عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
انهيار أخلاقي .. أم مؤامرة تخريب

انهيار أخلاقي .. أم مؤامرة تخريب

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

لا خلاف أن هناك انهيارا خطيرا في مستويات الأخلاق والقيم والتي انفجرت في سنوات الثورة (الفوضى) المصرية ، والتي لم تكن فقط طفرة مفاجئة في تاريخ مصر والمنطقة العربية أو الشرق الأوسط ، بل هو امتداد منطقي لانهيار القيم والأخلاقيات في العالم كله بشرقه وغربه ، والذي تداعت فيه معالم وملامح القيم والأصول النفسية للشباب بمعدلات انفجارية غير مسبوقة في تاريخ البشرية ، وهو ما كان حجر عثرة خطير في مسيرة التقدم العلمي والتطور البشري خاصة في السنوات الأخيرة رغم معدلات الاكتشافات العلمية المتسارعة والغير مسبوقة ولكنها مهددة بالدمار الشامل في أية لحظة خلال السنوات القادمة ، فالحضارات التي تفقد قيمها وأخلاقياتها ورقيها النفسي تخرب وتأكل وتقوض أساسياتها من داخلها فتتهاوى سريعا وبلا مقدمات .



ولا شك أن هناك أيادي مشبوهة تتعمد تنفيذ التخريب المنهجي تحت شعار براق خلاب وخاطف وتهواه كل نفوس البشر اسمه الحرية ، والتي تجر خلفها شعارات خادعة مدمرة مثل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، وهي شعارات ترفعها منظمات عالمية تدير دولا عظمى في إطار مخطط حكومة العالم الواحدة والعولمة ، والتي على سبيل المثال تنفذ مخططها الناعم كأحد أساليب الجيل السابع (وليس الرابع) في مصر فقط من خلال (42 ألف) جمعية ومنظمة للعمل المدني سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو إعلامية أو حتى دينية مثل السلفيين والإخوان ، وبلغ حجم التمويل المنفق عليها أرقاما خيالية تفوق ميزانيات كثير من الدول ، وهو ما يفسر أسباب تزايد معدلات الانهيار الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مصر والتي نعاني منها حاليا وتعوق كل جهود التقدم المنشودة .

ولا نستطيع وصم الشعارات البراقة التي أصبحت حقا مكتسبا يؤمن به الغالبية العظمى من الشعب المصري خاصة الشباب الذي يمثل أكثر من (65%) من الشعب المصري ، ولكننا لا نستطيع الاستسلام لتداعيات هذه الشعارات خاصة وأن أسس الأخلاق والقيم تنهار بمعدلات خطيرة تهدد استقرار المجتمع كاملا ، والتي جعلت مصر أحد الدول التي تسجل أعلى معدلات الطلاق في العالم ، حيث تعدت نسب الطلاق السنوية الـ (50%) خاصة بين حديثي الزواج ، وقد كشفت إحصائية صادرة عن وزارة العدل ومحاكم الأسرة ، عن أن حجم الدعاوى المتداولة على مستوى الجمهورية الناتجة عن حالات الطلاق إلى نحو 3 ملايين حالة ، وتقول الإحصائيات أن عام 2014م قد سجل (89 ألف) حالة طلاق منهم (6 آلاف حالة عرفية) ، والتي قفزت في عام 2015م إلى (250 ألف) حالة طلاق ، ثم انفجرت في عام 2016م إلى (مليون و789 ألف) دعوى طلاق ، مما رفع معدلات الطلاق إلى (240) حالة يوميا ، وهو معدل مرعب بكل المقاييس ويكفي أنه يعني أن هناك على الأقل مائة طفل يوميا يبدأ رحلة التشرد أو الفشل التربوي والأسري .

كما كشفت الإحصائية، أن أسباب الطلاق والخلع تنوعت ما بين الخيانة الزوجية وسوء استخدام الوسائل التكنولوجية والخلافات السياسية وعدم الإنفاق ، والإساءة الجسدية والخيانة الزوجية والحموات وعدم الإنجاب وغيرها من الأسباب ، حيث تضمنت نسب طلبات الطلاق والخلع من تلك الدعاوى على 45%، منها دعاوى النشوز والطلب فى بيت الطاعة بنسبة 38%، و10% لإسقاط حق الرؤية، وإسقاط الحضانة 18% ، وأوضحت أن معظم حالات الزواج للمطلقات لم تتجاوز العامين بنسبة وصلت لـ20%، في حين لم تتجاوز حالات أخرى العام بنسبة 16%، وتخطت حالات أخرى عدد سنوات زواجهم 5 سنوات بنسبة 30٪، بينما وصلت حالات أخرى سنوات زواجهم لفترة تراوحت بين 7-10 سنوات بنسبة قدرت بـ44٪، ونسب الدعاوى وإثبات النسب 32 ألفا.

ومن الإحصاءات الخطيرة هو تصاعد ظاهرة الطلاق للإلحاد وتغيير الديانة والتشيع قد سجلت (7500 حالة) وهو ما يعني أن هناك زلزالا عقائديا يضرب الأسر المصرية في مقتل ، والأخطر منه عدد حالات الطلاق للزنا والمرفوع بها دعاوى أمام محاكم الأسرة، بلغت (79 ألف) دعوى ، والكارثة في تفاقم ظاهرة زنا المحارم التي وصلت إلى (7 آلاف) دعوى زنا محارم ، وارتفعت عدد دعاوى الزنا بسبب آثار التكنولوجيا الحديثة المدمرة لكل من الزوج والزوجة ، واكتشاف كلا من الزوج والزوجة أدلة مصورة وأحاديث هاتفية عبر مواقع التواصل المختلفة لتصل إلى 7 آلاف دعوى  ،  وكشفت الإحصائيات أن القاهرة هي صاحبة أعلى نسبة بالجمهورية للطلاق والخلع بـمحاكم الأسرة ، وتليها محافظات الجيزة والإسكندرية والمنيا والفيوم وكفر الشيخ وأسيوط وقنا ، مشيرة إلى أن عدد دعاوى الأحوال الشخصية التي تم التصالح فيها بـمحاكم الأسرة بالجمهورية بلغت 50 ألف دعوى بنسبة لا تتعدى (0,03 %) .

ولن نعدد مظاهر الانحلال الأخلاقي المتفشية والتي فككت البيوت ونشرت الزنا والمخدرات والجرائم الاجتماعية ، ولكن يكفي أن نرى تفشي ظاهرة سقوط الحياء بين البنات والسيدات ، لدرجة تسابقهن في إبراز المفاتن في الطرقات وأماكن العمل وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ، وانفجار ظاهرة استمتاع كل أنثى بإطراء وإعجاب الرجال والشباب بجمال أجسادهن ورقتهن وروعة أحاسيسهن ، وهو ما ينقل مهام الزوج لكل وأي رجل ترتضيه الأنثى وتعجب به فانتشرت في مجتمعاتنا كل صور العلاقات المحرمة والمجرمة تحت شعارات ومسميات الحرية الشخصية والمشاعر والأحاسيس المفقودة في البيوت ، بل وتساهم وسائل الإعلام في نشر التدني الأخلاقي بانحلال المذيعات وفساد نوعيات المقدم من برامج ومسلسلات وأفلام تجذب تعاطف المشاهد مع صور المنحرفات والمنحرفين كمرحلة نفسية أولى يعقبها القبول النفسي والتقليد لما أصبح عادة في بيوتهم بالمشاهدة ليصبح حقيقة واقعة تستقبل منها المحاكم وأقسام الشرطة نسبة قد لا تتجاوز (20%) وتدفن البقية تحت ستائر العيب وغيوم الخوف من الفضيحة ووجوب الستر الذي بدأ يفقد معناه ، فضلا عن تفشي الرشوة والسير في الممنوع والاحتكار وغيرها الكثير كتأثيرات جانبية لسقوط التربية في البيوت وتحولها لموتيلات للنوم والطعام والاستمتاع بالأهواء والشهوات لو أمكن ، وهو ما يعني أننا أمام كارثة تتفاقم يوما بعد يوم بين طبقات المجتمع، وفي غياب كامل لدور الدولة الغارقة في توفير الأمان والطعام ومستقبل لأبناء شعبها الجاري تدميره نفسيا واجتماعيا .

ولا ننسى أن تجار الدين (صناعة الماسونية) قد ساهموا بالنصيب الأكبر في تفاقم الفساد الأخلاقي والفكري في مصر ، فالإضافة لعقائد التكفير والقتل لمن يخالفهم باسم الدين واستباحة الأموال والدماء ، هم أيضا قد أضافوا استباحة الأعراض بالزنا في فكر جهاد النكاح ، بل وكانوا سببا مباشرا لزنا المحارم باسم الجهاد ، وانتشار أفكار زواج الطفلة (لو تطيق النكاح) ، واستحلال الزنا تبعا للأهواء تحت مسميات المسيار والمتعة والجهاد حتى ولو كانت من المحارم ، حتى وصل الحال أنهم أصبحوا القوة الدافعة لإلحاد كثير من الشباب هروبا من جحيم وحقارة أفكار الدين الذي يدعونه ، وهو مخطط مستهدف من الماسونية العالمية منذ صناعة الوهابيين والأخوية للمسلمين والمسماة بالخطأ (إخوان المسلمين) وتوابعهم من السلفيين والشيعة بفرقها المختلفة ، وهو ما تعترف بها اليوم تسريبات المخابرات الأمريكية والغربية استهزاءا وسخرية من كل المغيبين ، لتتضافر الأسباب والمؤامرات الخارجية مع الداخلية في فوضى الأخلاق من أجل هدم وتدمير الأمم من داخلها بواسطة تدمير أخلاقياتها وقيمها .

وأمام هذا الانهيار الأخلاقي والمجتمعي الذي ونعرفه ونرصد ملامحه وعلاماته ، ونصرخ منه في كل يوم وساعة ، فإننا لا نستطيع ولا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي كمتفرجين مشجعين لما تسقط به أمة مثل مصر كانت على مر التاريخ قدوة ومثلا للترابط الأسري والرقي الأخلاقي الذي عبثت فيه مؤامرات متعمدة وساعدها فوضى التفريط من الآباء والأمهات سعيا وراء مستويات أفضل من الرفاهية في غياب كامل للدولة ومؤسساتها ، ولا ننسى أن المجتمع هو منظومة متكاملة ومتشابكة تبدأ من البيوت والأسر التي تحفر قيم وأسس الحياة في نفوس أطفالها ، فالبيوت المفككة والمنهارة الأخلاق لا تفرز إلا مجرمين ومنحرفين مهما نجحوا ماديا ، وتلك هي الكارثة أن نرى طفلا قد تربى في بيئة سيئة وقد أصبح وزيرا أو مسئولا يوما ما ، وتلك هي الحقيقة السوداء التي أصبحنا نراها يوميا في سقوط مسئولين ورجال أعمال وسياسيين كبار في الدولة في جرائم حقيرة ومخلة بالشرف والنزاهة ، وهو ليس بإنذار ولا ناقوس خطر ، بل هو علامات حقيقية صارخة لتفشي أمراض الفساد في النفوس والبيوت المصرية .

وأخيرا .. نحن جميعا نعلم أن هذا .. لا يجب أن يستمر ، كما نعلم أيضا .. أننا لا نستطيع إيقافه فورا ، لكونه نتاج أمراض اجتماعية تفشت في نفوس البشر ، وعلاجها يحتاج لإستراتيجية واعية وواعدة وشاملة لكل أساليب ووسائل وآليات ذكية وقوية وفاعلة لتستطيع تغيير دفة أخلاقيات المجتمع فعليا وليس إعلاميا لما هو أفضل ، ولذلك يجب أن ننادي الدولة ومؤسساتها أن تفيق لتضع إستراتيجية واعية لبناء النفوس وعلاج سرطاناتها المتفشية وهي مهمة القيادة السياسية المنهمكة في ماديات ومؤامرات ظاهرية وخفية لحماية حياة البشر أمنيا واقتصاديا وهو تحدي كبير وخطير ، ولكن أبدا لا يصح ولا من المقبول أن تغفل كثيرا عن تحدي أكبر أخطر يتمثل في تدمير متزايد ومتفاقم لقيم وأخلاقيات شعب وأمة ، وبالقطع تستطيع الدولة التدخل وتقويم الاتجاهات بقوة وقدرات فاعلة وفعالة ، حتى نجني ثماره على المدى البعيد في أجيال قادمة تستطيع الحفاظ على ما نرجو الله أن يوفقنا لنصنعه لهم .
 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز