عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
رفقا سادتي ... عباقرة كوكب الأطهار

رفقا سادتي ... عباقرة كوكب الأطهار

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

لا يمر يوم .. بل ربما ساعة .. دون أن تسمع أو تقرأ نقدا لاذعا ومشككا ومتهما لكل ما يحدث من إجراءات أو خطوات بل ومخططات لكل مجالات الإصلاح في مصر سواء الفكري أو الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي ، خاصة الاقتصادي صاحب الاهتمام الأول والأهم بلا منازع والذي يحظى بعدد لا يقل عن (20) مليون أستاذ وعالم وفقيه دستوري وقانوني واقتصادي ومالي واستثماري ، وجميعهم لا يشق لهم غبار ، فهم قد هبطوا علينا من (كوكب الأطهار) ، بداية من عم سلامة البواب (وسائق التوكتوك أحيانا) وزوجته أم عبده الدلالة ، وانتهاء بنخبة المتخصصين القومية سواء في مواقع المسئولية أو الحالمين بها ، والجميع بلا استثناء ولأنهم مصريون فهم قادرون على إقناعك بمنطقية ومصداقية فكره وحديثه ، وبل وقادر على أن يرسم لك طريقا واضح المعالم والخطوات والحلول لكل مشاكلنا الاقتصادية دون أن يقع في الأخطاء الكارثية الواقعة بسبب ضعف أو جهل أو عمالة أو فساد بعض أو كل القائمين على الاقتصاد في مصر (كما يدعي الجميع) .



ولا شك أن هذه الأجواء قد فتحت ملايين الأبواب لتهب منها رياح الحيرة والتخبط ومنحت فرصا مثالية لنشر الإشاعات التي تغزو وتتلاعب بعقول ونفوس ملايين هذا الشعب ، وعبثا يحاول حتى المتخصصين في الاقتصاد فهم ما يحدث وحقائق الأمور والأسباب التي تحافظ على تزايد وارتفاع معدلات المعاناة النفسية والاجتماعية للمواطن (الغلبان) محدود الدخل ، والذي أصبح (لبانة) مستهلكة في أفواه كل متحدث حتى المواطن نفسه .

ومن العجيب عندما تسمع أي متحدث من (عباقرة كوكب الأطهار) سالف الذكر أن تشعر أنهم جميعا بخلاف عبقريتهم الواضحة فهم (أطهار) لا يمارسون أيا من عاداتنا السلبية المتأصلة والتي تعتبر كل منها جرائم قانونية تستوجب المحاسبة الفورية والحازمة كالرشوة والاختلاس وكسر إشارات المرور والركن في الممنوع والسير في المخالف وعشق الواسطة وسرقة الكهرباء وتشجيع الاحتكار للسلع والمنتجات وإلقاء القمامة في الطرقات ، وممارسة السادية على الغير وتعاطي المخدرات والمنشطات ، وهي للأسف ليست عادات سلبية فقط أو حتى أخطاء مجرمة فقط ، بل هي كوارث إنسانية تدمر وتقوض أي محاولات للإصلاح أو التقدم وتخرب أي مخطط أو إستراتيجية للتطور والرقي ، ولنا في المجلس الأعلى للاستثمار أقرب وأوضح الأمثلة .

ومن الأمثلة الفجة والدالة على جهل الكثيرين من النخبة الاقتصادية الرسمية والموازية ، كنتيجة مباشرة عن استقاء المعلومات من أرقام نظرية من داخل أروقة المكاتب والإحصائيات الصماء والتي لا علاقة لها بواقع الحياة ، هو أن نسبة البطالة في مصر والتي كانت في بداية عام 2014م تساوي (13.4%) قد انخفضت في يوليو 2016م إلى (12.5%) ، وهي في الحقيقة نسب نظرية بحتة لاعتمادها على التسجيل الرسمي للعاملين في الحكومة والقطاع العام والخاص فقط ، ومتناسين تماما أن الحكومة والقطاع العام لديها ما يقارب المليون من العاملين بدون تسجيل (باليومية) فضلا عن (75%) من العاملين في القطاع الخاص غير مسجلين مطلقا في الشركات التي يعملوا بها خوفا من قوانين العمل وأعباء التعيين الرسمي ، وهو ما يخفض نسب البطالة الفعلية لأكثر من (5%) على الأقل عن المعدلات الرسمية المعلنة ، وعلى نفس النهج نجد أن بياناتنا الرسمية لا علاقة لها بالواقع مطلقا من قريب أو بعيد ، حتى الخبثاء الذين يعلمون هذا لا يعلنونه إلا بثمنه ولا مستفيد من كل هذا التجهيل ، بل الجميع خاسر بلا جدال .

كما أننا لا نملك رفاهية إنكار أو تجميل صورة ما نعانيه ، فلا جدال أننا نعاني تداعيات سلبيات اقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية ودينية وسياسية خطيرة ولا حصر لها ، وقد نتجت عن فساد وتعمد إفساد لأركان وأخلاقيات شعب وحكومات متعاقبة عبر عقود أربعة مضت ، وبالتالي فالإصلاح لن يكون ولن يفلح مطلقا باستمرار صراع أو مسابقات الكراسي الموسيقية بين المسئولين لانتقاء الأصلح الذي ينفذ المخطط بأعلى قدر من الكفاءة والتميز والابتكار والإبداع ، فمهما كان فذا وعبقريا ومبدعا فهو يتعامل مع نفوس مخربة سلفا بداية من (عم سلامة البواب وزوجته أم عبده الدلالة) وحتى أرقى المناصب المسئولة في الحكومة والمؤسسات دون استثناء ، فنحن أمام حالة استثنائية حادة ، وكان على السيسي أن يواجهها بإحدى طريقتين ، الأولى بالمواجهة بقرارات وإجراءات استثنائية جادة وحادة ولا تعرف تهاون أو رحمة للمخطئ أو المتهاون مثلما فعلت كثير من الدول الغربية المتقدمة في بداياتها وكما فعلت الصين وبعض دول آسيا ، والثاني هو الطريق الأصعب والأطول بالصبر على سلبيات الشعب ومؤسساته التي هي نتاج مباشر منه وله ، ولكن مع تفعيل وإنجاز الخطوات والمشروعات العملاقة والحلول الفورية بواسطة جهة منضبطة وقادرة مثل القوات المسلحة وبعض الأجهزة السيادية الأخرى والقادرة على تجاوز أبواب الفساد المتأصل والمدعوم بخطوات الروتين المصري التاريخي المتوارث .

ولذلك اختار السيسي الطريق الأطول والأصعب بالصبر على الشعب ومؤسساته المتهالكة والمتداعية بالفساد والإفساد مع تنفيذ مشروعاته الكبرى بعيدا عن سطوة أباطرة الفساد وما أكثرهم ، خاصة أنواع المافيا المتفشية في كل مجال خاصة مافيا الاقتصاد والتجارة الداخلية والخارجية ، والذين ما عادوا يملكون مع السيسي سوى محاولات تشويه خطواته وتهميش المشروعات الكبرى بالتجاهل ثم بالتشكيك عبر وسائل الإعلام والقنوات الفضائية التي يمتلك معظمها أصحاب رءوس أموال قفزت من غياهب المجهول خلال حكم مبارك ، حتى بلغت حدود استغلال الجهل العام وتشكيك المشاهدين في جدوى محطات الضبعة النووية وتكلفتها في ظل الأزمة الاقتصادية وتناسى الإعلامي الجهبذ أن المحطات سوف تسدد قيمتها آجلا من نتاج بيع الكهرباء الناتجة منها وبعد تشغيلها بسنوات تصل إلى ربع قرن .

ولا شك أيضا أننا كشعب ورغم ما فجرته في نفوسنا وأخلاقياتنا سنوات الفوضى الخلاقة من سلبيات وأمراض وأعراض كبيرة وخطيرة ، إلا أننا ما زلنا شعبا يحمل عقله الجمعي (شفرة سرية) قوية وعالية القيمة والقدرة ، وهي التي وعت جيدا حقيقة ما يجري وضرورة الصبر والتحمل للخروج من عنق الزجاجة والتي طالت سنواتها السابقة كثيرا ، ولكن الشعب يمتلك هذه المرة حقيقة جديدة وهي السبب الوحيد الأقوى لتحمله وصبره ، وهي ثقته القوية في أنه اليوم يمتلك دولة قوية وعلى رأسها رجل شديد الأدب والحلم والإخلاص لوطنه ولا يخادع ولا يغدر ولا يخون وهي ميزة افتقدها هذا الشعب عقودا كثيرة ماضية .

وإذا كنا .. ونحن بالفعل كذلك .. شعب متدين بالفطرة ولا يحركه شيء مثلما تفعل قناعاته الدينية ، فإن هذا .. هو ما يستوجب على السيسي و(دولته) أن يولي عناية خاصة لتقويم الفكر والثقافة خاصة الدينية لهذا الشعب ، فليس المطلوب هو تصحيح الخطاب الديني ، بل المطلوب تصحيح كامل وجذري للمفاهيم الدينية التي تم تشويهها عبر قرون طويلة مضت زادت على العشرة ، بل وتخطت عمر مآذن القاهرة ، ومنذ أن كان البخاري مفروضا حفظه بدلا من القرآن ، ضمن مخطط تشويه مفاهيم الإسلام في القرون الوسطى ، وكان الرجل يجلد على أسوار القلعة ، لو أخطأ ولده في حفظ البخاري حتى توارثنا جملتنا المشهورة (هو أنا غلطان في البخاري .. ؟؟) ، وتلك هي المهمة الرئيسية والتي لو تمت لاختلفت مفاهيم الأجيال عن الدين والحياة ، وعادت العبادات والتي هي (مهمة العبودية التي خلقنا الله من أجلها) لحقيقتها المخفية عمدا وهي .. ( إعمار الأرض ) .. بالعلم والعمل المتقن ، وتعود أكبر الكبائر لحقيقتها وهي التخريب أو الإهمال في إعمار الأرض بالعلم والعمل ، ولتعود المناسك والشعائر (الصلاة والصوم والزكاة والحج) لمكانتها الطبيعية الحقيقية كفروض .. (خضوع لله) .. للحفاظ على استقامة البشر في أداء المهمة الأساسية التي خلقنا الله من أجلها واستحققنا عليها سجود الملائكة وهي .. إعمار الأرض كخليفة لله عليها .. بالعلم والعمل المتقن .

وبعيدا عن تسفيه السابقين واللاحقين وصراعات الفكر والبطولات الورقية أو الحنجورية وبعيدا عن السباب والصراخ والتقريع والاتهامات والتشكيك والتخوين والتكفير ، فلابد من تصحيح المفاهيم التي طمست حقيقتها لإسقاط هذه الشعوب عمدا ، وكان الطمس عاما وقويا ومتوغلا في النفوس لدرجة أننا لا نريد ولا نقبل حتى مجرد التفكير أو التدبر لحقيقة سقوطنا في بحور التخلف لتركنا العلم والعمل به ، حتى وصل بنا الحال أن نصبح جميعا مجرد مدعين بالباطل هبطوا من ( كوكب الأطهار) سهوا .. ليصبوا اللعنات على أسلافهم وأهليهم .. وأنفسهم في النهاية ، ولا أمل لهم في صحوة حقيقية قبل أن نصحح مفاهيم الأجيال القادمة والقادرة على إحداث الفارق والتغيير ، وهي أمانة في أعناقنا جميعا نحن سكان كوكب الأطهار الأتقياء .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز