الحب ونعمة النسيان!

بقلم : د. طه جزاع

يؤكد العديد من أطباء معالجة النسيان وفقدان الذاكرة ، إن من الطبيعي أن تضعف ذاكرة الإنسان كلما تقدم في العمر لأن ذلك يمثل جزءا من التدهور العام الذي يصيب الأعضاء كلها ، لكنهم يوضحون إن ذلك يختلف عن الإصابة بمرض ( فقدان الذاكرة ) الذي يصيب نسبة كبيرة من المسنين ولا سيما الرجال الذين قد يصل بعضهم إلى مرحلة نسيان كيفية ربط خيط الحذاء ، أو نسيان السياقة ، وهذا يدل على إن ذاكرتهم قد فقدت المعرفة المخزونة حول هذه العمليات وإنها أصبحت في مرحلة الصفر،غير إن طبياً نفسانياً بريطانياً لا يتطرق إلى فقدان الذاكرة عند النساء إلا في حالة واحدة حين عرضت عليه مريضة نسيت نفسها ، وعندما رأت يديها صرخت قائلة : هذان اليدان ليستا لي!

والحقيقة إن اغلب التقارير الطبية العلمية تشير إلى إن الرجال والنساء معرضون لمرض النسيان وفقدان الذاكرة بنسبة متساوية تقريباً، وانه لا فرق بين الرجل والمرأة في هذا الأمر، غير إن مرض الخرف يصيب الرجال أكثر من النساء ، وبالأخص أولئك الرجال الذين يبلغون أرذل العمر ومع ذلك يشعرون بأنهم لازالوا في سن المراهقة وإنهم قادرون على الاستمرار في حيويتهم إلى ما لانهاية قبل أن يخطفهم الموت فجأة بمرض انسداد الشرايين وتعرضهم للجلطة القلبية أو الدماغية وهم عنها غافلون!

وهناك نظريات نفسانية أخرى لا تؤيد ذلك، وتؤكد إن المرأة في سن اليأس معرضة للنسيان أكثر من الرجل بسبب انخفاض إفراز بعض الهرمونات ، واعرف صديقاً اعتاد أن ينسى مفاتيح سيارته كلما جلس في مكان ، وعندما يتذكر ويبدأ رحلة البحث عنها في الزوايا وتحت المقاعد وفي مجرات المناضد فأنه يلقي اللوم كله على الحاجة والدته التي لم تورث له شيئاً سوى مرض النسيان ، ناسياً في الوقت نفسه إن زوجته النكدة هي السبب الرئيس في إصابته بهذا المرض!

والنسيان نوعان ، نوع بسيط لا يدل على مرض ويصيب كل الناس تقريباً ، مثل نسيان العشاء الذي تعشيته البارحة ، ونوع خطير يحتاج إلى علاج سريري مثل نسيان أسم أحد أفراد عائلتك ، وبالتأكيد فان مصيبتك ستكون أكبر، لو نسيت اسم زوجتك ، ولعل ذلك يعد أيضاً نعمة كبرى من نعم النسيان!

وينتهي كتاب  " الاستشفاء البدني بالعقل والروح  "  لهاملتون إلى نتيجة مفادها إن الحب طاقة تصنع المعجزات فهو يشفي أمراض الجسد والعقل والروح والضغوط النفسية والهموم الحياتية ويشفي تماما الشعور بالقلق والزهق والخوف والفزع والإحباط والشقاء النفسي، ومن أجل تأكيد هذه القدرة العجائبية  للحب على الاستشفاء، يسوق أحد الأطباء النفسانيين العرب القصة الآتية :
استمعت لهذه القصة الحقيقية أثناء زيارتي لمستشفى جامعة ستانفورد بولاية سان فرانسيسكو، حيث ادخل ستيف باركر (65) سنة غرفة ( 315) بالمستشفى وهو يعاني من اعرض الألم والتعب والوهن وفقدان الوزن والشهية واحتار معه الأطباء وعالجوه بمختلف أنواع العقاقير مثل الكورتيزون والانتريترون والمقويات والمنشطات والمحاليل ، وكان الرجل بمراحل المرض النهائية ثم حدثت المعجزة حين وصلته رسالة حب من مريضة بالغرفة ( 619) بالمستشفى ، ودبت الحماسة في عروق الرجل وتحسنت شهيته ويوما بعد يوم زاد أمله في رؤية هذه المريضة الحسناء كما وصفت نفسها، واستعاد الرجل طاقته وقوته يوما بعد يوم ثم خرج من الغرفة بعد الشفاء ليسأل عن المريضة بالغرفة  ( 619) فقالوا له انه لا يوجد غرفة بالمستشفى بهذا الرقم فعدد غرف المستشفى هي ( 400) فقط ! ونجحت حيلة الممرضة كارول سايمون في بعث طاقة الشفاء الوهمية بقصة الحب الخيالية!

ولعلكم تعرفون أيضا إن المغني الفرنسي الشهير جوني هاليداي ، الحاصل على وسامي جوقة الشرف والفنون والاداب الرفيعين، وكان يائسا نهاية التسعينيات بعد أن مر عليه قطار العمر وفشل في زواجه وحياته العاطفية مع زوجته الأولى سيلفي فارتان، فلم يعد صوته يثير اهتمام المعجبين والعاشقين ، مما عرضه للإصابة بحالة نفسية سيئة للغاية نتيجة شعوره باليأس والإحباط والكآبة والتعاسة ، حتى التقته عارضة الأزياء الشابة الجميلة الشقراء ليتيسيا التي تصغره بثلاثة عقود والتي كانت أيضا تشعر بحالة من الحزن والصدمة بسبب وفاة عدد من أفراد عائلتها ، وعلى الرغم من فارق السن ، فقد انجذبت ليتيسيا الحزينة للمغني العجوز اليائس هاليداي لتمنحه الأمل والسعادة ، وليمنحها بدوره اسمه بعد زواجهما ليصبح اسمها ليتيسيا هاليداي!

وكان زواجاً ناجحاً على الرغم من فارق العمر ، فقد استطاعت ليتيسيا أن تنتشل هاليداي من عالم الإدمان واليأس والقنوط ، لتعيده بقوة الحب إلى الحياة البيتية الأسرية والى فنه ونشاطه ليتصدر في العام 2013 قائمة الفنانين الفرنسيين الأكثر أرباحاً من العاملين في حقول الموسيقى بعد أن بلغ السبعين عاما