عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الناس الرايقة إللي بتضحك علي طول !

الناس الرايقة إللي بتضحك علي طول !

بقلم : د. أحمد الديب

وقع المطرب الشعبي الذي لا يحضرني أسمه صاحب أغنية " وبحب الناس الرايقة إللي بتضحك علي طول" ، في خطأ استراتيجي عندما ترك أغنيته علي عواهنها دون أن يحدد لنا من هم هؤلاء الناس الذين يتميزون بالروقان وتواصل الضحك ، فإذا عرفناهم يتثني لنا أن نحبهم كما يحبهم ،كما يمكننا الغوص في اعماق الاعماق لننقب عن الاسباب الجذرية التي جعلتهم دائمي الضحك والروقان . ثم نطلب منهم ان نرافقهم ولو لبعض الوقت لتتحق مقولة "من جاور السعيد يسعد!.
يبدو أن مطربنا سالف الذكر بالغ مبالغة محمودة في لحظة تجلي موسيقية ونوبة تقمص فنية ، وإلا فلماذا لا نكاد نجد أحد من هؤلاء الناس في حياتنا الواقعية رغم أننا نعيش في نفس المكان ونشاركه في ذات التكوين الإجتماعي . الحقيقة أننا لا نجد إلا الناس الذين وصفهم في الشطر الثاني بقوله " أما الناس المضايقة أنا مليش في دول !"



في السينما المصريه ، أري أن شخصية مزجنجي التي جسدها محمود عبد العزيز في فيلم الكيف هي الشخصية التي يمكن أن تنطبق عليها كلمات الأغنية رغم كونها لا تتعدي كونها شخصية سينمائية من بنات أفكار المؤلف "محمود أبو زيد" .

يستطيع مزجنجي الأسطوري أن يُصدر الضحكة من الشمخ الجواني في أي وقت شاء فتستطيع في الجزء الأول من الفيلم أن تطلق عليه ما اطلقه مطربنا بقوله "الرايقة الي بتضحك علي طول"  . هل لاحظت كم كان يضيق ذرعاً بمساعده الذي لا نعرف له اسماً في الفيلم غير "ابن الكئيبة " . وكأن محمود أبو زيد آثر ان يأتي بالشخصية الكئيبة ليرمز إلي الوجه الآخر من الحياة الدائمة التقلبات . تأتي نهاية الفيلم المأساوية لتضع حداً لمسيرة مزجنجي في الروقان والضحك علي طول ، ليرسل الفيلم رسالة قوية مفادها أن حالة الروقان التي تمتع بها مزجنجي وغيره من المزجنجية ما هي إلا لحظات استثنائيه كاذبة وكأن مساعده ابن الكئيبة كان يعلم الي فيها فخدها من قصيرها واكتئب.

هل تتذكر آخر مرة جلست فيها بصحبة أسرتك أو بمفردك لمشاهدة فيلم كوميدي او مسرحية كوميدية ؟ ، أجزم انها كانت منذ زمن طويل لا تستطيع تذكره لكنك بالطبع تتذكر أنك لا يغمض لك جفن قبل متابعة الأخبار البغيضة هنا وهناك ، وتنتقل بالريموت كنترول من قناة كاذبة إلي اخري منافقة إلي ثالثة كئيبة . أنت من تفعل ذلك في نفسك لا أحد غيرك ، أنت من تستخدم السادية تجاه نفسك وتقرعها بأسواط الكآبة والملل ، فشكواك بأنك تبتسم بصعوبة وتسقط ذلك علي الكون كله الذي يتآمر علي مودك وحالتك المزاجية ليس له أساس من الصحة .

حضرتك من أعتاد علي أن تقع عيناه أول ما تقع علي صفحات الحوادث ثم صفحة الوفيات في مطالعتك الجرائد الصياحية ، لماذا اعتدت علي هذه العاده السيئه في الأصل ، عادة شراء الجرائد في الصباح الباكر، وأنت تعلم علم اليقين أنها لا تحتوي علي ما يسرك أو يشرح صدرك بما يمنحك من الطاقة ما تستطيع به أن تكمل يومك !.
 
الحقيقة لا أعلم علم اليقين ما الذي يمكن أن يكون له الأثر في مودك الصباحي ، أهي ليلتك السابقة ؟، ربما ،  ولكن كم من مرة قضيت ليلتك وأنت منشرح الصدر ، ثم استيقظت علي مزاج صباحي لا يعلم بحاله الا الله ، وفي أحسن الظروف تصحو منشرح الصدر وطاقتك الإيجابية في أعلي درجاتها ثم تستقبل أول رسالة علي الواتس أب أو علي الفيس بوك إن لم يكن اتصال صوتي فينتقل بك إلي حالة من التبويز تصاحبك في يومك إلي ما شاء الله . ماذا لو قررت أن تغلق حسابك علي الفيس بوك ولا تستخدم تويتر ولا الواتس أب وما شابه من وسائل العكننة الاليكترونية عالية التقنية.
 
أين أصدقاء الطفولة الذين تتجرد أمامهم من كل زيف ، وتتحلل معهم من كل تكلف وتضحك في صحبتهم من القلب ، أين أصدقاء دراستك ورفقاء كفاحك ، أين هم الآن وأين أنت ، أولئك الذين تصخب في حضرتهم بالبهجة وترتعد أوصالك من فرط الضحك حين تجترون معاً ذكريات الماضي وبراءة الطفولة وحكايا الحداثة ذات القلب النقي والعقل المتطلع والمزاج السوي. تفرقت الجماعات أو تكاد ، ما بين غائب تطويه الأسفار وحاضر أثقلته الهموم أوغائب حاضر واراه الثري .
 
إن كنت من المحظوظين ، سيمر عليك ذلك الأجنبي ذا الجنسية الفلبينيه ، أما إذا مر في حياتك أكثر من شخص يحمل هذه الجنسية ، في عملك أو عمارتك السكنية كشأن المقيمين بالخليج ستستوقفك السمات الاستثنائية لأفراد هذا الشعب الفقير نسبيا لتعلم أن الأمر لا علاقة له بما يسمي الدول المتقدمه أو الدول المتخلفة ، او شعوب العالم الأول أو الثالث . أول ما سيلفت نظرك هو أن افراد شعب الفلبين لا يشتركون فقط في العيون الضيقة وباقي الصفات الشكلية فحسب ، لكنهم يشتركون في معظم الصفات المتعلقة بالشخصية كأنهم مروا بخط إنتاج يحتوي علي ماكينة واحدة . لا يقابلك الفلبيني إلا والإبتسامة تملأ وجهه ، يبدأك بالسلام بمنتهي الحماس والإخلاص.. "جود مورنينج سير" ، كل الناس عند الفلبيني "سير" من فرط الادب . إذا عمل عمل بجد وإخلاص واذا نال قسطاً من الراحة أو الترفيه كان هذا القسط ، وإذا وعدك لم يخلفك ، دائم النشاط والحيوية دمث الخلق منبسط الأسارير مقبل علي الحياة ، أعتقد أن الامر له علاقة بالثقافة وربما بالجينات لا أدري إن كانت ثمة دراسات اجتماعيه تناولت هذه الظواهر والتي أجزم أنها ظواهر وليست مجرد حالات فردية متفرقة.
 
هل تتذكر متي كانت آخر مرة ضحكت فيها من القلب ، أو تظاهرت بالضحك ثم علقت "اللهم اجعله خير" وكأنك تعترف باستثنائية الحدث و في معظم الحالات التي يمن الله عليك فيها بالروقان ثم تبادر بالاتصال بصديق لك لتجده في معظم الأحيان في لحظات روقان مشابهة ، يبدو أن القبض والبسط يأتيان فيحتويان الجميع ، وهما متبادلان فلا قبض لا يدوم ولا بسط . لا سعادة تدوم ولا تعاسة ، إنها سنة الحياة ، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز