عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الله.. في المستشفيات

الله.. في المستشفيات

بقلم : د. أحمد الديب

تَمُر علينا الحكمة تلو الحكمة ، وفي معظم الأحيان تمر علينا مرور الكرام ، فلا تستقطع من وقتك ولو دقائق لتعيد قراءتها ، وتفكر في مغزاها ، وتتأملها . هكذا يمر علينا حديثاً قدسياً بليغ في صياغته ، حكيم في مآلاته ، عميق في مغزاه ، جلي في دلالاته ، يمر علينا فلا يتعدي فهمنا له ذلك الفهم السطحي الذي لا يتجاوز الألفاظ دون الغوص في الدلالات . قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي. 

تأملت دلالات الألفاظ ذات المعاني العميقة ، يتناول الحديث ثلاثة من أعمال الخير ، زيارة المريض ، وإطعام الجائع ، وسقاية الظمآن . في العملين الأخيرين ، يقول الله عز وجل " لوجدت ذلك عندي" . وفي العمل الأول "عيادة المريض " ، يقول المولي عز وجل "لوجدتني عنده" . أي أن الله عز وجل مع المريض في مرضه ، وليس أعظم ولا أجمل ولا أروع من معية الله . ها هي القربات والصلوات وأعمال الخير تُبذل في سبيل معية الله ، بينما يتجلي الله سبحانه علي المرضي ليؤنسهم ويخفف عنهم لدرجة أنك لو زرت ذلك المريض لوجدت الله عنده.



لا أحد في مناعة من المرض ، حياتنا تدور وتتقلب بين مرض وصحة . من الذي يصيبه المرض وأول ما يخطر بباله أن الله يتجلي عليه في مرضه ، فيكون في معية الله طوال رحلة مرضه ، فتشغله المعية عن آلام المرض وأعباء الداء والدواء . يا له من إحساس عجيب وفريد ، أن الله الذي يسجد له من في السموات والأرض طلباً لرضاه ومعيته وتلهج الألسن بذكره وتوجل القلوب باستحضاره يقترب ويقترب من ذي الداء لدرجة أنه يكون عنده . ماذا لو استحضر كل منا ، وكلنا ننتقل من المرض إلي الصحة ومن الصحة إلي المرض ، معية الله التي لا تضاهيها معية في حال المرض . فتستحيل الآلام أحاسيس قرب ، وتستحيل الآهات سيمفونيات حمد وشكر ، ويستحيل الجزع صبراً ، ويستحيل البؤس سعادة وأي سعادة بمعية الله.

في الصعيد ، دأب القوم علي زيارة المريض بلا هدايا ، وإنما مبلغ من المال يُعطي للمريض بغض النظر عن كونه غنياً أو فقيراً ، ذا حاجه أو ذا كفاية. وكأن الزائر لا يكتفي بالزيارة التي تستلزم معية الله ، لكنه يريد أن يستزيد بالصدقة والتي تقع في يد الله . وهكذا كانت الطقوس الشعبية القديمة والتي لم تعد كسابق عهدها للأسف ، مثالاً للتكافل الاجتماعي في أبهي صوره . ما أحوجنا لهذه المفاهيم وهذه الطقوس الحميدة هذه الأيام مع ارتفاع أسعار الدواء ، وزيادة أعداد المرضي ، وتوغل القطاع الخاص الذي لا يرقب في مريض إلاً ولا ذمة . 

ومن وحي الحديث القدسي الشريف ، ماذا لو أدرك الأطباء وطاقم التمريض وهم أقرب من يتعامل مع المرضي في المستشفيات أنهم في معية المريض الذي هو في معية الله . ألا يمكن أن يكون هذا الإدراك سلواناً لما يعانيه الطاقم الطبي من إجحاف مجتمعي ، وهجمات إعلامية ، ومرتبات متدنية ، وبدل عدوي تمتنع وزارة الصحة عن تنفيذه برغم الحكم القضائي المبين . لا أعني بذلك علي الإطلاق أننا لا بد أن نتوقف عن المطالبة بالحقوق لأن الطبيب والممرضة في معية الله . أتحدث عن بعد آخر من القضية ، يمكن أن تعيد المهن الطبية إلي ما يجب أن تكون عليه من سمو ، وما يجب أن تكون عليه الممرضة تحت مسمي "ملاك الرحمة" ، وما يجب أن يكون عليه الطبيب من حكمة وتجرد وقرب من الله  ربما تكون وهي كذلك بالفعل أسمي وأثمن من بضع جنيهات تزيد علي الرواتب.

هذه ليست دعوة علي الإطلاق لأن ننسي أو نتناسي الكفاح من أجل أن ترتقي المهن الطبية إلي ما تستحقه من تقدير وعناية واهتمام من قبل الدولة والمجتمع . فقط محاولة لنري الموضوع من منظور آخر بسيناريو مختلف . ذلك السيناريو الذي يبدأ بأن يخرج الطبيب من بيته متوجهاً إلي المستشفي التي يعمل فيها بذات الحماس والشغف الذي يكون عليه متوجهاً إلي عيادته الخاصة . وإن كان حماسه وشغفه وسعادته الغامرة التي تمتلك عليه نفسه عندما يُبلغه مساعده أن العيادة تمتليء بالمرضي ولا موضع لقدم ، دافعها مادي منطقي لمواجهة أعباء الحياه التي لا تنتهي وفي ازدياد دائم . فليجعل الطبيب توجهه الي المستشفي التي يعمل بها بذات الحماسة أو تزيد ، ليس لأن راتبه يوازي أو يكافيء المجهود الذي يبذل والعناء الذي يواجه في كل يوم ، وإنما لسبب مختلف تماماً وهو أن الله في المستشفيات !
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز