عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الفيسبوك .. شعب من كوكب تاني

الفيسبوك .. شعب من كوكب تاني

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

إذا كنت من شعب الفيسبوك فلابد وأنك شخص مختلف تماما عن الشعب المصري الكادح أو الجاد والواقعي ومن لا يمتلك رفاهية تبديد ساعات من وقته الثمين فيما فائدة منه ، ومن لا وقت لديه ليعرف أن هناك شعب مختلف يحيا على الحروف ويقتات ويتفاعل وينفعل وينفجر بها ومن أجلها وفي محرابها وبين معانيها وتحت سطوة سيطرتها العنكبوتية الغريبة ، والتي يبدو أنها بدأت تستشري بين طبقات بعينها بداية من الطبقات الغنية والتي تجد لديها الوقت الكافي لقضاء اليوم ربما كاملا على الفيسبوك أو التويتر أو من بعض فئات الطبقات المتوسطة والذين يجدون عندهم وقت الفراغ الكافي خلال اليوم لممارسة حياة افتراضية ينفسون فيها كل انفعالاتهم الإيجابية من سعادة وفرح وتفاؤل أو سلبية كالحزن والإحباط والاكتئاب والغضب ، وهؤلاء هم شعب الفيسبوك والذين يحترفون التواجد ليل نهار على الفيسبوك ، فقد أصبحوا مدمنين على ممارسة حياتهم بالحروف واللايكات والشير والتعليقات والتاجات والهاشتاجات في عالم افتراضي لا علاقة لهم بعالمهم الذي يعيشونه على أرض الواقع هروبا واقع مؤلم أو مزعج أو تفريغا لطاقاتهم السلبية على رؤوس بعضهم البعض .



ولا شك أن الفيسبوك كما أنه أحيانا وسيلة لتبادل الفكر والفهم والتهاني والتعارف فهو وسيلة مثالية أيضا لإطلاق الشائعات والأكاذيب وتعكير صفو أي شعب أو فئة أو حتى شخص ، خاصة لو كان مؤسسة أو شخصية عامة أو معروفة أو مشهورة أو حتى صاحب منصب رسمي ، فالفيسبوك يخترق الحواجز والموانع ويصل للشخص في عقر داره ومستقره ، وبالقطع هي ميزة رائعة فقط لو روعي فيها الضمير والالتزام الأخلاقي ، ولكن الكارثة الكبرى أن الفيسبوك لم يصبح بهذه السطوة والقوة إلا بعد ثورة 25 يناير التي أطلقت أسوأ ما في المصريين من سوء الأخلاق واللسان والفهم والتعامل ، والأخطر أنها أسقطت الحياء الذي أصبح تراثا نادر الوجود ، وأصبح الأدب والكلمة الطيبة حفريات من حقبة زمنية ولت منذ قرون بل وأصبح الحياء والأدب محل سخرية الغالبية العظمى من شبابنا بل وبناتنا ونساءنا الكرام ، حتى تجد سيدة محترمة وتعمل مربية فاضلة (كما تقول بياناتها) قد نشرت (بوستات) تقول فيه (عزيزي يا من أغضبتني في العام الماضي .. آسفة .. أنني ما مسحتش بيك الأرض .. وفكرني السنة الجاية .. أمسح بأهلك الأرض مضاعف يا خفيف) ، والأخت (متمردة رغم أنفها) تقول .. (سنة سودة عدت .. وسنة اسود منها ومنيلة بستين نيلة عليكم ابتدت .. أيتها خناقة يا بشر) ، والأخت (سلاحي جمالي وكبريائي) تقول أنا حرة في كلامي و(بوستاتي) ومش عايزة حد يعترض عليا ، واللي مش عاجبه يغور في داهية ، وتعاجلك (عشوائية وطالبة ساندويتش بورجر وجلابية) بقولها (اللي هيزعلني .. وحياة أمه .. هارزعه على قفاه .. واقفل أمه بالبلوك) ثم تفجعك النحنوحة بقولها .. (صباح الخير عليكم يا بشر ، أنا مصدعة ، ومخنوقة .. والتاتو الجديد طلع فاكس واتمسح ، وحلمت إني قتلت صراصير كتير بشنبات ، واللي مش هيرد الصباح .. حاعلم على قفا أمه ..واعمله بلوك بعد ما امسح بيه بلاط الفيسبوك) ، ثم تفاجئك الموظفة المحترمة بفيديو بتشتم فيه وزير التربية والتعليم وبتدعي عليه بأفظع وأسوأ الألفاظ لأن ابنها في رابعة ابتدائي (مطلع عينيها) وهيا بتذاكر له طول الليل ومش عاجبها المناهج وكفاية إن جوزها طفش من البيت من صوتها العالي ونرفزتها مع الولد ، وسيدة أخرى تقول (بافكر في مصيبة انهي بيها 2016م ، حد عنده اقتراحات ؟؟) ، وأخرى تقول (يا للي بتعملوا حفلات رأس السنة .. وتهلسوا .. وتنشرون فيها الفساد .. وتفجرون وتفعلون فيها كل الموبقات .. خلي عندكم شوية دم .. واعزموني) ، وأخرى تقول (حكمة الشتاء : لا تطبخي وإنتي سقعانة ولا تنضفي وإنتي بردانه .. قومي البسي زعبوطك ولكلوكك وارتاحي فانتي تعبانة) ، وأخرى تقول (مين ده اللي يحرق دمي؟! ده ابليس حاطط صورتي فــ اوضته وكاتب عليهـا ست الكل ) وأخيرا ملكة الحروف تقول (وفي ليلة النيويير لا تقولي خروج ولا فسح ولا تغيير ، ولا راجل يوجع قلبي .. وعشمان تحوير .. مفيش أروع من الفسيبوك مع نسكافيه في السرير) .

ولن أتحدث عن تجاوزات الرجال كثيرا ، فبعيدا عن مجموعة العواجيز وأبناء أجيال تنقرض وبعض المحترمين بمراكزهم العلمية والأدبية ، وبعض من يستغلون الفيسبوك للإعلان وترويج منتجاتهم أو أفكارهم  فهناك دوما فئات تمثلها مؤسسات وكيانات إعلامية موجودة بصفة دائمة على الفيسبوك وممولة وتعمل موجهة للتشتيت ونشر الإحباط واليأس والإلحاد والانحراف بكل صوره ، ثم أخيرا تجد الغالبية العظمى من شبابنا وبعض أنصاف الرجال وأشباههم وهم الموجودون تحت الطلب ويعملون صيادون للبوستات والتعليقات الحريمي ، وكل منهم موجود فقط ليسجل إعجابه بل عشقه لحروف كل النساء والبنات خاصة لو كانت تصب لعناتها على البلد والمسئولين ، حتى لو كانت تدعي ما هو مخالف للدين والأعراف والقانون والأخلاق ، فهناك دوما فريقا مشجع ومعجب من أشباه الرجال بالحروف الأنثوية ، خاصة لو كانت تعرض جسدها وجمالها لمن تراه يستحق أو يدفع أكثر وما أكثرهن على الفيسبوك ، وعادة ما يكون أشباه الرجال هؤلاء من فئات راسبي الإعدادية في اللغة العربية والثقافة والفهم من شبابنا ومعظمهم للأسف من خريجي الجامعات المصرية أو الخاصة ومتفرغون للشجار والسباب والصراعات الكلامية على أي شيء خاصة لو كانت (بنوتة إيزي أو  مزة كيوت) .

هذا هو الحال الغالب على الفيسبوك والذي يعتبره كثير من رواده هو المحرك والدافع والقادر على تغيير مجتمع ، حتى ولو كان التغيير للأسوأ ، خاصة لو علمنا أن 99% من الأخبار على الفيسبوك هي شائعات وتخيلات وتوقعات يصيغها ويفتريها كاتبوها على أنها الحقيقة المطلقة ، ويقع ضحيتها الكثيرون ، ولله الحمد أن شعب الفيسبوك هو شعب افتراضي وليس حقيقيا ولا يملكون تحويل خيالاتهم لحقائق بل معظمهم يكتفي بأن يكون الفيسبوك هو محل تفريغ شحنته الإيجابية أو السلبية على رؤوس بعضهم البعض ، وكأنه كما يقول بعض العقلاء (شعب من كوكب تاني) ولكن هذا هو أيضا مكمن الخطر الذي يتعرض له صغار السن من أبنائنا وبناتنا الذين يصدقون أن ما يتعرضون له على الفيسبوك هو الحقيقة ، وللأسف أن هذا يحفر في نفوسهم على أنه الحقائق المطلقة ، ولذلك يجب على كل أب وأم أو ولي أمر أن يراقب أطفاله وصغار السن بل والشباب في بيوتنا فكثير منهم يقع ضحية لما يتعاطاه من فكر وثقافة على صفحات الفيسبوك ، حتى لا نفاجيء يوما بما نندم عليه ، ولا ننسى أن تربية وتقويم نفوس وعقول أبنائنا هي أهم بكثير من تربية أجسادهم وتلبية رغباتهم ، فنحن نربي نفوسا بشرية تستحق منا الاهتمام والتضحية بأوقاتنا وراحتنا لو كنا نتمنى حقا أن نراهم أفضل منا .. كما ندعي ..

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز