عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لمحة عن الرعاية الصحية في كوبا

لمحة عن الرعاية الصحية في كوبا

بقلم : د. أحمد الديب

توفي الزعيم الكوبي فيدل كاسترو منذ أيام قليلة عن عمر يناهز التسعين عاماً ، تاركاً خلفه تاريخاً طويلاً من النضال بما له وما عليه ، وأري أنه من المناسب أن نعيد نشر مقال يقدم لمحة عن الرعاية الصحية في كوبا



في إطار سعي الحكومات المستمر لاصلاح منظومة القطاع الصحي في بلدانها ، نجد ان هناك عدة تجارب لا بديل عن دراستها في مصر عند التخطيط لإصلاح شامل وممنهج للقطاع الصحي , تبرز من بين هذه التجارب تجارب بلدان مثل كوبا.

تقع جمهورية كوبا في منطقة الكاريبي وتبلغ مساحتها الاجمالية حوالي 110.860 كيلومتر مربع .أكبر مدنها وعاصمتها هافانا ويزيد عدد سكانها عن 11 مليون نسمة.

في أوائل التسعينات لحقت بكوبا أزمة اقتصادبة شديدة جراء انهيار الاتحاد السوفيتي والحظر الاقتصادي ، أدت الي نقص الامدادات في المرافق الصحية وتدهور التدريب الاداري في القطاع الصحي فضلا عن زيادة الطلب علي الخدمات الصحية ، وانحدرت علي اثرها مستويات الرضاء عن الرعاية الصحية من قبل المواطنين الي ادني مستوياتها مما شكل تحديا كبيرا للحكومة الكوبية لاتخاذ الاجراءات اللازمة من أجل إصلاح نظام صحي شامل ومجاني.
 
علي إثر هذه الازمة وتعاطياً معها ,تبنت كوبا سياسات اجتماعية واقتصادية أدت الي تغييرات جوهرية في العديد من مناحي الحياه ومنها التحولات المتميزة في النظام الصحي الوطني (((NHS. ففي أواسط عام 1990بدأت وزارة الصحة العامة(MINSAP) مرحلة جديدة من التحول في الرعاية الصحية هدفها تحديد الاستراتيجيات والبرامج التي من شأنها أن تؤدي الي ترسيخ وتحديث النظام الصحي باتباع طرق واساليب عمل جديدة ,منذ ذلك الحين تمكنت كوبا من ترشيد نفقات القطاع الصحي بشكل ملحوظ.

وفي إطار سعيها نحو إصلاح عام للقطاع الصحي ، حددت وزارة الصحة الكوبية أولوياتها وهي:

1-إعادة توجيه النظام الصحي نحو الرعاية الصحية الأولية.
2- تنشيط الرعاية الصحية في المستشفيات.
3- إحياء أحدث التقنيات وتحديث البرامج والمعاهد و البحوث العلمية.
4-زيادة الاهتمام بطب الطوارئ. 

وقد أُعطيت الاولوية القصوي لبرامج صحة الأم والطفل والأمراض المزمنة وبرامج صحة المسنين.

في بداية هذه الالفية نفذت كوبا العديد من البرامج الاجتماعية في إطار ما اطلقت عليه معركة الافكار (BATTLE OF IDEAS).وقد صُممت هذه البرامج والاجراءات من أجل إصلاح وتطوير القطاع الصحي تحت مظلة ما أسموه ثورة القطاع الصحي (HEALTH SECTOR REVOLUTION) ، قوامها تقديم خدمة صحية لكل المواطنين بلا استثناء بالمجان دون أن يوثر ذلك علي جودة الخدمات الصحية المقدمة.

في دراسة نشرها مركز دراسات الصحة بجامعة هافانا في العام 2013 والتي تلقي الضوء علي الاجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة أثناء تطبيقها لبرامج الاصلاح ، نلحظ أنه من أهم هذه الاجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة الكوبية إعادة تحديث وتوزيع  العيادات الخارجية بحيث تكون الخدمات الصحية متوفرة و قريبة من المواطنين (SERVICESAVAILABILITY ).

وفي ورقة بحثية أخري ترجمت من الإسبانية وأعيد طبعها بإذن من مجلة "ريفيستا كوبانا" في العام 2012، نستطيع أن نلاحظ التطور المدهش في المؤشرات الأساسية للصحة وقد نصاب بالدهشة عندما نعلم أن كوبا المصنفة كدولة من دول العالم الثالث قد وصل فيها معدل وفيات الرضع الي حوالي 4.7 لكل 1000 ولادة محققة معدل مساوي تقريبا لمثيله في كندا والولايات المتحدة واستراليا، بينما كان معدل وفيات الرضع في العام 1960 حوالي 60 لكل 1000 ولادة.
تُنفق الحكومة الكوبية ما يوازي %10.6 من ناتج الدخل القومي علي الصحة (بينما تنفق مصر حوالي 4.7% من ناتج الدخل القومي) ويعمل لديها حوالي 76 طبيب لكل 10000 نسمة ( يعمل في مصر حوالي 28 طبيب لكل 10000 نسمة في مصر).
 
علي مدي العقود الأربعة الماضية ، ثمة تغييرات جذرية طرأت علي التعليم الطبي في كوبا بحيث يتواكب مع ثورة الرعاية الصحية الكوبية التي تستلزم تخريج عدد كبير من الاطباء المدربين تدريبا متناسقا مع الرؤية الجديدة لإصلاح القطاع الصحي ، ولقد كان لهذه الطفرة في التعليم الطبي اهداف ثلاثة :

1- التركيز علي تدريب الأطباء لتلبية الاحتياجات الصحية الملحة للسكان.
2-إعداد الأطباء إعداداً علمياً وثقافياً واجتماعياً.
3-اتساق التدريب والعلوم الطبية وقواعد المعرفة مع الرؤية الجديدة لإصلاح القطاع الصحي.

في العام 1976 اتخذت كوبا الخطوة الحاسمة في التعليم الطبي حيث نقلت مسؤولية تخطيط وتنفيذ التدريب الطبي من وزارة التعليم الي وزارة الصحة(MINSAP) . فبينما تشرف وزارة التعليم علي منح الشهادات الاكاديمية تقوم وزارة الصحة بتصميم المناهج التعليمية والتدريبة والإشراف عليها طبقا لاحتياجات السكان ورؤيتها الجديدة في إصلاح القطاع الصحي.

وفي خطوة حاسمة أخري عام 1980 وسعت كوبا دائرة التدريب الطبي بحيث يستطيع الطالب استكمال تدريبه الطبي في منطقته السكنية التي من المفترض أن تكون مكان عمله النهائي فيتعرف علي مشكلات منطقته الصحية ,كما يمتد التدريب في المناطق السكنية لطلاب الدراسات العليا في أكثر من 54 تخصصاً .
واكب ثورة القطاع الصحي الكوبية والتركيز علي الرعاية الصحية الأولية ثورة مماثلة في التعليم الطبي كما ذكرنا آنفاً ، أحد أهم أهدافه الاستراتيجية  تخريج أطباء أسرة ورعاية صحية أولية علي مستوي عال من المعرفة والتدريب والثقافة المجتمعية , ولم يقتصر هذا الجهد علي طبيب الأسرة فقط بل اتسع ليشمل معاونية من طاقم التمريض ، وقد أسهم المورد البشري الطبي عالي التدريب والكفاءة إسهاما كبيراً في الطفرة التي تشهدها كوبا في الرعاية الصحية الأولية وطب الأسرة.

تبنت كوبا طريقة تعليم طبي تستحق المزيد من التعمق في البحث وهي طريقة (Each One Teach One) وترجمتها الحرفية "كل واحد يعلم واحد" وتم تطبيقها منذ إصلاح مناهج التعليم الطبي عام 1980 , بحيث يقوم الأطباء المقيمين بتدريب الطلبة والقابلات والمثقفين الصحيين داخل محافظاتهم وقريباً من أحياءهم السكنية دون الحاجة إلي بنية أساسية ذات تكلفة عالية للتعليم والتدريب الطبي فتكون المخرجات التعليمية عبارة عن اطباء ذوي كفاءة عالية.
 
*خبير إدارة وجودة الرعاية الصحية
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز