عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
معكم من مطار ألماظة

معكم من مطار ألماظة

بقلم : د. محمد فاروق

منذ فجر 2011 وحتى مساء أمس ، يقف مطار ألماظة شاهداً علينا ، شاهداً على الصادقين والكاذبين ، المخلصين والمتاجرين ، الأوفياء والعملاء ، الخاطئون التائبون ، والخاطئون الهاربون ! مطار ألماظة شاهداً علينا جميعاً ، أحد أهم أدوات الفرز بين الوطنية والإنسانية ، وبين الأجندات العفِنة .



بدءاً من مجزرة رفح الأولى ، ثم الثانية ، ثم كرم القواديس ، وانتهاءً بهذا الصباح الأسود الذي تعيشه مصر المكلومة والمفجوعة في تسعة شهداء من خيرة أبنائها من رجال الشرطة البواسل في تفجير حقير بأحد نقاط الشرطة بحي المساعيد " العريش ! مع إصابات بلغت في عددها عشرة مصابين ما بين مدني وشُرَطي !  جراح لن تندمل ، ولن تجف معها الدموع ، إستوى على ألسنة أمهات الشهداء طعم الملح بالسكر ، باتت أم الشهيد في عِداد الموتى بالرغم من بقاءها على قيد الحياة !

دائماً أكرر مقولة " العايط في الفايت نُقصان عقل " ! هذا إذا كان عويلاً لا طائل منه ولا دروس مستفادة ، أما نحن الآن فبصدد الفرز للتجربة برُمتها ، والتجربة أشخاص ومواقف لا يستوي الأمر إلا باحتضان بعضهم وإبعاد بعضهم ورفضه ، لذلك كان لزاماً علينا فضح هذه الطواغيت لإنقاذ المزيد من الدماء قبل أن تتحول إلى توابيت يستقبلها مطار ألماظة معتصراً معها قلوب المصريين المخلصين .

نحن لا نستجدي عطفاً من أحد أو لأحد ، لا نبحث عن كلمات الرثاء من هذا أو ذاك ، إنما نحن بصدد الفرز كما ذكرنا ، ولن يستقيم الوطن إلا إذا قُطعت تلك الألسنة التي تُشعل الفتنة داخلياً وخارجياً ، ولا تعمل ولا ترجو من النقد صلاحاً للحال ، هذه كذبة كبيرة وخداع لا ينطلي علينا ولا يمكن استساغته في كل مرة !

في أحد أحاديث الرئيس الماضية ، والتي تتسم بالصراحة والوضوح في وضع الواقع بين أيدينا  ، كانت له وقفات كثيرة تناولها بعض الإعلاميين أمثال إبراهيم عيسى بالكثير من التسفيه والسخرية ، ما يعنيني منها الآن هو تعليقه على جملة قالها الرئيس في معرض حديثه عن التحديات التي تواجهنا بين البناء والإصلاح في فترة ساخنة تعُج بها المنطقة ومصر بإرهابِِ أسود ! وكان تعليق عيسى بحسب النص " مش معقول تهددنا كل شوية بالإرهاب " !

تماماً كما هو الصديق والأستاذ الحميم لعيسى " البرادعي " ! ولا أدري مَن فيهم الأستاذ في حقيقة الأمر ، إلا أنه الأخير " البرادعي " لا يظهر ولا يُطل علينا إلا دفاعاً عن ناشط حقوقي ، تماماً كما كتب تغريدة خاصة يُرحب فيها بخروج المدعو أحمد ماهر من السجن بعد انقضاء مدته ، واصفاً إياه بالبطل الحر ! .... هذا الرجل لا يُطل علينا إلا كنار الفتنة ، يستعدي العالم على مصر ، مستنداً إلى مواد منظمة الأمم المتحدة في منع تهجير أهالي سيناء من منازلهم ! ويكأننا نقوم بتهجير أهالينا هناك !! ويكأن حمايتهم وإبعادهم عن نار المعركة " تهجيراً أو طرداً " !!  ثم يتبع ذلك مجموعة من " هيافات ذلك الرجل " بين الحين والآخر ، متحدثاً فيها عن ضرورة مواجهة الفكر بالفكر ، مهدداً بأن العنف لا يجلب إلا العنف ، ثم يرتشف فنجاناً من الينسون ليكمل حديثاً آخر متأملاً من شرفة مسكنه الأنيق القاطن بأجمل بقاع الأرض " فيينا " مع ليالي الأنس ! يريد أن نقف مكتوفي الأيدي أمام الأنفاق والعمليات الإرهابية دون أن ننقل بعض مساكن أهالي سيناء لنحمي الشريط الحدودي ! يبحث عن حماية الشريط الحدودي " بالفكر " ونبذ العنف ! وربما طالب بإقامة مائدة مستديرة لتقديم فطور كونتننتال لمنسوبي داعش أو بيت المقدس أو كل هذه الفئات المنبثقة من جماعة الإخوان التي يسعى هو وأمثاله للمصالحة معهم !

على الدرب تجد عبقري الزمان " حمدين صباحي " يدافع عن حركة حماس بوصفها حركة مقاومة ضد العدو الصهيوني ، رجل أوشك على الستين من عمره ويُعد عند البعض رمزاً كبيراً من رموز الفكر والنضال ، ولا يستطيع أن يرى حقيقة حركة حماس ، ويدافع عنها ويعطيها ويُكسبها ببعض كلماته تأييداً لا يختلف فيه عن تأييد جماعة الإخوان المجرمين لهذه الحركة التابعة لها ، بل إن حمدين صباحي يقول " لن نؤاخذ حماس بذنب الإخوان " ! أي أن الرجل لا يعلم بالأصل أن حماس جناحاً عسكرياً لهذه الجماعة الإرهابية ! لمذا تتحدث جهلاً وتنطق بالوطن كفراً ولا يحاسبك ضميرك دهراً ؟!

ويقف مطار ألماظة منتظراً الإنصاف ، متأملاً في دماء الشهداء ، يسأل بمنتهى الغرابة والدهشة " إذا لم نكن في حالة حرب ، وإذا لم تكن تلك الدماء الطاهرة دليلاً على الحرب وشراسة الإرهاب الذي تكابده مصر " ! فما هو الدليل المطلوب ؟! وإذا لم تعتصر رائحة تلك الدماء قلوب المصريين ؟ وإذا لم يؤثر مشهد قذائف الهاون الموجهة في صدور خير أجناد الأرض من الجيش والشرطة في أمثال هؤلاء ، وإذا لم تنال عطفهم كما يناله ناشط يُستدعى للتحقيق ؟ أو آخر يكشف وينشر أسراراً عسكرية بدعوى حرية الصحافة في الوصول للمعلومة ! ما هذه الفترة والغشاوة التي نعيش معها وفيها ؟!

لماذا يختلف في أعين هؤلاء دماء المصريين من الجيش والشرطة عن دماء أو حريات النشطاء ؟! ما الذي يمنع هؤلاء من إعطاء كل ذي حقِِ حقه ؟! ما الذي منع منى الشاذلي أن تجاوب على سؤال المستشار " رجائي عطية " عندما سألها مراراً وتكراراً عن كون الضحية من رجال الشرطة شهيداً أم لا ؟! وأعاد عليها السؤال في مشهد غاية في الغرابة ! وهي تمتنع عن الإجابة وتتلعثم وتبحث عن مخرج ! أمر مدهش في حقيقة الأمر ، يمنعها ويمنعهم جميعاً محاباة الصف الأعوج ! ولا يقُض مضجعها دماء الشهداء ؟!

ما الذي يمنع البرادعي أو يسري فودة أو بلال فضل أو الحقوقيون أمثال جمال عيد وجميلة اسماعيل وهذا الفريق الأعوج  من رثاء ضحايا الجيش والشرطة كما يفعلون مع مجرد استدعاء ناشط للتحقيق ؟!

مصر لا تبحث عن رثائهم لأبنائها ، إنما هو الفرز وفقط ، هؤلاء الذين يعادون الدولة جملةً وتفصيلاً لا يمكن أن تتوقع منهم رأياً واحداً صواباً ، أو نقداً يصب في المصلحة العامة ، كل هؤلاء تقف ألسنتهم عند حد الطعن في الدولة ، كل هؤلاء سينتشرون انتشار النار في الهشيم خلال الأيام المقبلة مع فتح التحقيقات في قضايا التمويل الأجنبي ثم القضية 250 أمن دولة !

على صعيد آخر متصل ، إسمحوا لي أيها الفلاسفة : القضية 250 أمن دولة وغيرها ، والقضايا الخاصة بالفساد ، والتي تقوم بالكشف عنها أجهزة الرقابة الإدارية ، كل هذه القضايا لا تكتمل خيوط الأدلة فيها إلا بتتبع المكالمات الشخصية لأطراف هذه القضايا ، المجتمع المصري لم يعرف بالتحويلات المالية على بنك ويسترن يونيون للمدعو محمد عادل والعميلة صوفيا إلا من المكالمات المُسربة ، لم نعرف انتهاك جهاز أمن الدولة والسطو على المستندات وأقراص التخزين الخاصة بأجهزة الحاسب و " سوكة " و " أسماء محفوظ "

أيها الفلاسفة : إذا كانت الدولة تقف خلف تسريب هذه الاتصالات ، فهي بصدد إقناع الشعب المصري بحقائق كارثيَّة ، حقائق قال عنها الخال الأبنودي قبل وفاته في حديث لوائل الإبراشي  عندما سأله " تعتقد يا خال أن هناك خيانة داخل يناير " ؟

فقال الخال : " أعتقد ؟!!! هنضحك على بعض ياعم وائل ؟ ما اللي انكشف خلاص انكشف وعرفنا مين قابض ومين باع " !! وأنا في الحقيقة لن أترك جانب الخال الأبنودي حتى أقف مع الهُواة أمثالكم في رفض هذه التسريبات ، وإن كنت أبغض بمنتهى الكراهية كل هؤلاء الإعلاميين الذين أذاعوها لسبب أو لآخر .

عودة إلى حيث النقاء : يقف مطار ألماظة اليوم ، تفوح منه رائحة الدماء الذكية التي جاد أصحابها بأنفاسهم الأخيرة دفاعاً عن حياة المصريين ، فداءً لهم ، فداءً حتى لهذا الصف الأعوج الذي يقتل مصر من الجانب الآخر !

يقف مطار ألماظة اليوم ليستقبل تسعة شهداء أبطال ، ورد الجناين الذي حق له أن يتمتع بهذه الصفة منفرداً .

مع السلامة يا ابتسامة الزهر ، مع السلامة يا شهيد الحياة ، مع السلامة يا ارتعاشة مصر ، إنت الشهيد اللي اتقتلنا معاه

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز