عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أطفال الشوارع
بقلم
محمد نجم

أطفال الشوارع

بقلم : محمد نجم

بعيدًا عن التوصيات الأكاديمية وتعريفات المؤسسات الدولية حول ظاهرة.. أطفال الشوارع، فالحقائق على الأرض تكشف وتؤكد أن لدينا كمَّا كبيرًا من الأطفال بلا مأوى يسرحون نهارًا فى الشوارع وبلا ضابط ولا رابط، وعندما يأتى المساء تخور قواهم  ويتجمعون متلاصقين فى الأنفاق وتحت الكبارى وفى الخرابات، وبالطبع يعلم الجميع ما يمكن أن يحدث فى تلك التجمعات بين الأولاد والفتيات خاصة عندما يشتد البرد فى فصل الشتاء.



وقد لا يقتصر الأمر عند البحث عن الدفء فى تلك «التسلية» المحرمة، ولكنه يرتبط أيضا بتعاطى المخدرات بكافة أنواعها، بل إنهم كثيرا ما يكونون «بضاعة» حاضرة وسهلة لتلك العصابات التى تخصصت مؤخرا فى خطف الأطفال والاستيلاء على «أعضائهم» كقطع غيار بشرية لمن يدفع.

نعم.. نحن أمام ظاهرة خطيرة كالسرطان ينهش فى جسد المجتمع فى صمت، ثم ماذا تتوقع من طفل محروم من كافة حقوقه الطبيعية؟. معرض للإهانة والاستغلال من الأكبر والأقوى، إلا أن يكون حاقدا على المجتمع كارها للآخرين مهيئا للتحول للإدمان والإجرام الذى قد يصل إلى الإرهاب، ومن كان يتابع المظاهرات التى شاهدتها شوارع وميادين مصر فى السنوات العجاف الماضية.. فلا شك أنه لاحظ أن هؤلاء الأطفال جرى استغلالهم سياسيًا وكانوا هم عناصر تلك المظاهرات وما تطورت إليه من اشتباكات.

وأسارع وأقول إن مصر لا تنفرد بتلك الظاهرة دون دول العالم المتقدم والمتأخر، ففى أمريكا بلد الديمقراطية والحريات هناك ظاهرة «الهومليس» أى الذين لا مأوى لهم ويعيشون على التسول وسرقة المارة فى الشوارع، وهناك أيضا المتسولون وعصابات السرقة بالإكراه فى الشوارع وفى «عز الظهر» فى أغلب بلاد العالم وخاصة دول أمريكا اللاتينية.

ولكن كل ما تقدم ليس مبررًا اجتماعيًا ولا سياسيًا أن يكون لدينا هذا العدد المتزايد من أطفال الشوارع خاصة بعدما أضيف إليهم ما يسمى «بأمهات الشوارع» وما يعنيه ذلك من «إنجاب» أطفال بدون آباء معروفين ومن ثم بدون أوراق رسمية.

نعم.. تواجد هذه الظاهرة فى دول أخرى ليس مبررًا اجتماعيًا أن نغمض أعيننا عن خطورتها، خاصة أننا مجتمع شرقى متدين بالفطرة قائم على التراحم والتكافل ورعاية اليتيم وذى الحاجة، وسوف يحاسبنا الله على تقصيرنا تجاههم.

أما الخطورة السياسية فحدث ولا حرج.. فماذا ننتظر من مجموعات محرومة لا تشعر بالانتماء؟! لديهم استعداد لكل شىء مقابل الحصول على ما يحتاجونه لكى يعيشوا.

 

وقد يقول قائل إن المشكلة معروفة وتمت دراستها وجارٍ التعامل معها.. وهذا صحيح ولا أنكره ولكن المشكلة أن الدراسات والإحصاءات الرسمية أشارت إلى أن عددهم لا يزيد على 16 ألف طفل أولاد وبنات وأن أعمارهم تتراوح من 15 إلى 18 عامًا، وأنهم يتركزون فى المحافظات الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية والجيزة ولكن الأرقام غير الرسمية تقول إن الأعداد تصل إلى الملايين وأن الموجودين فى مؤسسات الأحداث منهم لا يتعدون الآلاف، وأن الظاهرة تتنامى على الرغم من الجهود التى تبذل لمواجهتها.

وقد قيل أيضًا إن أسبابها معروفة وتتمثل فى ارتفاع معدلات الفقر والتسرب من التعليم والتفكك الأسرى وممارسة العنف ضد الأطفال من الأهل وغيرهم، ولكن المشكلة هنا أن البعض يخلط بين ظاهرة أطفال الشوارع وبين ظاهرة عمالة الأطفال، والأخيرة معروف أسبابها وأغلبها اقتصادى حيث تلجأ الأسر الفقيرة ذات الأعداد الكبيرة من الأطفال إلى تشغيلهم للمساعدة فى مصروفات الأسرة.. وفى أى عمل يجدونه.. كصبيان فى ورش إصلاح السيارات أو كعمال بناء أو متدربين فى محلات الخدمات... إلخ.

وهذه تختلف نتائجها عن ظاهرة أطفال الشوارع... نعم تشترك الظاهرتان فى حرمان أطفال ذات العمر الواحد من التعليم واللهو وممارسة الألعاب مقارنة مع غيرهم من أطفال الأسر الميسورة كما تتسبب ظاهرة عمالة الأطفال فى رفض بعض المنتجات المصرية المصدرة إلى الخارج إذا ثبت أن الأطفال شاركوا فى تصنيعها.

ولكن فى النهاية هؤلاء الأطفال الذين يعملون دون السن القانونية للعمل، لديهم أسرة ومأوى ويحصلون على غذائهم ولبسهم والعلاج المتاح عند المرض.. ولهم أوراق رسمية.. وجزء منضبط إلى حد ما من المجمتع، ولكن ظاهرة أطفال الشوارع تختلف تمامًا حيث لا مأوى ولا رعاية ولا أسرة مكتملة.. ومن ثم لا سيطرة ولا حساب.. ولا حماية..، بل إنهم «مادة خام» لكل مستغل أو مجرم.. وكل من شاهد الفيلم الشهير «جعلونى مجرمًا» بطولة المرحوم فريد شوقى سوف يفهم ما أقصد!

 

ولعل ما يخفف.. وقوع البلاء كما يقال أن الدولة مدركة خطورة تلك الظاهرة وبدأت منذ عام 2003 فى وضع استراتيجية متكاملة لمواجهتها.. وقد ازداد الاهتمام مؤخرًا حيث دشنت وزارة التضامن برنامجًا جديدًا بالاتفاق مع 25 جمعية أهلية تحت مسمى «أطفال بلا مأوى» وخصص له تمويل 164 مليون جنيه، مائة منهم من صندوق تحيا مصر، والباقى من الوزارة.

والبرنامج يعتمد على حوالى 90 موظفًا فى صورة فرق عمل، كل فريق به أخصائى اجتماعى ونفسى وأخصائى أنشطة وممرضة، ويجوبون الشوارع والأماكن التى يتواجد بها هؤلاء الأطفال ويحاورونهم فى محاولة لإقناعهم بالالتحاق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية والتى يصل عددها إلى 21 مؤسسة فى 10 محافظات كبرى بها النسبة الأكبر من تجمعاتهم، تم رفع كفاءة 6 منها عن طريق الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتكلفة بلغت 62 مليون جنيه.

وبالطبع ليس الهدف من البرنامج «حبس» هؤلاء فى مؤسسات الرعاية الاجتماعية، ولكن ليحصلوا على حقهم المشروع فى الرعاية الصحية والترقية المناسبة، والأهم تعليمهم وتدريبهم، وإجراء بحث متكامل عن ظروفهم والأسباب التى دفعت بهم إلى الشارع، تمهيدًا لإعادتهم إلى أسرهم أو دمجهم فى المجتمع بالتدريج.

ولكن مشكلة هذا البرنامج أن مدته عام واحد أوشك على الانتهاء، كما يعوذه الإمكانات والتمويل الكافى لمواجهة تلك الظاهرة وعلاجها جذريًا.

ومن هنا أتوجه إلى رجال الأعمال والأثرياء فى المجتمع وأعلم أن بعضهم يفعل خيرًا كثيرًا أن يمدوا يد العون لهذا البرنامج ليجدد سنوات عمله ويواصل تنفيذ استراتيجية الدولة فى رعاية هؤلاء الأبناء المجنى عليهم وأغلبهم لا ذنب لهم فيما وجدوا أنفسهم فيه!

فيا أهل الخير ارحموا ذوى الحاجة يرحمكم الله، واكفلوا هؤلاء الأطفال.. والحسنة بعشرة أمثالها، وقد أوصانا الله فى قرآنه الكريم باليتامى والمساكين وسبحانه لا يضيع أجر المحسنين.

حفظ الله مصر.. وأدام على أهلها جزاء التراحم والتكافل.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز