عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تسقط الأمم .. بتزوير المفاهيم (2)

تسقط الأمم .. بتزوير المفاهيم (2)

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

توقفنا سابقا عند حقائق بعينها لا تخفى عن العقول المفكرة والواعية ، والتي استعرضنا خلالها بالأدلة أهم أسباب سقوط حضارات الأمم وخاصة المسلمين الذين استسلموا ثم استمرءوا ثم واحترفوا تزوير مفاهيم دينهم الأساسية بأكاذيب كبرى وغير منطقية مثل إصرارهم الأحمق أن الإسلام انتشر بمكارم الأخلاق دفاعا عن مقولة أنه انتشر بحد السيف ، ولم ينتبهوا أنهم قد سقطوا في فخ إخفاء وطمس الحقائق الكبرى والتي أهمها أن الإسلام انتشر ببريق ورونق وإبهار العلم واكتشافاتهم المذهلة التي غزت عروش وبيوت ونفوس شعوب أوروبا في القرون الوسطى وأخرجتهم من غياهب وظلمات الجهل والتخلف والقذارة إلى آفاق العلم والرقي والتحضر والنظافة فضلا عن وضع الأساسيات والنظريات والتفاصيل في جميع مجالات العلوم المادية والإنسانية والتي ما زالت هي الأساس القوي لكل العلوم الحديثة سواء البحتة أو التطبيقية أو النظرية.



وعلى سبيل المثال .. لا نستطيع تجاهل واحدا مثل (ابن رشد) الذي ما زال واحدا من أعظم العلماء والمفكرين في تاريخ البشرية على الإطلاق فهو .. هو أبو الوليد محمد بن رشد المولود عام 1126 ميلادياً في قرطبة ، وأصبح في سن مبكرة لا تتجاوز الخامسة والعشرين عالما فذا في العديد من العلوم وهو ما يقوله ميراثه من الكتب التي ألفها في حياته والتي تعدت السبعين كتابا في مختلف مجالات العلم ، فقد ترك (28) كتابا في (الفلسفة) ، و(20) كتابا في (الطب) ، و(8) كتب في (القانون) ، و(5) كتب في (الإلهيات) ، و(4) كتب في (النحو) بالإضافة إلى تعليقاته على مُعظَم أعمال (أرسطو) و شرحه لـ كتاب (الجمهورية) لـ )أفلاطون( ، وكان من أهم كتبه (كتاب الكليات في الطب) والذي أصدره عام 1162 ميلادياً والذي القى فيه إبن رشد الضوء على مُختلف جوانب الطب ، بما في ذلك (التشريح ) و(التشخيص) و (العلاج) و (الوقاية من الأمراض) ، كما أننا لابد وأن نتوقف احتراما وتبجيلا لأعظم علماء الاجتماع على الإطلاق وهو الملقب بـ (ابن خلدون) وهو ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن خلدون الحضرمي والذي ولد في تونس في غرة رمضان الموافق 27 مايو 1332م وتوفى عن (74) سنة في القاهرة (26 رمضان) الموافق 19 مارس 1406م  ويعد أهم مؤرخي الحضارة البشرية ، كم يعد أول وأعظم مؤسس لعلم الاجتماع على أسسه الحديثة , وقد توصل إلى نظريات باهرة في هذا العلم حول قوانين العمران ونظرية العصبية,  وبناء الدولة و أطوار عمارها وسقوطها وقد سبقت نظرياته جميع ما توصل إليه معظم مشاهير العلماء بعده بعدة قرون حتى أطلق عليه علماء الغرب أبو علم الاجتماع.

ولا شك أننا ننبهر كثيرا ونقف احتراما وتبجيلا ووقارا أمام شهادات الأمناء والمنصفين من مؤرخي وعلماء الغرب عند حديثهم عن العلماء وحضارة المسلمين وأثرها على الحضارة البشرية ، خاصة عندما نقرأ سطورا في كتاب (شمس الله تشرق على الغرب) لكاتبته المستشرقة والدكتورة الألمانية (زيغريد هونكه) عام 1994م تقول فيها .. { إن هذه القفزة السريعة المدهشة في سلم الحضارة التي قفزها أبناء الصحراء ، والتي بدأت من اللا شيء لهي جديرة بالاعتبار في تاريخ الفكر الإنساني ، وإن انتصاراتهم العلمية المتلاحقة التي جعلت منهم سادة للشعوب المتحضرة لفريدة من نوعها ، لدرجة تجعلها أعظم من أن تُقارَن بغيرها ، وتدعونا أن نقف متأملين  كيف حدث هذا ؟! ، ويكفي أنهم العرب وحدهم قد ابتدعوا أساليب البحث العلمي الحقيقي} ، ولابد أن نقرأ ما كتبه المستشرق النمساوي اليهودي الأصل عام 1988م (ليوبولد فايس) في كتابه عن الحضارة البشرية { حسب المسلمين أنهم كانوا مثالاً للكمال البشري ، بينما كنا مثالاً للهمجية ، فلسنا نبالغ إذ قلنا إن العصر العلمي الحديث الذي نعيش فيه ، لم يُدشّن في مدن أوربا أو أي مكان في العالم ، ولكن تم تدشينه في المراكز الإسلامية في القاهرة ودمشق وبغداد وقرطبة ، ولذلك فنحن نحن مدينون للمسلمين بكل محامد حضارتنا في العلم والفن والصناعة } ، وعجبا لمقولة المفكر والناقد والروائي والمؤرخ الفرنسي أناتول فرانس في كتابه الحياة الجميلة { أسوأ يوم في التاريخ هو يوم معركة (بواتييه) عندما تراجع العلم والفن والحضارة العربية أمام بربرية الفرنجة ، ألا ليت شارل مارتل قطعت يده ولم ينتصر على القائد الإسلامي (عبد الرحمن الغافقي) ، فحين نتذكر كم كان العرب بدائيين في جاهليتهم يصبح مدى التقدم الثقافي الذي أحرزوه خلال مئتي سنة ، وعمق ذلك التقدم ، أمراً يدعو إلى الذهول حقاً ، ذلك بأن علينا أن نتذكر أيضاً أن النصرانية احتاجت إلى نحو من ألف وخمسمئة سنة لكي تنشئ ما يمكن أن يدعى حضارة مسيحية ، وفي الإسلام لم يُولّ كل من العلم والدين ظهره للآخر ، بل كان الدين باعثاً على العلم ، وإن الحضارة الغربية مدينة للحضارة الإسلامية بشيء كثير إلى درجة نعجز معها عن فهم الأولى إذا لم تتم معرفة الثانية} ، ولا شك أننا سنشعر بالفخر عندما نقرأ ما قاله جورج سارتون بأن .. {المسلمون عباقرة الشرق ، لهم مأثر عظيمة على الحضارة الإنسانية ، تتمثل في أنهم تولّوا اكتشاف وكتابة أعظم الدراسات قيمة ، وأكثرها أصالة وعمقاً ، مستخدمين اللغة العربية التي كانت بلا مراء لغة العلم للجنس البشري فقد بلغ المسلمون ما يجوز تسميته بمعجزة العلم البشري} ، ثم نقف طويلا أمام ما كتبه (غودفري رولز درايفر) هو مستشرق إنكليزي تخصص في دراسة اللغات السامية والأديان حيث قال {ينبغي أن أنعي وأموت أسفا على الطريقة التي تحايل بها الأدب الأوربي ليخفي عن الأنظار مآثر المسلمين العلمية علينا وهو قمة الظلم والجور المبنّي على الحقد الديني ، والغرور الوطني والذي لا يمكن أن يستمر إلى الأبد} ، ثم يقول الباحث اليهودي “فرانز روزانتال" .. {الحضارة المسلمة يمكن تسميتها بالحضارة المعجزة وذلك إن ترعرع هذه الحضارة المسلمة هو موضوع مثير ومن أكثر الموضوعات استحقاقًا للتأمل والدراسة في التاريخ ، ذلك أن السرعة المذهلة التي تم بها تشكل وتكوّن هذه الحضارة أمر يستحق التأمل العميق ، وهي ظاهرة عجيبة جدًّا في تاريخ نشوء وتطور الحضارة، وهي تثير دومًا وأبدًا أعظم أنواع الإعجاب في نفوس الدارسين ، ولذلك يمكن تسميتها بالحضارة المعجزة، لأنها تأسست وتشكلت وأخذت شكلها النهائي بشكل سريع جدًّا ووقت قصير جداً، بحيث يمكن القول إنها اكتملت وبلغت ذروتها حتى قبل أن تبدأ } ، وأخيرا يقول المؤرخ والكاتب والمفكر البريطاني (إدوارد بالمر تومبسون (والمتوفي عام 1993م .. { إن انتعاش حضارة العالم الغربي سببه الوحيد هو مؤلفات المسلمين لأن انتعاش العلم في العالم الغربي نشأ بسبب تأثر شعوب غربيِّ أوربا بالمعرفة العلمية العربية وبسبب الترجمة السريعة لمؤلفات المسلمين في حقل العلوم ونقلها من العربية إلى اللاتينية لغة التعليم الدولية آنذاك.” ثم قال قبل وفاته “إن ولادة العلم في الغرب ربما كان أمجد قسم وأعظم إنجاز في تاريخ المكتبات الإسلامية}.

وأمام هذه الشهادات من مؤرخين من مختلف الجنسيات والديانات لابد وأن نتوقف كثيرا عند جميع المفاهيم الأساسية للإسلام والتي بنجاح تزويرها سقطت الحضارة الإسلامية وسقط معها المسلمون وما زالوا في صعود متزايد للهاوية بلا توقف خاصة عندما نسمع تصريحات رئيس وكالة المخابرات الأمريكية السابق «جيمس وولسي» حيث قال في عام 2006 في أحد المؤتمرات { إذا استطعنا إقناع المسلمين فى العالم أنهم قابعون تحت العبودية كما هو ظاهر ، ونقنعهم بأننا إلى جانبهم ، فأننا ذاهبون إلى النصر ، ولذلك علينا أن نجعل المسلمين يقومون بثورة تلو الثورة ونستمر فيما نجحنا فيه عبر قرون وهو صناعة إسلاماً لهم يناسبنا لنكسب الحرب معهم} ، فتزوير المفاهيم هو مسلسل قديم بدأ فعليا منذ أكثر من (10) قرون وبأيدي رجال الماسونية سواء من ادعى الإسلام منهم أو من عمل لحساب الماسونية من علماء المسلمين الذين تعمدوا تفريق الأمة بالمذاهب والفرق والجماعات ، كما تعمدوا طمس وتزوير أهم وأكبر المفاهيم الإسلامية على الإطلاق وهو (الهدف والمهمة الحقيقية التي خلق الله من أجلها البشر على الأرض) ، وقد كان أهم نتائج تزوير هذا المفهوم المباشرة هو تخلف المسلمين وتخليهم عن العلم والتطور والبحث العلمي والتفرغ للنزاعات الفقهية والشرعية التي قسمت الأمة لأكثر من سبعين فرقة وهو ما سوف نتعرض له لاحقا ..
 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز