عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
" لن تكون حسنين هيكل "

" لن تكون حسنين هيكل "

بقلم : د. محمد فاروق

لا شك يُراودني في أن هذه الحقبة هي الأسوأ على الإطلاق، الحقبة الأسوأ التي يعتلي فيها الحاكم سُدة الحكم هي هذه الفترة الحالية التي تتسم  بالحرب الحقيقية المسلحة ضد الإرهاب ، والحرب المسلحة برؤوس الصواريخ المسمومة من الأفكار الراديكالية العفنة التي تستند وتتكئ دائماً على مغلوط الدين وما جاء به الشياطين لا الأنبياء ولا الكتب السماوية ولا المرسلين ، ثم الفيلم التلفزيوني عن القهر وقصف الأقلام وعويل المظلومية المفتعل واستخدام أبيات الشعر للأدباء السابقين وترنيمات القهر من السلطة وارتداء ثوب المظلوم والغريب في بلده والمحروم من الرأي والممنوع من الكلام والحزن والابتسام ، إلى آخر تلك الصيغة القديمة التي يتم إسقاطها بهتاناً و زوراً على فترة غير ملائمة وغير مواكبة لهذه الآهات التي قيلت بصدق في زمن ماضي يستحق ! وهذا هو ما يعنيني في هذا المقال ، ما يعنيني هو الخلط بين الرأي المعارض ، وبين الإعلامي المعارض ، فالرأي المعارض على مواقع التواصل الاجتماعي أو داخل أروقة الأحزاب السياسية ، أو حتى على المقاهي الشعبية – أمر مختلف تماماً عن المهنة الإعلامية وما إذا كان الإعلامي معارضاً ، أدوات التعبير واللغة تختلف صعوداً وهبوطاً ، تختلف في استخدام المصطلحات ، تتحرر أو تلتزم مع الإبقاء على كونها معارضة .



لا أفهم على إطلاق الكلمة ما هي وظيفة إعلام الفضائيات في هذه الفترة الحالكة ؟!

لا أستوعب أن يُطل علينا إعلامي فضائي منفرداً لساعتين متصلتين في أقل تقدير كل ليلة ليقدم لنا النصح والإرشاد في شتى مناحِ الحياة " السياسية والاقتصادية والأمنية والدينية ، والأولويات المتعلقة بكل هذه الملفات " جملةً واحدة !

إعلامي ضليع في الشأن الاقتصادي ، والسياسات الاقتصادية والإدارية ، وأولويات الفترة ومقارنة النتائج وتحليل أوجه القصور والإصرار على اتخاذ الخطوات التي يراها مناسبة ، والعزوف عن المشروعات الكبيرة والتوجه فوراً إلى المشروعات التي راها مناسبة ، وإلا فالدولة فارغة ولا تملك خطة ولا يحزنون !

إعلامي ضليع في الشأن السياسي الداخلي والخارجي ، وعليه يقرر أن مجموعة الوزراء الحالية أو السابقة لا تصلح لأنها مجموعات لا تمتلك الحس السياسي لمخاطبة المجتمع ، وعليه فينبغي إقالة حكومة فلان وعلان لأنها لا تصلح لتلك الفترة !

إعلامي ضليع في النواحي الأمنية ، فتجده معترضاً على أداء الدولة الأمني ، ويظهر في كل كارثة ليطرح أفكار وآراء تُوحي بأنه كان وزيراً للداخلية في عدد من دول العالم " بالإعارة والاحتراف " !

من خلال كل هذه الساعات ، وفي خضم الحروب الخارجية والفتن الداخلية والحراك الشعبي الذي يتسم بالضبابية ، تجد هذا الإعلامي يُقرر فجأة أن الشاب الإيطالي ريجيني " قُتل بأيادي الدولة ، قُتل بأيادي جهة سيادية اعتادت على ارتكاب مثل هذه الجرائم " وكما قال نصاً في حلقته " لأول وهلة تستطيع من مجريات الأحداث لتلك الجريمة أن تخرج بنتيجة واحدة ، وهي أن الجهاز الذي كان يرتكب مثل هذه الجرائم هو الذي كان خلف هذه الجريمة "! ... ثم أثبتت الأيام أن جريمة القتل متعلقة بعلاقات الشاب الاستخباراتية ببريطانيا وأجهزة مخابرات أخرى ، ثم تم التعتيم على الملف من الجانب الإيطالي الذي أعلن براءة الجانب المصري ، ليس هذا فحسب ، بل أصر الجانب الإيطالي على جلاء الصورة واتهام الإعلام المصري بالتزوير في الحقائق والتحليلات ومحاولة تضليل الرأي العام المصري والأجنبي ! فهل حاسبتم عيسى على تلك الفتنة ؟!

هذا الإعلامي معه كل الحق بالطبع ظهوره لمدة ساعتين أو أكثر بشكل يومي يتطلب ملء فراغ المادة التي يقدمها كل يوم بموضوعات متنوعة ملتهبة تجذب الانتباه بارتفاع نبرة الصوت التي باتت تعلو على صوت المعركة ، مع وضع الآراء التي لا تفتح عليه النار من النُخب السياسية التي أصبحت كما نقول " العدد في الليمون  " إنما في اعتقادهم ضرب النار على الدولة شجاعة ، فروسية ، جرأة " تكبيــــــر !

هذا الإعلامي سمح لنفسه أن يستخدم نار الفتنة النائمة لجذب حشد كبير من أهالينا الأقباط إبان صدور القانون " التاريخي " الذي لم يخرج ولم يكون في السابق ، قانون بناء الكنائس و دور العبادة المسيحية الذي أثنى عليه البابا تواضروس وقال عنه لفظاً " سابقة لم تحدث ، كنا مع الخط الهمايوني دون حماية ولا قانون " هكذا قال البابا ، فماذا قال إبراهيم عيسى ؟

عيسى قال للشعب أن القانون يمنع الصلبان والأجراس فوق الكنائس ، وأن الدولة ذات الميول السلفي خائفة من التيار السلفي وتظلم أقباط مصر ، ثم قال باللغة الدارجة " بتكذبوا على الناس يا مضللين يا نصابين " ؟! ثم خرج القانون بالصلبان والأجراس وبمدة لا تتجاوز أربعة أشهر في إقرار البناء ، بعد أن كانت تلك القرارات تجلس في الأدراج لعشرات السنوات وبحد تصريح البابا تواضروس !

فهل حاسبتم عيسى على تلك الفتنة ؟

في ملف تيران وصنافير تجد المجتمع المصري منقسماً إلى ثلاثة أقسام ، مصري تتملكه العواطف تجاه أحقية مصر في الإبقاء على هاتين الجزيرتين ضمن السيادة المصرية ، وهذا القسم له كل الاحترام والتقدير ، فهو بالضرورة وطني مخلص لا يعيبه غياب التاريخ الذي كان مطروحاً داخل دواليب دولة مبارك ، أو قل " عزبة مبارك " . هذا القسم يرى دماء المصريين الذين جادوا بأنفاسهم الأخيرة في تلك المنطقة التي شهدت صراعاً حربياً عسكرياً في الفترة ما بعد الخمسينات ، مروراً بهزيمة 67 ، وصولاً إلى أكتوبر 73 ، وحتى يومنا هذا ، هذا القسم يعُز عليه العلم المصري المرفوع حتى وقتنا هذا على هاتين الجزيرتين ، كل التحية والتقدير لهذا الفريق الذي لا يحمل إلا العواطف ، لكن وبكل أسف " الآنسة عواطف ليس لها محل من الإعراب في ديوان الحقوق " .

والقسم الثاني هو الفريق الذي استند إلى مجموعة وقائع ومستندات وافقت ثقته في الدولة الحاكمة ورئيسها ، فأقر بها ، وتجاوز الأزمة وراح يدقق فيما بعد انتقال السيادة لهذه الجزر ، وما هي المشاريع  التي ستعود بالنفع على بلاده جراء ترسيم الحدود و وضع نقاط الأساس وبناء الجسر ، وما يستتبع ذلك من مستقبل ، لا على أساس المصلحة والبرجماتية فحسب ، إنما على أساس رد الحقوق لأصحابها !

والقسم الثالث هو الفريق المحسوب على مصر بالخطأ ، وأرفض أن أترك العنان للقلم في وصف هذا الفريق ، فهو يقيناً أثبت للمصريين أنه رسول الكذب والتدليس واستغلال وانتهاز الفرص لخلق حالات الاحتقان ، وبشكل متتالي ومتتابع ، مستخدماً في ذلك أحقر الطرق ، ويدخل في هذا الفريق أنواعاً متعددة ، وصنوفاً متغايرة ومختلفة ، فمنهم الإخوان ، ومنهم الكارهين والمشككين في كل شيء طالما أنهم خارج اختيارات الدولة  بعيداً عن الترشيح  لدائرة المناصب والتكليفات الوزارية وغيرها ، وأصحاب الغرض ، والحالمين من الإعلاميين بأدوار أشبه بدور الراحل محمد حسنين هيكل في اللعبة السياسية ووجوده الساطع الدائم في بيوت السلطة والرئاسة العربية بشكل عام فضلاً عن المصرية بشكل خاص واستثنائي ، والأمر كان يحتاج إلى إعلاميين عقلاء لتمثيل كافة وجهات النظر ، لا لإعلاميين من فصيلة " يا مزورين يا نصابين " !!! هذا هياج وفتنة عن جهل .

السيد إبراهيم عيسى يلعب دوراً يحتاج إلى إضاءة كاشفة وفاضحة لحجم الأكاذيب التي يسترسلها لسانُه ولُعابُه ، ويقوم ببرمجتها أكثر من مليون خلية دماغية ، لتظهر على شكل تشنجات وإشارات ساخرة تؤيد ما يقوله من أكاذيب بشكل بارع ! 

عيسى يبدأ حديثه منتقداً الدولة ، ويقول " نحن لن نتقدم بمستندات تُثبت صحة وجهة نظرنا ، ولكن يكفينا الطعن فيما قمتم بتقديمه لإثبات صحة وجهة نظرنا " .. ! و في الحقيقة عيسى دائماً يلعب تلك اللعبة ، في كل أطروحاته لا يقدم خطوة ، ولا يترك مجالاً لنقد فكرته بابتعاده عن تحديد الاستناد ، فقط يعمل على الطعن فيما يقدمه الطرف الآخر ، لعبة الأطفال في زمن تاه فيه الناس بين الحقيقة والنصب واللعب بالألفاظ !

في حديث عيسى يبدأ الخلط بالأوراق ، فلا تعلم ما إذا كان ينتقد الإعلام الذي انبرى في نشر عدد مهول من الوثائق التي تضمنت ما يمكن أن نعتبره وثائق ، وما لا يرقى إلا لكونه " شخبط شخابيط " ! ولا تعلم إن كان ينتقد الدولة وما قدمته من مستندات حتى موعد بث الحلقات التي تناول فيها الموضوع ! فيتحدث عن وثيقة موجهة من المملكة العربية السعودية للملك فاروق في الخمسينات ، ويقول " أين هذه الوثيقة والرد عليها يا كذابين يا مزورين " ؟! ... والحقيقة أن الدولة لم تتقدم ولم تذكر على إطلاق الكلمة وثيقة بهذا الشكل ! فإلى من كان حديث عيسى ؟ لا تعلم ولن تعلم عزيزي القارئ ! وما دخل الدولة في هرطقة الإعلام من هنا وهناك ؟! أم ستقولون أنه إعلام الدولة كما كنتم تقولون على توفيق عكاشة الذي أطاحت به الدولة من الدور العاشر ؟! أم ستقولون أن دوره انتهى والدولة أرادت أن تحرق هذا الكارت ؟! والشيء بالشيء يُذكر " أين أسامه كمال الآن " ؟! لماذا توقفت حلقاته في نفس القناة " القاهرة والناس " ! ولماذا لم يغضب له أديب ولميس والحسيني ؟ لماذا لم يقولوا أن الدولة وراء وقف حلقاته ؟!على رأي السيسي " ده انتوا حاجة صعبة جداً.. جداً " !

ثم يعود عيسى ويقول " كل المستندات المقدمة تثير السخرية ، فهي خطابات صادرة من عفت ، إلى عصمت ، إلى مدحت " دونما رد أو شيء ملموس وقاطع ، فهل هذا ما تستندون عليه للتنازل عن الجزيرتين ؟ فالحمد لله أنكم لم تكونوا من الفريق الذي حرر أرض طابا من الإسرائيليين  ، وعندكم خطاب مبارك في 2010 الذي رد فيه على المملكة العربية السعودية برفض الطلب ! 

أولاً : عزيزي القارئ ، الحلقة موجوده ، وتستطيع أن تراجعها بنفسك ولا تعتمد على شخصي في تكوين قناعاتك ، بيني وبينك شريط الحلقة !

 ثانياً : كل الخطابات المرسلة من الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية في ثمانينات القرن الماضي إلى الدكتور عصمت عبد المجيد وزير الخارجية المصري تم الرد عليها بما يفيد اعتراف مصر بأن السيادة للجزر سعودية ، ونرجو تعليق الأمر في نقل إدارتها لحين تصفية الأجواء والمناخ الأمني والسياسي  ! كل الخطابات الصادرة بهذا الصدد كان تحمل نفس الدلالة ، وعيسى لم يقرأها ولم يأت به إلى الاستوديو بالأصل ، ثم في تسعينات القرن خرج القرار الصادر من رئيس الجمهورية رقم 27 لعام 1990 بتحديد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر، والذي أخرج بالفعل جزيرتي صنافير وتيران من البحر الإقليمي المصري ، وتم إيداعه الأمم المتحدة ! القرار تم إيداعه بالأمم المتحدة ، هل أقوم بتكرار الجملة السالفة مرة ثالثة ؟! القرار تم إيداعه بالأمم المتحدة ، فهل قامت السلطة المصرية والسعودية برشوة موظفي الأمم المتحدة حتى إذا ما قمنا بالاستفسار عن ذلك قالوا " بلى شهدنا " ؟!

ناهيك عن الخطأ الجسيم الذي يرتكبه " عيسى " عندما يتحدث عن ضرورة طرح الموضوع بالأصل على الشعب قبل إبرام اتفاق مع المملكة العربية السعودية ، وقبل  العرض على البرلمان ! وهذا الهياج والغباء ليس له محل من الإعراب إلا اللعب بعواطف القسم الأول الوارد في هذا المقال ! فالسلطة التنفيذية بموجب الخطاب رقم 27 لسنة 1990 لا تملك دستورياً إلا رفع الأمر للبرلمان المصري بعد إثبات صحة التوجه السعودي من خلال موافقتها المستندة للوثائق المتبادلة والمودعة بالأمم المتحدة ، الأمم المتحدة كالشهر العقاري ، وفي حال رفض البرلمان المصري هذه الاتفاقية أو وافق عليها ستعود السيادة بالتحكيم الدولي للملكة العربية السعودية ، ناهيك يا أستاذ عيسى عن أن مايسترو المفاوضات الخاصة باستعادة طابا الدكتور مفيد شهاب كان أحد اللاعبين الأساسيين في قرار الدولة المصرية الحالي ، فكيف تقول " الحمد لله أنكم لم تكونوا من الفريق الذي حرر أرض طابا من الإسرائيليين " ؟! وأين الخطاب الذي أشرت إليه في الحلقة ويتضمن رفض مبارك لإعادة السيادة للسعودية في 2010 ؟ أين هذا الخطاب ؟! أين يا رجل ؟ أخرج لنا به كي نمنع تلك المهزلة فوراً !

يا سادة هناك شخصيات ذات قيمة من الجانبين " مؤيد لمصرية الجزر ، أو سعوديتها " .. ويقف بجانب سعودية الجزر الدولة بمخابراتها المدنية والحربية ورموزها العسكريين القدامى " أصحاب الفرح " ، فأقل القليل أن يكون الإعلامي محايداً في الطرح ، أو متحيزاً لرأيه داخل سلوكاً مهنياً غير مثير للفتنة ، خارج تصوير الدولة بأنها " عواد الذي باع أرضه " !

هذا الهُراء ينبغي أن يتم حظره وحصره على أصحاب الرأي في المقالات المكتوبة المجانية أو على شبكات التواصل الاجتماعي أو أو ، هذا إذا أردنا أن نصبغ هذا الرأي وشخص صاحب الرأي بصفة الوطنية ، والتفاني في أداء الواجب الوطني ، وصوت الحق الذي لا يخشى في الله لومة لائم  ! .. إنما نُطلق هذه الصفات على إعلامي يتقاضى عن ظهوره هذا " الملايين " ؟! .. الأولى يا سادة أن نقول عن توقف برنامجه أننا قطعنا عنه " الملايين " ، أما رأيه فهو يستطيع نشره في جريدته ، وإذا أغلقنا جريدته يستطيع أن يكتبه على مواقع التواصل ، وإذا ضيقنا عليه ذلك أيضاً ثم ألقيناه سجيناً ، أصبح وقتها " صاحب رأي مقهور ومظلوم وشجاع .. وهكذا " ! هناك خلط شديد بين المهنة وبين الرأي ، لا تتفق مع الدولة يا عزيزي ، ولكن كن مهنياً ، لم أرى في حياتي إعلامياً يخرج على الدولة ليقول " يا نصابين يا مزورين " ؟! هذا يمكن أن يقال في قصيدة للغالي الراحل أحمد فؤاد نجم أو جلال عامر ، وبشكل أكثر حياكة وذكاء وسخرية ! أو أغيارهم من العظماء .

الإعلامي عليه أن يختار ضيفاً متخصصاً في كل مجال ، ويسأله ويستمع لإجابته ، ويكون اختيار الضيف بعيداً عن الانتقاء وتوافق الهوى وتوجيه الدفة إلى حيث أراد الرأي وأرادات الرغبة الشخصية  ! ... إن لم يكن هذا ضلال ! فما هو الضلال ؟!!

يا عيسى لن تكون " هيكل " ، أنت رجل محلي جداً ، تستطيع أن تخطف بعض الأبصار الداخلية في موضوعات متفرقة ، إنما هيكل كان قائداً لسياسات القطر العربي قاطبةً بالاستشارة والاستنارة ، ثم كان كاتباً عالمياً له ثِقل وثقافة عالمية واسعة ، فابحث يا عزيزي عن حلم آخر قبل عبور الستينات .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز