عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
صدق العليل ولا تصدق التحاليل

صدق العليل ولا تصدق التحاليل

بقلم : طارق العكاري

بعد أن قرر البنك المركزي التعويم، كنا نتوقع حزمه من القرارات للجهاز المصرفي لانهاء السوق السوداء تماماً، ولا أقصد بالسوق السوداء هنا شركات الصرافة التي مازالت تعمل بتراخيص، أقصد من ليس لهم ترخيص مزاولة مهنة تغيير العملة.



حتى الآن فإن حصيلة البنوك من العملة المحلية تقريباً حوالي مائة وثلاثون مليار جنيه، أكثر من خمسة وثمانون بالمائة منهم من ودائع بنكية سابقة لتاريخ إعلان قيم الفوائد الجديدة تم كسرها وتحديثها، وحوالي ثلاثة مليارات دولار.

ما هو العائد على أي بنك من أن يغير سعر الفائدة على وديعة كانت بالفعل موجودة بفائدة عشرة بالمائة أو إثنى عشر إلى ستة عشر وعشرون بالمائة؟ الفائدة الوحيدة هو ضمان الاحتفاظ بالأموال فترة أكبر من الفترة السابقة ولكن هل هذا يساوي مضاعفة الفائدة تقريباً؟

السؤال الأكثر أهمية هو لماذا يترك البنك المركزي السوق لامركزي؟ أعني لماذا لا يُلزم البنك المركزي القطاع المصرفي بحتمية إظهار إيصال دال على مصادر العملة الأجنبية؟ لا أتحدث عن تعاملات الأفراد ولكن أتحدث عن تعاملات القطاع التجاري. هل سيخرج علينا البنك المركزي يوماً ويطلق مهلة وبعدها لن تقبل البنوك نقداً أجنبياً لأغراض التجارة إلا بإيصال دال على مصدره؟

طرحت هذا السؤال على أكثر من متخصص وغير متخصص وكانت الإجابات مختلفة. في حالة إعطاء مهلة للإيداع بدون الالتزام بإظهار مصادر النقد الأجنبي فسيسارع جميع من ليس لهم حق التداول بوضع رأس مالهم العامل من النقد الأجنبي في البنك وبعد إنتهاء المهلة سيكون التعامل قاصراً على شركات الصرافة العاملة بترخيص فقط، وهم حوالي ثمانية وستون شركة تقريباً بعد إغلاق ووقف بعض الشركات في الفترة السابقة. فليس بالعسير على مراقبي القطاع المصرفي أن يُحكموا السيطرة عليهم ولن يجدوا مخرجاً حينئذ إلا بإصدار إيصالات بحجم وقيمة المعاملات. علماً بأنه لا يمكن وفقاً لتعليمات البنك المركزي إستخراج مستندات الجمارك إلا في حالة دفع قيمة الشحنة من نفس البنك، أي أنه لن يقوى سوق الصرافة على تهريب الأموال لتحويلها من بلد آخر.

فرأي المتخصصون أن المركزي لا يقوى على إتخاذ هذا القرار حالياً فيجب عليه أولاً أن يضمن حصيلة نقد محلي في البنوك لمواجهة شراء النقد الأجنبي بهذا الكم الكبير المتوقع أثناء إعطاء المهلة وهو رد منطقي. ونحن في الانتظار. أما غير المتخصصين فجاء ردهم بأن في هذه الحالة ستتحد مراكز القوى المسيطرة على سوق النقد الأجنبي الغير رسمي وتتوقف جميع عمليات بيع النقد الأجنبي وبالتالي يتوقف الاستيراد فتتوالى المنتجات في النفاد حتى يحدث شللاً كاملاً في الأسواق فيتراجع البنك المركزي عن القرار وذلك لاستحالة كشف مصادر تمويل هذه المراكز القوية فعلياً. فهل نقبل برأي المتخصصون وننتظر أم نأخذ بالمثل الشعبي (صدق العليل ولا تصدق التحاليل)؟

من سيفوز في هذه المعركة هو صاحب النفس الطويل. هل سنحيا يوماً ونرى البنك المركزي مركزياً قادراً على إيقاف التداول بالنقد الأجنبي داخل حدود جمهورية مصر العربية؟ فلماذا يحتاج المواطن لنقداً أجنبياً في يده؟

دعونا نتفق على تقسيم احتياج النقد الأجنبي لشريحتين:-

 الشريحة الأولى ذات الوزن النسبي الأكبر وهى لأغراض الاستيراد، وفي هذه الحالة يحتاج المستورد لتحويل النقد الأجنبي خارج مصر ولا يحتاجه كأوراق مالية للتداول.

أما الشريحة الثانية ذات الوزن النسبي الأقل فهى للأفراد للأغراض التالية:

أولاً: لدواعي السفر، وهو أمر يستدعي إيجاد مستندات دالة على السفر فيقوم البنك بتوفير مبلغ ضئيل حالياً ومن يريد أن يُنفق أكثر من هذا المبلغ فيمكنه الانفاق عن طريق كروت الائتمان أو الكروت المدفوعة مقدماً بعد إعادة فتح حدود السحب نسبياً من البنك المركزي أثناء سفره خارج الدولة، فلا حاجة للمواطن لتداول أوراق نقد أجنبي في يده.

بغض النظر عن تحفظي على صحة توقيت فتح حدود السحب فكيف لنا ونحن نعاني من نقص في مصادر النقد الأجنبي أن نعيد فتح حدود السحب على الكروت من خارج مصر لارضاء ما لا يزيد عن خمسة بالمائة من المواطنين، فمن يريد الانفاق خارج مصر للسياحة أو لشراء ماركات عالمية فعليه أن يضع نقداً أجنبياً بقيمة ما يريد صرفه بكروت ائتمان جديدة لعملاء البنوك تقوم على السحب والايداع بالعملة الأجنبية.

ثانياً: للعلاج بالخارج، وهو أمر أيضاً يستوجب مستندات دالة على مصداقية المواطن في احتياجه للنقد الأجنبي لتحويله، وفي هذه الحالة أيضاً لا يحتاج المواطن للنقد الأجنبي في متناول يده.

ثالثاً: للتعليم بالخارج، وهو مرهون كسابقيه بالمستندات. وفي هذه الحالة لا يحتاج المواطن مرة أخرى لتداول الأوراق المالية الأجنبية داخل حدود الدولة.

إن معرفة وتقدير الأوزان النسبية للطبقات الأجتماعية ومتطلباتها أمر أصبح حتمياً لصانع القرار حتى يتسنى له إتخاذ قرارات في مصلحة الوزن النسبي الأجتماعي الأكبر وإن تبعت هذه القرارات أضراراً فلا يجب أن يتضرر الأغلبية الساحقة ليقع الضرر فقط إذا لزم الأمر على الأوزان النسبية الأقل. فمحاولة إرضاء الجميع يؤدي إلى فشل الجميع.

 سوف ننتظر في ظل هذه الأجواء المصحوبة بالمفاوضات والمنازعات بين أطراف العقود التجارية والمقترنة بحالة الجمود الحالي بالأسواق من صاحب الإجابة الصحيحة فهل المتخصصون هم الفائزون أم غير المتخصصين  هم أصحاب الرؤية النافذة؟

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز