عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
طهران و منطق الحوار و التفاهم

طهران و منطق الحوار و التفاهم

بقلم : سعاد عزيز

منطق الحوار و التفاهم عبر طاولة المحادثات، شکلت و تشکل إحدى أهم وسائل حل و معالجة المشاکل و الازمات الحاصلة بين الدول على مر التأريخ وقد کان لهذا المنطق دورا کبيرا و بارزا في حقن الدماء و تجنيب البشرية العديد من مآسي و ويلات الحروب، ولهذا لابد من الاقرار بأهميتها و دورها البناء في خدمة الانسانية  و التواصل بين الشعوب.



منطق الحوار و التفاهم عبر طاولة المفاوضات لئن کانت مختلف دول العالم تلوذ به و تجنح إليه من أجل تجنيب شعوبها دمار و ويلات هي في غنى عنها، لکن هناك دول مثلت و تمثل حالة إستثنائية تشذ فيها عن القاعدة الاساسية المعمول بها بهذا السياق، ونقصد تحديدا الدول التي تمنح دساتيرها و قوانينها أفضلية على االقوانين و القواعد الدولية المعمول بها، وإن الدول الاستبدادية الشمولية(ذات النزعات النازية و الفاشية و الدينية المتطرفة)، هي تحديدا من ضمن هذه الدول.

إلقاء نظرة على تأريخ نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية من حيث تعاملها و تعاطيها مع منطق الحوار و التفاهم عبر طاولة المفاوضات، يرسم لنا خطا بيانيا متعرجا نشهد فيه على الدوام حالات الاخلال و التلاعب و الالتفاف على هذا المنطق و السعي للتهرب منه بطرق مختلفة، ولعل الحرب الايرانية ـ العراقية التي إستمرت زهاء 8 أعوام رفضت خلالها طهران معظم المبادرات الاسلامية و الاقليمية و الدولية لوقف إطلاق النار مع العراق و اللجوء للمحادثات لحل المشکلة، وقد کان واضحا إن هذا الرفض کان نابعا و منطلقا من موقف متشدد و متزمت إلتزم به المرشد الاولل لهذا النظام و الذي کان يزعم تحرير القدس عبر کربلاء!

قبول طهران للقرار  598 الصادر عن مجلس الامن الدولي في عام 1988، والذي کان يرفضه منذ صدوره في تموز 1987 رفضا قاطعا حيث کان يٶکد الخميني بهذا الصدد:" حتى اذا طالت الحرب لمدة 20 عاما فنحن مستعدون لمواصلتها"، لکن الظروف و التداعيات المحيطة بالحرب وقتها و دخول جيش التحرير الوطني الايراني وتحريره مدينة مهران الحدودية وقتها من خلال عملية نوعية کبدت الجيش الايراني خسائر فادحة  في الارواح  و المعدات تجاوزت المليار دولار، أجبرت الخميني على قبول هذا القرار  واصفا قبوله بهذا القرار بتجرع کأس السم!

کما إن قبول هذا النظام بالمفاوضات النووية و جلوسه على طاولة المفاوضات جاء بعد أن خضع للعقوبات الدولية التي أثقلت کاهله وأطبقت على أنفاسه و لم تبقي له من مناص سوى الجلوس على طاولة المفاوضات، بل وإن المفاوضات السابقة التي أجرتها الترويکا الاوربية مع هذا النظام عام 2004، والتي تملص فيما بعد من إلتزامته بموجبها بل وإن روحاني الذي کان يشارك في هذه المفاوضات بصورة أساسية، قد تفاخر في کتاب له بنجاحه في خداع وفد الترويکا و الانتصار للبرنامج النووي الايراني!

هذا النظام الذي يعتبر نفسه و إنطلاقا من فهم و تفسير لنصوص دينية محددة، من إنه حالة فوق القانون الدولي بل و يعتبر نفسه مصدر إلهام و قدوة مثلى للبشرية، يرى في طروحاته الحقيقة و الحق بعينه، ومن هنا، فإن الزيارة التي قام بها النائب الأول لرئيس الوزراء و وزيرخارجية الكويت الى طهران في 25 يناير2016، حيث کانت هذه الزيارة بمثابة مسعى سلمي من جانب دول الخليج من أجل تحسين العلاقات بين الطرفين، لکن الذي تداعى عن هذه الزيارة ولاسيما ماقد عکستها الاوساط السياسية و الاعلامية الايرانية، أثبتت کيفية فهم و تعامل هذا النظام مع منطق الحوار و التفاهم عبر طاولة المفاوضات، حيث إن صحيفة"وقائع اتفاقية" المقربة من تيار المرشد الاعلى للنظام، قد وصفت هذا المسعى السلمي الخليجي بقولها"قدمت خلال الأيام الأخيرة السلطات السعودية دعوة لإيران للحضور في مراسيم الحج وتلاه زيارة صباح الخالد لطهران" و وصفت هذه الجريدة عملية تطورات المنطقة بأنها دليل على "اعتلاء إيران" في تطورات المنطقة زاعمة بأن الدول الخليجية "يهابون أن تدخل اليمن والبحرين وضعا يشبه العراق وسوريا حيث تصبح الكفة لصالح طهران"!

أما الموقف الحکومي من هذه الزيارة و التي جسدته صحيفة"جهان صنعت" الحکومية بقولها:" يجب أن نعتبر هذه الزيارة كما يبدو من زواياها العلنية والخفية اصطفاف جيوبوليتيكية للمحافل العربية ضد إيران في إطار حوار الهلال الشيعي"، وفي هذا الکلام مدلولات و معاني أکثر من واضحة و لاتحتاج لأي تفسير أو تأويل.

زيارة وزير الخارجية الکويتي لطهران و التي کانت تهدف فيما تهدف الى حث الاخيرة على وضع حد لتدخلاتها في دول المنطقة لکن القناة الرسمية للتلفزيون الايراني أکدت في نفس يوم بدء الزيارة أي 25 يناير2016، من إن"وزير الخارجية السعودي ادعى من جديد .. في مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي أن إيران تتدخل في شؤون بلدان المنطقة الداخيلة"، وفي هذا الکلام تأکيد واضح جدا على إن طهران تزعم من إنها لاتتدخل في دول المنطقة!

الحقيقة التي لامناص من الاقرار بها هو إن هذا النظام على وجه التحديد لايمکن أن يقبل بمنطق الحوار و التفاهم عبر طاولة المفاوضات و الاتزام بنتائجه إلا من خلال إتباع اسلوب الحزم و الصرامة معه، فقد کان و سيبقى هذا الاسلوب هو الاسلوب الوحيد الذي فهمه و يفهمه هذا النظام.

 

*کاتبة مختصة في الشأن الايراني.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز