عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
المنشآت الرياضية المصرية بين الفيل الأبيض .. والنمر الأسود

المنشآت الرياضية المصرية بين الفيل الأبيض .. والنمر الأسود

بقلم : د. أحمد فاروق

المنشآت الرياضية الضخمة والكبيرة تتكلف مبالغ خيالية للإنشاء والتشغيل، هذه التكلفة قد لا تستطيع تحملها موازنات دول، وعدم إجراء دراسات الجدوى من إنشاءها بصوره جيده قد تؤدي إلى مشكلات تمويلية وقد تمتد إلى مشكلات سياسية؛ فالأزمة اليونانية الإقتصادية والسياسية الحالية يرجع جزءاً منها إلى المبالغ التي أنفقت على أولمبياد أثينا 2004م والتي بلغت (2.43) مليار دولار، منها (1.7) مليار دولار صرفت على المنشآت الرياضية، ويلقي عليها مسئولية الأزمة الإقتصادية التي تكاد تجعل من اليونان دولة مفلسة. وتقتص المنشآت الرياضية ما يقرب من (67%) من التكلفة الإجمالية لأستضافة الأحداث الرياضية الكبرى كالدورة الأولمبية وكأس العالم لكرة القدم، حيث بلغت تكلفة الألعاب الأولمبية الصيفية في ريو دي جانيرو البرازيلية 2016م (4.6) مليار دولار، مُتجاوزة الميزانية بنسبة (51%) قدرت المنشآت الرياضية فيها (4.1) مليار دولار وتسير بالبرازيل إلي أزمه إقتصادية أيضاً سوف تمتد إلي سنوات، وكانت تكلفة إستضافة كأس العالم لكرة القدم لم تقل ثقلاً علي الحكومات حتي بالدول المتقدمة التي تمتلك بني تحتية في الرياضة تتصف بالممتازة فكانت تكلفة التنظيم بالمليار دولار في فرنسا 1998م (4.8)، وكوريا الجنوبية/ اليابان 2002م (6.5)، وألمانيا 2006م (6.94)، وجنوب أفريقيا 2010م (4.28)، وتضخمت في كأس العالم في البرازيل 2014م لتصل إلي (14) مليار دولار، وتقدر تكلفة المنشآت فيها (3.47) مليار دولار لترميم وتحديث الإستادات القائمة فعلياً. وتعتبر هذه التكاليف طبيعية في ظل العائد الإقتصادي والسياسي والإجتماعي التي تحصل عليها الدولة المنظمة للأحداث الرياضية الكبرى. وبعد إنتهاء التنظيم يبدء العبء الإضافي علي الدول وهي معالجة وجود هذه المنشآت إقتصادياً بتدبير التمويل اللازم لتكلفة التشغيل والصيانة والتحديث التي تمثل أحد الأعباء الثقيلة على الموازنات وهذا ما جعل المتخصصين يطلقون على هذه المنشآت أسم "الفيل الأبيض" والتي لا تستطيع الدول المنظمة تحمل تكاليفها المستمرة من مصروفات الصيانة وتكلفة التشغيل حيث تمثل درجة عالية من المخاطرة تتضاعف عندما لا يكون هناك سابق خبرة بطبيعة ومتطلبات المنشآت الرياضية في إقتصاديات التشغيل وطرق التسويق ودراسة نوع وقوة العلاقة بين تكلفة التشغيل والصيانة وحجم التسويق والعائد، وضرورة تطبيق مناهج مختلفة تتعلق بتوظيف الإمكانات بدلاً من تكثيف العمالة الدائمة، والإرتباط بعقود دائمة للصيانة والتشغيل. لذا أصبح من المهم للعديد من الدول أثناء ترشحها لإستضافة الأحداث الرياضية الكبرى أن تضم في ملفها محور استدامة المنشآت الرياضية وكيفية الاستفادة منها بعد إنتهاء الحدث الرياضي؛ حيث رصدت قطر (100) مليار دولار لتنظيم كأس العالم 2022م وقامت بدراسة هذا المحور بشكل جيد ولأنها لا تحتاج لكل المنشآت التي ستنشأ بعد انتهاء الإستضافة فقد وضعت في ملفها أنها ستعيد تفكيك ملعبين بعد إنتهاء كأس العالم والتبرع بهم إلى بعض الدول الفقيرة التي لا تستطيع تمويل بناء مثل هذه المنشآت.



وفي إطار إمتلاك الحكومة المصرية لعدد كبير من المنشآت الرياضية يتمثل في إستادات المحافظات مثل ستاد القاهرة والإسكندرية والمنيا وبرج العرب والمقاولون والكلية الحربية والماكس وحرس الحدود والإنتاج الحربي وبتروسبورت علي إختلاف تبعيتها، وبدء الحكومة المصرية بتوجهات قوية من الرئيس عبد الفتاح السيسي بالبدء في إنشاء ستاد عالمي بالعاصمة الإدارية الجديدة تبلغ تكلفته (900) مليون جنية، كما وقعت وزارة الإسكان المصرية عقداً مع شركة صينية لتنفيذ القرية الأولمبية الرياضية بالعاصمة الإدارية علي مساحة (2000) فدان وبتكلفة تصل إلي (3) مليار جنية تتحمل منها الدولة (15%) من تكاليف الإنشاء.

السؤال الهام هنا هو؟ كيف يمكن التفكير في تحويل هذه الأفيال البيضاء الموجودة التي تثقل كاهل الدولة في الصرف عليها وتمويلها في ظل عدم قدرتها على تسويق نفسها وجذب التمويل اللازم لاستدامتها؟ كيف نستطيع تحويلها إلى نمور سوداء تركد بقوه وسرعه لتكون هذه المنشآت دافع إقتصادي قوي لتمويل نفسها أولاً ثم تكون أحد مصادر التمويل للرياضة، والسؤال الأهم كيف نضع خطط مستقبلية للإستفادة من المنشآت تحت التجهيز بنفس النظرية؟ وللإجابة على هذه التساؤلات دعونا نمر بجولة سريعة على بعض الإستادات العالمية لنتعرف على كيفية إدارتها وكيف تمول وما هي عائدتها.

وهذه جولة سريعة في ستاد (ويمبلي) الدولي الذي يقع غرب العاصمة لندن الذي يحتوي على (90) ألف مقعد أنشئ بتكلفة (1.97) مليار دولار أمريكي تبلغ مساحته (44) ألف متر مربع. ويشمل ثلاثة أدوار ويحتوي علي نادي ويمبلي، وأكاديمية تعليم مهارات كرة القدم، ومحلات لأشهر الماركات العالمية للأطعمة السريعة والملابس، وقاعه للطعام (مطعم) تتحول إلي قاعة اجتماعات ضخمه، كما تسعر جولات زيارة ستاد ويمبلي تتراوح بين (20 الي 60) يورو، كما أنه ينظم حفلات غناء لأشهر المطربين وأشهر حفلات الموسيقي وهي محجوزة حتي يوليو 2017، وموقع الأستاد علي شبكة الإنترنت بسبعة لغات، ومساحات إعلانية كبيره، كما يمتلك ويمبلي ستور يبيع منتجات ستاد ويمبلي من هدايا تذكريه وكوفيات وكابات وسلاسل يد ورقبه، وأسعار تذاكر دخول المباريات تتراوح بين (5 إلي 20) يورو، ويحظى ستاد ويمبلي برعاية (9) شركات عالمية، وتصل عائدات إعلانات الملاعب إلي ملايين الدولارات، تصل القيمة الإجمالية السوقية لأستاد ويمبلي إلي مليار دولار، ويحقق إيرادات سنوية في حدود (930) مليون يورو.

وهنا جولة أخري في ستاد نادي برشلونة الأسباني (كامب نو) حيث تم تحديد هذا الاسم بناء على تصويت أعضاء النادي بريدياً ويعني الملعب الجديد، أفتتح في عام 1957، سعة المتفرجين (99.354) ألف شخص، وهو الآن أكبر ملعب في أوربا، منح الكامب نو وسام الخمس نجوم عام 1999 من الاتحاد الأوربي لكرة القدم، وتم إنشاء متحف فخم داخله عام 1980 مساحته (3500) متر مربع. يحظى الإستاد برعاية (10) شركات كراعي رئيسي و(40) راعي فرعي، أسعار تذاكر الدخول تتراوح بين (20 إلى 25) يورو، ويحتوي علي نادي كامب نو ومدارس لتعليم كرة القدم، ومطعم روما 2009، وكتيب معلومات عن الاستاد يباع ب (170) يورو، وموقع الاستاد على الأنترنت تباع علية التذاكر إلكترونياً، وأيضاً منتجات الإستاد مع توزيع جميع منافذ البيع على جميع القارات. تبلغ حجم إيرادات ستاد كامب نو حوالي (800) مليون يورو.

هنا نستطيع أن نجمل مشكلات تحويل الإستادات الرياضية في مصر إلى مؤسسات إقتصادية في عدد من الجوانب الهامة منها الجانب القانوني؛ حيث أن القوانين واللوائح الحالية لا تساعد على زيادة التمويل الذاتي ولا تشجع على إستثمار المنشآت الرياضية، كما أنها لا تشجع المستثمرين على الإستثمار في الإستادات، وتعتبر غير جاذبة للإستثمار. ومن الجانب الإداري وجود صعوبة في الإجراءات الإدارية في إصدار التصاريح للمستثمرين في إدارة الإستادات الرياضية المصرية. ومن الجوانب الفنية فأنها تركز على ندرة المتخصصين في الاستثمار والتسويق الرياضي داخل الإستادات كما أن ضعف المستوي الفني للمنشآت الرياضية من أكثر الجوانب الطاردة للإستثمارات.

وهنا نطرح عدداً من الفرص الإستثمارية المتاحة للإستادات الرياضية والتي تتمثل في تأجير الملاعب والصالات وحمامات السباحة وصالات اللياقة البدنية والساونا داخل الإستادات في غير أوقات الإستخدام التنافسي وتسويقها للمجتمع المدني وتحويل الإستاد إلي نادي ممارسة يومي يعمل علي رفع معدلات اللياقة البدنية لأفراد المجتمع تعميقاً لبعد الأمن القومي للرياضة، والعمل علي وجود محال تجارية لبيع الأدوات والملابس الرياضية وبعض الأسماء العالمية لمحلات الأطعمة السريعة التي يمكن أن توجد علي الأسوار أو داخل ممرات خاصة بذلك داخل الإستادات، أو تنظيم مكان للطعام وجناح إجتماعي مزود بشاشات عرض وجلسات إجتماعية، كما يجب إستخدام مواقع الإستادات المتميزة كإستاد القاهرة والإسكندرية الذي يوجد في قلب المدينة وإستخدام الأسوار في الدعاية والإعلان الإلكتروني، وتخصيص صالات للإجتماعات والحفلات والندوات، والإهتمام بأنشطة الطفل والأسرة كعامل جذب للمزيد من الرواد والأعضاء، كما أن الإهتمام بتقديم الخدمات كأنشطة الرحلات وحجز الحج والعمرة والمصايف. وضرورة مساهمة أماكن انتظار السيارات في الإستادات في حل مشكلة المرور نظير رسم انتظار في غير أوقات المباريات أو الاستخدام الرسمي، كما أن وجود ماكينات سحب الكاش على الأسوار ووجود فروع مصغره للبنوك والبريد والشهر العقاري ودفع غرامات المرور، واستخراج الرقم القومي ودار سينما والتوسع في الأنشطة الصيفية وأنشطة الرياضة للجميع ومراكز اللياقة البدنية، والسوق الخيري والمعارض المختلفة والحفلات وسداد فواتير الغاز والكهرباء والمياه، كما يجب إصدار دليل للإستاد. وتسجيل موقع للمؤسسة على شبكة الانترنت مطور ويحدث بصفة مستمرة. كما أن تدشين صفحات للإستادات على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر وإنستجرام وسناب شات أحد الحلول الإلكترونية لتسويق إمكانات الإستاد.

أذن ما هي الحلول لتحويل الإستاد الرياضي إلي نمر أسود وكيان إقتصادي قادر علي تمويل نفسه وتمويل الرياضة المصرية؟ يجب أن نبدء بأن بوجود إدارة مختصة للتسويق والإستثمار داخل الإستادات الرياضية تهدف إلي تنمية الموارد الذاتية وإدارة وتشغيل الإستادات الرياضية بأسلوب إقتصادي لزيادة العائد وإستثمار الإمكانات المكانية والمادية والبشرية الموجودة، كما يجب التوسع في صرف حقوق الدعاية والإعلان مقابل عائد مادى مناسب عن طريق إستثمار الأماكن الشاغرة في وضع الدعاية والإعلان، والبدء الفوري في بيع وتسويق التذاكر والإعلانات إلكترونياً، مع ضرورة زيادة حجم الإستثمارات المخصصة للإستادات الرياضية في الخطط الإستثمارية لوزارة الشباب والرياضة، والبدء الفوري في وضع الخطة الإستراتيجية لإستثمار المنشآت الرياضية علي جميع المستويات. والتوسع في إستخدام شبكات المعلومات والانترنت للانتقال إلى مفاهيم التجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني للإستادات الرياضية.

*أستاذ الإدارة الرياضية كلية التربية الرياضة للبنين حلوان

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز