عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
صمت المصريين..!

صمت المصريين..!

بقلم : د. شريف درويش اللبان

”إِذا رَأيتَ نُيُوبَ اللّيثِ بارِزَةً ... فَلا تَظُنَّنَ أَنَّ اللَيثَ يَبْتَسِمُ“



بيتُ شعرٍ عربي قديم لأبي الطيب المتنبي.. يُبرز فيه الشاعر معنى مهمًا، وهو لا تخدعنك مظاهر الأشياء، ولكن عليك دومًا أن تنظر إلى جوهرها ومكنوناتها وبواطنها. ويتواكب هذا المعنى مع التفسير الأولي لظاهرة صمت المصريين في الأونة الأخيرة، والتي لم يؤولها المصريون أنفسهم ولم يعربوا عن أسبابها بصراحة، بل قامت الحكومة بتأويلها على أنها تعكس تفهم الشعب المصري للقرارات الاقتصادية الأخيرة واستيعابه لها، وأنها تشكر الشعب على موقفه من هذه القرارات.

وفي حقيقة الأمر، فإنني على مستوى معرفتي بالمصريين -كواحدٍ منهم- أخشى صمت المصريين أكثر من كلامهم؛ فالكلام قد يكون متنفسًا عن تراث السخط والرفض تجاه بعض الظواهر والقرارات، فتجد مناقشات وسجالات مفتوحة في المجال العام في الشارع وفي المترو وعلى محطات الأتوبيس وفي أماكن العمل وفي وسائل الإعلام، ولكن أن يسكت الكلام في هذا المجال العام على اختلاف أماكنه وأدواته، فهذا هو الأمر الذي يثير القلق.

ويثير صمت المصريين عديدًا من التساؤلات ينبغي طرحها على علماء النفس والاجتماع والسياسيين والإعلاميين والمؤرخين لتحليل هذه الظاهرة؛ هل هذا الصمت هو رضا بالفعل عن الأوضاع القائمة والقرارات الاقتصادية الأخيرة من تحرير لسعر الصرف ورفع الدعم جزئيًا عن المحروقات بما يشجع السياحة والاستثمارات والتصدير ويعمل على تخفيض عجز الموازنة؟.

هل صمت المصريين هو احتجاج مكتوم على هذه القرارات الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق في ظل تآكل قيمة مدخراتهم ومرتباتهم ودخولهم بالجنيه المصري الذي وصلت قيمته إلى 26% فقط مقارنةً بانخفاضه الأخير بنسبة 60% (الدولار=16,50) في 3 نوفمبر الماضي علاوة على خفض قيمته في مارس الماضي بنسبة 14%، ليصل مجموع انخفاضات قيمة الجنيه إلى 74%  خلال أقل من ثمانية أشهر دون حساب معدل التضخم؟.

هل أصاب المصريون الإحباط نظرًا للجهود الدؤوبة التي يبذلها الرئيس في اجتماعاته شبه اليومية برئيس الحكومة ومحافظ البنك المركزي وبعض وزراء المجموعة الاقتصادية وتوجيهه بضبط الأسواق وتوفير برامج وشبكة حماية اجتماعية للفقراء، في حين أن ما يحدث على الأرض من جهود تذهب أدراج الرياح، سواء فيما يتعلق بأسطورة الرقابة وضبط الأسعار في سوقٍ منفلتة، أو اتخاذ إجراءات تتنافى مع الحماية الاجتماعية للمواطنين، ولعل من أبرز هذه الإجراءات زيادة أسعار معظم السلع التموينية التي يتم صرفها كدعم من الدولة لمواطنيها، وأن الزيادة الأخيرة في هذه السبيل (3 جنيهات للفرد) قد قابلتها زيادة في أسعار السلع التموينية بما يزيد عن ضعف هذه الزيادة؟.

هل يرجع هذا الصمت إلى أن ما يراه المواطنون من نقص في بعض السلع كالسكر والأرز والأدوية التي لا يستغني عنها بعضهم، لدرجة اتخاذ مبادرات ساذجة مثل أن يشرب المصريون القهوة سادة دون سكر على الإطلاق أو أن يستخدم المصريون المثائل والبدائل المتاحة لأدوية اعتادوا على توافرها في الصيدليات لأمراضهم المزمنة.. هل يرى المصريون أن ما يرونه صادمًا لدرجة أفقدتهم الكلام، وكأن على رؤوسهم الطير؟.

هل ذهاب المصريين إلى أعمالهم كل صباح دون عمل حقيقي في الفترة الأخيرة، وكأنهم عقدوا اتفاقًا أو توافقًا على عدم العمل يُعد ضربًا من ضروب الاحتجاج الصامت أو المقاومة السلبية؟ وهل يُعد هذا نوعًا من العصيان المدني غير المعلن؟.

ويُطلق البعض على هذا النوع من الاحتجاجات "الثورة الصامتة"، في حين يُطلق عليه البعض الآخر "المقاومة السلبية" أو "الاحتجاج المكتوم"، كما يذهب البعض إلى تسمية ذلك "المقاومة بالحيل".. والشعبُ المصري شعبٌ له تاريخٌ طويل، وجرابه لا يخلو من الحيل.

الأسئلة التي طرحناها تصلح كإطار عمل لخلية أزمة تدير نقاشًا علميًا جادًا نخرج منه إلى إجابات محددة عن هذه الأسئلة، وتطرح حلولاً حقيقية في التواصل مع الشعب والمواطنين والحوار معهم بشفافية ودون مواربة لسماع وجهات نظرهم المكبوتة، والتي تعتمل في صدورهم، ولا ندري عنها شيئًا.

أما ما يتوهمه البعض من أن سكوت الشعب علامة من علامات الرضا، فهذا تسطيحٌ مبالغ فيه للأمور قد يورد الدولة المصرية موارد الهلاك.

حفظ الله مصر.. وكفانا وإياكم مصارع السوء.. وأهله.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز