عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
سياسات الصحة ونظم الرعاية الصحية (1)

سياسات الصحة ونظم الرعاية الصحية (1)

بقلم : د. أحمد الديب


تتكاتف المجتمعات وتصطف عناصرها جنباً إلي جنب من أجل تحقيق أهداف الرعاية الصحية عن طريق وضع أُطر وسياسات فاعلة لوضع أنظمة الرعاية الصحية أو تعزيزها للحصول علي مخرجات ملائمة . و إذا كانت العلاقة بين أنظمة الرعاية الصحية وسياساتها علاقة تبادلية ، يسهم كل منهما في تشكيل الآخر ، فإنه من الضرورة بمكان أن نؤكد علي الصعوبة والتعقيد اللذين يرتبطان بوضع سياسات الرعاية الصحية علي وجه العموم ، وفي البلدان النامية علي وجه الخصوص ، ذلك لان عملية وضع السياسات الملائمة لأي نظام رعاية صحية ما هي إلا عملية تفاعلية تشترك في مدخلاتها السياسة والإقتصاد وعلم الإجتماع والأنثروبولوجي والصحة العامة وعلوم الاوبئة .




 وهكذا يتضح أن أي عملية إصلاح للرعاية الصحية عن طريق إصلاح السياسات وتعزيز أنظمة الرعاية الصحية ليست بالعملية اليسيرة ، هذا هو العبء الحقيقي علي واضعي السياسات الصحية ومتخذي القرار في مضمارها والذين لا يستطيعون بأي حال من الأحوال التخطيط للرعاية الصحية دون النظرة المتكاملة والإلمام بألمدخلات السابقة  ، السياسة والإقتصاد والإجتماع والانثروبولوجي والصحة العامة وعلوم الاوبئة .


لا يمكن بأي حال من الأحوال الولوج إلي وضع سياسات للرعاية الصحية دون الوعي التام بمحددات وأهداف ومعايير الرعاية الصحية والتي تساهم في تحديد أُطرها المنظمات الدولية كمنظمة الصحة العالمية ، لما لها من تأثير علي أنظمة الرعاية الصحية خصوصاً في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل .


يمكن تعريف سياسات الصحة ، وبشكل مبسط علي أنها " السياسات التي تُطَورها الدول والمجتمعات من أجل تصميم وهيكلة و تعزيز أنظمة الرعاية الصحية بما يعزز من صحة الأفراد والمجتمعات ". أما النظام الصحي فيناط به تقديم الخدمات الصحية والوقائية بالإضافة إلي الدور المجتمعي الذي تعول عليه الدول منخفضة الدخل في تحقيق ما هو أقرب إلي العدالة الإجتماعية والتي لا يمكن تحقيقها دون الإهتمام الكامل الذي لا بد أن يولية واضعي السياسات الصحية وصانعي القرار إلي الطبقات المهمشة إجتماعياً ومحدودي الدخل ، وإلا سيتفاقم العبء ، ذلك لأن هذه الشرائح هي الشرائح الأكثر عرضة للأمراض والأقل وعياً بالثقافة الصحية والأبعد عن سطح الخريطة الديموغرافية .


تبرز أهمية تعزيز الأنظمة الصحية في تحقيق الأهداف التي لا تقتصر فقط علي تقديم الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية ، لكنها تمتد إلي تعزيز صحة المجتمع والجاهزية لأي طاريء . ولأن النظام الصحي هو جزء لا يتجزأ من النسيج الإجتماعي العام ، فلا بد يتسع مفهومها إلي ما يؤدي إلي العدالة في توزيع الخدمات الصحية وتوزيع الموارد , وهو ما لا يتحقق في الحالة المصرية للاسف فنلحظ التفاوت في الإنفاق علي الرعاية الصحية ما بين المحافظات والأقاليم ، فعلي سبيل المثال لا الحصر ما نجده في الميزانية المعتمدة 2014/2015 حيث بلغ الإنفاق علي القطاع الصحي حوالي 5.3% من إجمالي الإنفاق الحكومي وهو ما يمثل حوالي 1.7% من إجمالي الناتج المحلي ، ويبلغ نصيب الفرد من الإنفاق السنوي علي الصحة في محافظة جنوب سيناء حوالي 1248جنيهاً بينما في محافظة الجيزة حوالي 158 جنيهاً !.


لا بد أن يُفهم النظام الصحي من قبل واضعي سياسات الصحة وصانعي القرار علي أنه نظام معقد من العمليات والوظائف ، دعنا نتخيل هذا الموديل : ما هو النظام الصحي؟... هو النظام الذي يقوم بتقديم الخدمات الصحية ، لمن؟... لأفراد المجتمع ، بواسطة من؟... بواسطة الموارد البشرية في النظام ،  وأين ؟. في أماكن تقديم الخدمة الصحية المتكون من مباني وأجهزة وإدارة معلوماتية وغيرهما ، من يدفع التكلفة؟... التمويل ، ومن يديره ويراقبه ؟ الحوكمة والقيادة والإدارة . إنها الصورة العامة والتي تكون أكثر تعقيدا كلما غصنا في التفاصيل من الأعلي إلي الأدني.


 يتكون النظام الصحي كما أتصور من مدخلات وعمليات ومخرجات ، تشمل المدخلات علي الرؤوية والاستراتيجيات والبني التحتية ...إلي آخره ، أما العمليات فهي الخطوات والإجراءات التي يتم بها وفيها معالجة المدخلات ، أما المخرجات فهي تمثل الاهداف النهائية لاي نظام صحي . قد بفيدنا التصور السابق في قياس كفاءة وفعالية وجودة النظام عن طريق وضع المعايير وقياس معدلات الأداء الرئيسية لكل مرحلة من المراحل الثلاث السابقة. و  طبقاً لمنظمة الصحية العالمية نستطيع أن نلخص اللبنات الأساسية في أي نظام صحي كالتالي:

توفير التمويل الكافي المقترن بتجميع المخاطر.
إعداد قوى عاملة مدربة جيداً وبأجور كافية.
توفير معلومات يُستند إليها في اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة العامة والإدارة.
تقديم خدمات لوجستية لإيصال الأدوية واللقاحات والتكنولوجيات إلى المواضع التي تحتاجها.
تنظيم مرافق جيدة الصيانة بوصفها جزءاً من شبكة لتقديم الخدمات وعمليات الإحالة.


إعداد قيادة تضع قواعد اللعبة وتفرضها وتقدم اتجاهات واضحة وتسخر طاقات جميع الجهات صاحبة المصلحة - بما فيها المجتمعات المحلية والقطاعات الأخرى.

 
إن تسيير العمليات اليومية للقطاع الصحي ما هو إلا  صغير من صورة النظام الصحي وليست الصورة الكاملة ، زيارة وزير الصحة للمستشفيات وتوزيع الجزاءات وغيرها من وسائل العقاب ، ما هي إلا أنشطة عملياتية يومية لا طائل منها سوي المزيد من التقاط الصور الفوتوغرافية . وأري أن الرجل الأول في منظومة الرعاية الصحية (إن وجدت) لا يمكن له أن يضع السياسات ويطبق الإستراتيجيات ويتابع تطبيقها والمردود منها بمفرده ، إنها آفة اللامركزية الفلكلورية في مصر والتي تجعل نظاماً صحياً بالغ التعقيد يتمحور حول فرد بعينه ، فإذا لم يعد هذا الفرد في الصورة بشكل أو بآخر ، يهتز النظام بأكمله ليأتي القائد الجديد لينقض ما بناه سلفه ثم ندور في ذات الدائرة من جديد.


لا مناص من أن ينظر واضعوا سياسات الرعاية الصحية إلي مستويات الرعاية الصحية الثلاثة ، المستوي الكلي (MACRO SYSTEM) والمستوي المتوسط أو الوسيط (MESO SYTEM)


ثم المستوي الصغير أو الجزئي (MICRO SYSTEM)


وأن يدركوا الفرق بين ما تركز عليه المستويات الثلاثة ، فبينما يركز المستوي الأول علي النظام الصحي علي المستوي الوطني والذي يتأثر ولا شك بالسياق الوطني والعالمي ويناط به وضع السياسات العامة والأهداف الكلية  ، يركز المستوي الثاني علي النظام الصحي المحلي ، لذا يمكننا تسميته نظام المناطق ، وأراه في الحالة المصرية النظام الصحي بالمديريات الصحية والإدارات الصحية ، أما المستوي الثالث فيركز علي الأفراد ومقدمي الخدمة الصحية النهائية والمرضي والطواقم الإدارية .


إن فهم ماهيات الأشياء وطبائعها هي أول الخطوات نحو التعامل الصحيح معها ، سنحاول في هذه السلسلة من المقالات أن نلقي الضوء علي ماهية سياسات الصحة ، وطبيعة الانظمة الصحية ، ومحدداتها ،  وبحوث النظم الصحية  ونحاول بقدر الإمكان أن نعكس الضوء علي قطاع الرعاية الصحية المصري ، نقاط قوته وضعفه ، الفرص والتحديات التي تواجهه ، كمحاولة أخري من محاولات الإصلاح.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز