عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الذين يحملون المسك

الذين يحملون المسك

بقلم : د. أحمد الديب

مع ندرة من ينقلون إليك البهجة ، تحاول جاهداً أن تخلقها بنفسك لنفسك متبعاً في ذلك المنهج الأثير الذي يقول " ما حك جلدك مثل ظفرك" . ومع ندرة من وما يلهمك بالأمل ، من وما يحمل البشري إليك ، من وما يوحي إليك أنها "أزمة وتعدي " كما مرت أخواتها من قبل ، ستجد من بين القلة النادرة المبتهجة دائماً من أقرانك أو علي الأقل من الذين يؤمنون بنظرية "بكره احلي م النهاردة" ، ستجد من بينهم ، الموضوعيين الذين يستندون في أطروحاتهم علي أسانيد وحجج بأنها قد ضاقت حلقاتها ونحن في انتظار مرحلة الإنفراج التي تلي الضيق المحكم .



 عليك أن تفرق بين الموضوعيين من هؤلاء ، وبين السلبيين الذين يحيون حياة الانعام والذين يحاولون أن يصدروا إليك سلبيتهم علي أنها الواقعية الحميدة التي تنأي بهم وتغنيهم عن الإنخراط في الجدل حول "وماذا بعد".

عليك أن تبذل الجهد تلو الجهد للمحافظة علي الصنف الأول من هؤلاء الذين يستندون في تفائلهم إلي الموضوعية فلا تفقدهم أبداً ، حتي وإن بدت مبررارتهم واهية في مقابل ما يتم تصديره إليك كل يوم من مبررات الأنامالية وجلد الذات وفقدان الامل . عليك ان تتشبث ليس فقط بمن يبث فيك روح الامل ،  لا بد أن تتشبث أيضا بمن يحاول إقناعك أنك لا زلت بخير رغم كل شيء.

لست من اتباع المفرطين في التفاؤل ، كما أنني لست من اتباع المغالين في السوداوية البغيضة . التفاؤل الغير موضوعي قد يرسل بنا إلي الوهم والذي سيؤدي بنا إلي المزيد من الوهم ثم إلي الهاوية السحيقة . أما السوداوية فقطعاً ستؤدي بك إلي أحد مسارين ، الخلل النفسي والذي حتماً سيحتاج إلي تدخل ما وإلا سينتهي بك إلي فقدان الشعور السوي والحس الطبيعي ويفقدك الحكم المتزن علي الامور ، أو إلي ذات الهاوية السحيقة والتي ستعيش تأثيرها مرتين ، مرة وأنت تنتظر حدوثها والمرة الأخري عند حدوثها بالفعل  .
الحقيقة تقول أننا في أمس الحاجة إلي دوافع جديدة لبث آمال جديدة . تمثل الدوافع الطاقة الدافعة لخلق الهمم والعزائم والتي تستطيع من خلالهما أن تبسح ضد التيار في رحلة الوصول المضنية إلي رحاب الشطآن . والعبث كل العبث أن تمكث في إنتظار الدوافع الخارجية . من العبث أن تظل مرهونا بالظروف التي لن تكون مواتية في أغلب الأحوال ، من العبث أن تظل مرتبطاً بالقادم الذي لا يأتي .

إن القادم الأسطوري الذي تفترض أنه سيأتي ليشد عضدك محفزاً أو مشجعاً ، لن يأتي علي ما يبدو أو علي الأقل لن تستطيع التنبؤ بمواعيد وصوله. لذا ، من الحكمة أن تفترض أسوأ السيناريوهات وهي أن المعركة هي  معركتك أنت ضد التيار وأنت فيها وحدك ، ولا خيار لديك سوي أن تخلق لنفسك الدوافع الذاتية للبقاء علي قيد الحياة أولاً ثم للوصول إلي شاطيء النجاه في النهاية.

لقد اكتظت علاقاتنا الإجتماعية بنافخي الكير الذين لا يكتفون بتثبيطك فقط ، وإنما يسوقون الحجج تلو الحجج لإقناعك بأنه ليس من الضروري أن تؤدي بك مقدمات معينة إلي نتائج معينه ، وأن ما نحن فيه لا يخضع إلا لمقوم واحد من المقومات ألا وهو "الحظ". وهم يعتمدون في سرديتهم علي مبررات قد تبدو منطقية لأول وهلة ، ثم يضربون المثل تلو المثل لتعزيز نظريتهم بأن هناك من هو سعيد الحظ ومن هو بمنأي عنه . وما أن تدقق قليلا ، حتي تكتشف أن حجتهم داحضة وأنهم يحاولون أن يدفعوك دفعاً لتتبني منهجهم في انتظار الحظ الذين لن يأتي طوعاً.

ثمة مشكلة حقيقية في الاستماع إلي هؤلاء ، حتي وإن لم ينجحوا في إثنائك عن منهجك والذي يمتحور حول "وأن ليس للإنسان إلا ما سعي" ، وهي أنك لن تستطيع أن تنجو بنفسك من بين براثنهم كل النجاه دون أن تشتم منهم رائحة كريهة في أحسن الأحوال أو أن يحرقو ثيابك بزرع بذرة الفكرة في حقول عقلك والتي يمكنها أن تنمو وتترعرع في ظروف مواتية من الإحباط والمحاولات الفاشلة ولحظات الإنقباض النفسي الموسمية والتي لا ينجو منها أحد ولن ينجو.

ما أحوجك إلي من يحاول أن يبث في وجدانك وعقلك أنك لا تزال بخير عندما تكون بخير أوأنك تحتاج إلي تعديل المسار حين تحتاج فعلياً إلي ذلك ، وأنك تستطيع ما دمت حياً . ما أحوجك إلي الذين يحملون المسك وقليل ما هم . إن ندرتهم النسبية لهي خير دليل علي أنهم من يستحقون أن تلتف حولهم ونعض عليهم بالنواجذ في ذلك العالم الكمي . حاملو المسك ليس بالضرورة من المفرطين في الأمل أو المغالين في التفاؤل ، يكفي أن يكونوا من الأسوياء الغير مشوهين بتشوهات تبدو من تكرارها في النماذج المتنوعة والإعتياد عليها أنها ليست بتشوهات وهو ما أسميه جدلاً " الإعتياد الممنهج علي القبح " . حاملوا المسك موضوعيون في نظرتهم العامة للكون ولك لكنهم يشتركون في شيء غاية في الدقة كونه غاية في الإلهام ، وهو أنهم يحسنون ظنهم بالله.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز