عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عيب وحرام!​

عيب وحرام!​

بقلم : أمل حجازي

تضيع الكثير من المفاهيم والسلوكيات بين ثقافة العيب والحرام؛ فما تراه أنت عيبا قد يمر على البعض مرور الكرام، ونفس هذا العيب قد يراه البعض الآخر من المجتمع عيبا اجتماعيا فادحا قد يعلو فوق مفهوم المحرم شرعا ويتجاوزه قليلا!! ترتبط ثقافة العيب بالتربية والنشأة الأسرية، فما غرس في الطفولة على أنه عيبا ستكبر وتخجل إن شاهدت غيرك يفعله، وبالطبع لن تجرؤ أنت على الاقتراب منه. أما ثقافة الحرام فترجع للتربية الدينية للفرد، ولأن لكل أسرة طريقة في تطبيق أمور الدين؛ فتتنوع ثقافة الناس الدينية بين الاعتدال والتشدد والتطرف. ولذلك ليس كل عيب حرام ولكن كل حرام هو عيب ولا يحب القيام به.



تكمن المشكلة في تربية الأطفال، فما يقوم به الوالدين قد يربك فكر طفلك فلا يعد يفرق بين العيب والحرام. في رأيي أن العيب عكس الفضيلة، والحلال بالطبع عكسه الحرام. فهل أتضحت الصورة قليلا الآن؟ هكذا يجب أن تشرح لأبنائك الفرق بينهما. لا تتركه في مهب الريح يتخبط بين عيب ليس عيبا وبين حرام ليس بحرام... وعلى سبيل المثال: ذلك الدرس " الملغي دائما من المنهج "! هل عرفتم عما أتحدث؟ يا تري ما هو الدرس الذي اقصده؟ الدرس الذي يخجل المدرس من شرحه أمام تلاميذه. الدرس الذي بمجرد ما نسمع عن وجوده في الكتاب، نفتح ونقلب بين صفاحاته بحثا عنه. ثم تبدأ الهمسات واللمزات والضحكات الخجولة بين الأصدقاء. كل ذلك لمعرفة ذلك العالم الأسطوري المثير المسمى " بالجنس" أو حسب عنوان درس العلوم " التكاثر". هل من المعقول أن الذي خلقه الله لضمان بقاء البشرية واستمرارها يصبح عيبا وحراما؟ لماذا نطلق على العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة عيبا، طالما هي بالطبع داخل إطارها الشرعي الوحيد؛ الزواج؟

ربما لا يكون هذا الجيل بحاجة لمعلم ولا حتى درس ليعرف عن هذا الدرس الممنوع. فهذا الجيل مزود بكل وسائل الرفاهية والتكنولوجيا التي تنقله من ظلمات الجهل إلى النور والمعرفة، فقط لو ضغط على الزر المضبوط. ففي عالم الأنترنت يوجد أمامك كل الأزرار؛ زر يبعث لك برسالة مفيدة وآخر يضع لك السم في العسل، فحذاري منه؛ فهذا السم قد لا يقتلك ولكنه يحولك إلى مدمن.

وفي خلال بحثي في هذا الموضوع، تمنيت أن يكون هذا هو الدرس الوحيد المحذوف من المنهج؛ مع عدم اقتناعي بهروب المدرسين من شرحه تطبيقا لنظرية " العيب " التي تسيطر على المجتمع، أو ربما لأن المدرسين يعلمون ان التلاميذ حتما يعرفون كل شيء، ولكن ما خفي كان أعظم!

فالأخلاق خارج المنهج، رغم أن التربية تأتي قبل التعليم. والدين خارج المنهج، رغم أننا شعب "متدين بطبعه". والأدب خارج المنهج، رغم أن الأدب فضلوه عن العلم...فلو لم يكن كل ذلك داخل صميم المنهج، فماذا إذن؟

نحن نعيش في مجتمع يخجل من إظهار الحب ولا يجد مانعا في إظهار الكراهية! مجتمع يخجل من تدريس درس العلوم " إياه " ولا يخجل من تصفح الأنترنت بحثا عن أفلام البورنو! أعتقد أننا نريد إعادة أولويات الصح والخطأ، والعيب والحرام في هذا المجتمع.

ترتيب الأولويات شيء حتمي وضروري لمعرفة الصح والخطأ. فلا يمكن أن أمنع أبني عن السباب ويسمعني ليل نهار وأنا أتفنن في اختيار أبشع ألفاظ السباب! لا يمكن أن أفرض الحجاب على الطفلة الصغيرة مجرد أن تصل لسن البلوغ دون أن أجهزها أولا كيف تكون بحجابها وأخلاقها ودينها هذا قدوة للجميع. لا تتحدث مع أبنك عن أضرار التدخين المميتة وسيجارتك لا تفارقك!

حكت لي صديقتي مرة أن زوجها لا ينسي أبدا أن يأتيها في عيد الحب وعيد زواجهما بباقات الزهور المفضلة لديها...ولما قلت لها وما المشكلة في ذلك، أنك لمحظوظة إذن! قالت لي: " أنه يأتي كل مرة بباقة الزهور الكبيرة ويصعد إلى المنزل، ويقول لي بعد التهنئة طبعا: " الحمد لله، لم يراني أحد من سكان العمارة وأنا أمسك كل تلك الزهور"!! وتسألني: " هل إهداء الزهور للزوجة أو الحبيبة شيئا نخشى أن يشاهدنا أحدا ونحن نقوم بإرتكابه وكأننا نرتكب خطأ يجب أن نخجل منه؟

عندما أسافر إلى الخارج أحب كثيرا مشاهدة كبار السن وهم يستمتعون بكل تفاصيل هذه المرحلة المبهجة من حياتهم. فلا يكترثون للزمن الذي أعاد رسم ملامحهما بخطوط عميقة؛ كل خط منها يحكى قصة جميلة. لا أحب أن أسميها تجاعيد؛ فتلك فقط خطوط بقاء الحياة على الوجوه. فأحرصوا من فضلكم أن تكون هذه الخطوط سعيدة!  

عندما لا تعرف جارتي التي تسكن فوقي في العمارة شيئا عن حقوق الجيرة. فتسمح لنفسها أن تفعل كل ما يزعجني ويضايقني بكل فخر. وعندما تراها قد تصاب بالصدمة كما اصبت أنا بها! فهي المرأة الملتزمة المحتشمة الملبس، ذات العباءة والملابس الفضفاضة والحجاب الواسع الصحيح " جزاها الله كل خير" ولكنها لا تجد عيبا ولا حراما في إزعاج الجار ولا إيذاءه بشتى الطرق!! أوليس الدين معاملة؟؟ هل المظهر أهم عندها من الجوهر؟ ألم أقل لكم أننا بحاجة لإعادة ترتيب الأولويات؟

تتعدد الأمثلة، وتختلف المواقف، ويخطأ الناس بين العيب والحرام، بين الصح والخطأ، ولكن سيظل ما علمني إياه أبي وأمي هو الصحيح دائما. فهل تسمحون لي أن أعلمه لأولادي، لعلني أشارك في إنشاء جيل يعرف الفرق جيدا؟

أسمحوا لي أن أعلمهم أنه ليس عيبا أبدا أن نتعلم درس العلوم في المدرسة في الوقت والسن المناسبة، فلا حياء في العلم ولا حياء في الدين. ولكن " الحرام" هو أن تشاهد وتتصفح المواقع المشبوهة بحثا عن معلومات غير علمية!

اسمحوا لي أن أعلمهم أن الإسلام دين الأخلاق الحميدة؛ كما يقول رسولنا الكريم:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". فهل تلتزمون بسنته في العبادة وتنسون أخلاقه الكريمة-صلى الله عليه وسلم؟

اسمحوا لي أن أعلمهم أن الحب ليس عيبا، وإظهاره ليس حراما، طالما في صورته السليمة التي يقبلها الدين والمجتمع.

اسمحوا لي أن أعلمهم أنه ليس كل ما يدور حولهم في الدنيا صحيح، فقط لأن كثير من الناس يقومون به؛ ففي بعض الأحيان تضطر بأن تسلك طريقا آخرا حتى لو كنت وحيدا، طالما هو طريقك للنجاة.

اسمحوا لي أن أعلمهم أن " العيب" هو كل سلوك خاطئ وغير مرغوب فيه. فلما تتأخر على موعدك...عيب. ولما تسمح لنفسك إزعاج الآخرين...عيب.  ولما 

تتعدى على حرية الآخرين ...عيب. عندما تتضيع وقت العمل ...عيب. عندما لا تتقن عملك...عيب وحرام أيضا. وتطول قائمة " العيب " ولكن مساحة مقالي لا تتسع!

الفرق بين العيب والحرام واضح وضوح الشمس، ولكننا نحب أن نجمع بين الكلمتين لتأكيد الخطأ الذي يحدث. العيب دائما يمكن إصلاحه، فهذا أمر بينك وبين الناس. أما الحرام فأمرك بين يدي الله...فأنتبه!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز