي - والذين تأثروا بالثيوصوفية الهندية غير أنهم حافظوا على الثوابت العقدية من جهة والهوية الإسلامية من جهة أخرى بينما صرح أبو شادي بأنه يريد أن يتجاوز هذا وذاك مندفعا صوب العالمية بالمفهوم الماسوني فيقول :

إن الإسلام نادى دائماً بإخضاع العالم المادي والعالم الروحي معاً لمثالية إلهية عظمى استوعبها القرآن بتعاليمه النيرة ولم يعرف التفريق بينهما، وهدفه سعادة البشرية في ظل التقدم الصحيح تحقيقاً لآية الله في جمال الكون المطرد ولجعل الإنسان بحق خليفته في الأرض"

وينتقل أبو شادي إلى الرؤى الذاتية في فهم المقدس موضحا أن هناك فارق بين إيمان العوام القائم على التسليم بالموروث وإيمان المبدعين الذي يستلهم معارفه من الحقائق العلوية التي يراها بعين الإبداع ويعيها ببصيرته الخاصة وعليه لا ينبغي على المجتمع تكفيره أو مجه أو النفور منه وذلك لأن شطحاته جاءت وليدة اتصال ووصال وعشق وعرفان لم يصل إليه خصومه من الأغيار فأحاديث الروح تختلف بطبيعة الحال عن غيرها ، ويضرب مثل لذلك بالبنية الشعرية فيقسمها إلى ثلاثة دروب:

أولها: يعتمد على الوجدان والشعور، ويستلهم أفكاره من البيئة الثقافية المحيطة بكل ما فيها وانعكاساتها على نفسه ومشاعره وأحاسيسه ويطلق على هذا الدرب (الشعر الصافي)، وخير من يمثله في رأيه من الشعراء القدماء أبو نواس وابن خفاجة.

أما الدرب الثاني: فهو الشعر الفلسفي وهو يعبر عن صوت المعقول فحسب، غير عابئ بالدين أو العادات أو التقاليد إلا ما اتفق منها مع رؤيته العقلية الناقدة المتمردة، ويطلق عليه (الشعر العلمي المنطقي) ويرى أن الزهاوي خير من يمثل هذا الدرب.

أما الدرب الثالث والأخير: فهو الجامع بين الحكمة الفلسفية والمشاعر الصادقة حيث الامتزاج التام بين العقل والوجدان ويطلق على هذا الدرب (شعر العاطفة الفلسفية) وخير من يمثله أبو العلاء المعري والمتنبي.

ويقول معبراً عن نزعته الثيوصوفية: "لا يكفيني أن يكون الشاعر مصوراً، ولا يرضيني أن يكون محاكياً، وإنما يعنيني أن يكون أيضاً خالقاً لمثل أعلى، وهذا ما ينقله تواً إلى دائرة الفيلسوف، على أني – مع اعترافي بذلك - أكرر أن الشاعر الفلسفي النزعة الذي لا تخاصم عواطفه عقله، والذي يرضى عقله أن يعهد إلى العواطف في أن تعبر عنه بلغتها، هو أسمى الشعراء على الإطلاق."

ويربط شاعرنا بين مفهوم ديمقراطية الإسلام ووحدة الوجود والإخوة الإنسانية بقوله: "لو لم يكن للإسلام سوى ديمقراطيته العظيمة التي كان الرسول (ص) مثلها الحي لكفاه ذلك فخراً، فإن هذه الديمقراطية تتخذ من ناحية الفلسفة اللاهوتية صورة الإيمان بوحدة الوجود، وتتخذ من الناحية الاجتماعية صورة الحرية والإخاء والمساواة بأكمل معانيها"

وعلى نفس المنحى يكشف عن الصلة التي تجمع بين الفلسفة والشعر والتصوف ويقول: "إذا آمنا بأن العالم بأسره أنشودة حية متألفة من الأجرام المتحركة في نظامها الموسيقي البديع، فليس من الصعب علينا أن نؤمن بأن الشعر هو المعبر بلغتنا عن هذه الأنشودة العلوية والموسيقى السحرية. فمهمة الشعر هي الترجمة عن روح الوجود في أسلوب فني جذاب يشعرنا بعظمة هذا الوجود وجماله. وليس معنى ذلك أن يحصر الشاعر عنايته في الكليات ويترك الجزئيات، فكل ما في الكون مادة للشاعر مادامت لديه الشاعرية المتفاعلة مع ما يراه، وإن لم أرد بهذا أن كل شاعر لديه هذا الاستعداد. ولكن يكفي الشاعر أن يكون متأثراً مخلصا فيما ينظمه فالإخلاص من أهم عناصر الشعر بل الأدب عامة...ولن يقول مثل هذا الشعر إلا الشاعر المتعمق الذي لا يقنع بالمظاهر وحدها، بل يتغلغل بروح متصوفة إلى ما خلفها ولو وصف أحقر الأشياء... ولا مشاحة في أن للشعر ضروباً شتى وأشهرها الشعر الغنائي بفروعه المختلفة، ولكنه في الواقع موسيقى كلامية قبل أن يكون تصوفاً وتعبيراً وجدانياً منظوماً... وصفوة القول أن ماهية الشعر التعبير عن الحياة وتفسير الوجود تفسيراً تصوفياً في لغة موسيقية أو شبيهة بالموسيقية"

وهو يختلف عن جان بول سارتر في تعريفه للأدب إذ يجعله مرآة صادقة لا للتعبير عن الأنا وهمومها والذات وطموحاتها فحسب بل عن المجتمع الذي يعيش فيه والكون الذي يمثل أحد موجوداته فيقول: "أما عن الأدب فماهيته التعبير عن شخصياتنا وعن الحياة والمجتمع كذلك تعبير الأصالة لا التقليد، وبذلك يشترك الأديب مع بقية الفنانين في تفسير الوجود وتقديس الحق والجمال."

وللحديث بقية

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز