عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مستشفيات الفقراء... إلي أين؟

مستشفيات الفقراء... إلي أين؟

بقلم : د. أحمد الديب

أثير في الأيام القلائل الماضية الجدل حول نية وزارة الصحة الاستثمار في مستشفيات التكامل عن طريق عرضها للبيع أو للتاجير وهو ما تنفيه  وزارة الصحة تارة و تارة أخري تؤكد أن القانون يسمح فقط بالإيجار أو حق الانتفاع بشرط أن يكون النشاط له علاقة بالخدمات الصحية. وما بين مؤيد ومعارض للفكرة تصعد إلي السطح الأسئلة الجوهرية حول مستقبل علاج الفقراء في مصر بل وإلي مستقبل منظومة الرعاية الصحية  .



وإن كنا في عهد ليس بالبعيد نحاول أن نؤكد علي أهمية جودة الرعاية الصحية المقدمة فربما يكون الحديث عن جودة الرعاية الصحية هذه الأيام محض رفاهية مع تفاقم أزمات الدواء وعدم توفر أدوية غاية في الأهمية وارتفاع أسعار أدوية أخري لتبرز أفكار رئيسة كفكرة الحق في الصحة والتي كفلتها المادة 18 من الدستور كما أكدت عليها المواثيق الدولية ، و العدالة الإجتماعية و الخصائص الأساسية لأي نظام رعاية صحية كأن تكون متاحة للجميع دون استثناء.

بدأت قصة مستشفيات التكامل والتي يزيد عددها عن ال 500 مستشفي في العام 1997 في عهد الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق والذي إرتفع في عهده نسبة الانفاق علي الرعاية الصحية الاولية حيثت بلغت نسبة الانفاق حوالي 41% من الانفاق الكلي لوزارة الصحة مما يؤكد ما تبناه من استراتيجية الاهتمام بالطب الوقائي والرعاية الصحية الأولية لتخفيف العبء علي مستويات الرعاية الصحية العلاجية كالمستوي الثاني والثالث .

تقع مستشفيات التكامل الصحى فى محافظات الدقهلية والغربية والبحيرة والشرقية والمنوفية وكفر الشيخ، وأسيوط وسوهاج والمنيا وقنا ، وتتلخص الفكرة من تدشين مستشفيات التكامل في أن تكون هذه المستشفيات حلقة الوصل بين الرعاية الصحية الأولية وخدمات الطب العلاجي أو بمعني آخر بين وحدات الرعاية الصحية الأولية والمستويات الأعلي من الرعاية كالمستشفيات المركزية . وإحقاقاً للحق ، فقد تحسنت مؤشرات الرعاية الصحية كأرقام وفيات الامهات ووفيات الاطفال في هذه الحقبة ، كما تحسن ترتيب مصر في تصنيف منظمة الصحة العالمية.

رأي وزير الصحة الأسبق الدكتور حاتم الجبلي أن مستشفيات التكامل تغرد خارج السرب فحول عدد منها إلي وحدات طب أسرة وعدد آخر إلي مستشفيات مركزية "ب" . ووفقاً للجهاز المركزى للتعبئة العامة واﻹحصاء، انخفض عدد المستشفيات فى مصر من 1446 مستشفى سنة 2008 إلى 659 سنة 2014، وأرجع الجهاز هذا الانخفاض إلى تحويل مستشفيات التكامل إلى وحدات صحية.

وتعليقا علي قرار عرض مستشفيات التكامل للبيع ، يقول الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق في مقال لجريدة الوفد نشر في الثامن والعشرين من ديسمبر عام 2016 " إن الحديث عن الاستثمار فى مستشفيات التكامل بعيد كل البعد عن قواعد الاستثمار سواء بالبيع أو التأجير أو الادارة وهو ما يسمى «استثمار الأزقة» المنهِك للأهداف القومية.. والسبب بسيط.. نحن فى أزمة سكانية وصحية خاصة فى مجالات الوقاية وتعزيز الصحة وتنظيم الأسرة.. أين؟ فى القرى والصعيد.. أنت تريد إذن أن تزيد من ضعف السياسات التى جرت عليها مصر منذ الاصلاح الصحى والتى جعلت الوقاية والرعاية الأولية والرعاية السكانية هى المكون الاساسى لصحة الشعب،ن المستثمر الذى يضع أمواله فى مستشفيات التكامل لن يضعها لخاطر عيون الفقراء حلا لمشاكلهم بل هو يضعها بهدف الربح.. وهذا مفهوم.. وأن المستثمر لن يهمه الوقاية أو الرعاية السكانية لأن هذا دور الدولة الأصيل  ولا تظهر نتائجه الا بعد عشرات السنين بينما لا يحقق للمستثمر العائد المطلوب وهو يبحث عن الربح السريع.. والتحول النهم الذى حدث للدولة جعلها تفكر بنفس عقلية البحث عن الربح السريع، إلا انها وكما يشرحه إخواننا فى الصعيد بحكمة بالغة «تخلط أبوقرش على أبوقرشين!."

وهكذا تتباين وجهات النظر ما بين وزير ووزير ووزير ، ويكمن النبوغ في أن ما يتم تدشينه بواسطة السلف بيد يمني ، ينقضه الخلف بيد يسري . يبدوهذا الاختلاف طبيعياً باختلاف التوجهات والثقافات والرؤي والمحتوي العلمي والتعليمي والتصورات الذهنية والخبرات ، ولكن الذي لا يبدو طبيعياً هو عدم وجود إستراتيجية وطنية موحدة وطويلة الأمد للرعاية الصحية تخطط لها وتتبناها جهة واحدة ثابتة رغم تغيرات الحكومات المتعاقبة ، هذه الجهة لن تكون إلا مجلس أعلي للصحة يكون بمثابة بوصلة التوجيه للخدمات الصحية في مصر والجهة التي من شأنها تبني الإستراتيجية الوطنية للرعاية الصحية, ويناط به وضع السياسات العامة للمنظومة الصحية في مصر وأهدافها والخطط الكفيلة بتحقيقها طبقا لمراحل زمنية محددة والذي تسبقه بالضرورة الإرادة السياسية الحقيقية الصادقة من أجل وضع نظام صحي متكامل وعادل و ذو مخرجات جيدة.

الحقيقة أن أزمة مستشفيات التكامل ما هي إلا عرض لمرض ، وبغض النظر عن كينونة التعامل الأصح معها ، بالتطوير أو بالبيع أو حق الإنتفاع ، فإن هذا التعامل لا يتعدي كونه مسكنات وقتية قصيرة الأمد دون المساس بأصل المرض . كما أن الأمر يتعدي مقال هنا ومقال هناك. الحقيقة الصادمة أن قرار إصلاح الرعاية الصحية لا يستطيع وزير الصحة بمفرده أن يتصدي له . ثمة عوامل متداخلة وشديدة الحساسية ترتبط بمفهوم الإصلاح العام والتنمية الشاملة . لا يمكن الإهتمام بالصحة بمعزل عن التعليم ، أو بمعزل عن مشكلات البطالة أومعدلات الإنتاج.

تبرز إلي السطح مشكلات التعليم الطبي ورواتب الأطباء ومشكلات طاقم التمريض . هذه المشكلات لا يمكن مناقشتها بمعزل عن المشكلة الأضخم في القطاع الصحي وهي مشكلة الإدارة والتنظيم والتي تبدأ بضبابية الرؤية مروراً بسوء التخطيط وصولا إلي إدارة الأنشطة العملياتية اليومية . تكمن مشكلة الإدارة ليس فقط في نقص الكوادر الإدارية المدربة المحترفة ولكنها تمتد إلي الخلل في البيئة العامة لتقديم الخدمات الصحية ما بين مريض غير راض عن الخدمة الصحية وبين التعدي علي الأطباء وغيرهم من طاقم تقديم الخدمة الصحية.

يبدو أن كل الخيارات علي درجات متفاوتة من الصعوبة ، ما بين تطوير مستشفيات أنشئت خصيصاً للفقراء لكنها لا تعمل ، وما بين طرحها للإستثمار للتخلص من عبئها وتوفير الموارد لما هو أهم  طبقا لوجهة نظر مؤيدي ذلك الطرح ، وحتي يقف متخذ القرار عند الرأي الذي يراه سديداً ، يظل الفقراء في حيص بيص . أستثني من هامش الفقراء من يستطيع أن يتحمل نفقات علاجه وذويه . أعني بالفقير من لا يجد إلا الوحدة الصحية والمستشفي المركزي ملازاً وهم كثر . وحتي نهتدي للإجابات الصحيحة ، لا تزال الأمهات الفقيرات يجبن المستشفيات والعيادات يحملن أطفالهن بعد أن دفعهن المرض وضيق ذات اليد لبيع البقرة الحلوب الوحيدة أو القرط الذهبي الوحيد و  الذي هو آخر ما تبقي من حُلي الدنيا!.

*خبيرإدارة وجودة الرعاية الصحية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز