د. طه جزاع
الطلاق الألكتروني!
بقلم : د. طه جزاع
ارتفعت في مجتمعاتنا العربية نسب الطلاق أثناء السنوات الأخيرة ووصلت الى معدلات شهرية وسنوية غير مسبوقة في الكثير من محاكم الاحوال الشخصية ، وبالتأكيد فأن هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء ذلك ، لعل في مقدمتها العامل الاقتصادي والبطالة وأزمة السكن والعنف الزوجي وعدم الانسجام الاسري والمشكلات العاطفية ، فضلاً عن الظروف العامة الضاغطة التي تركت آثارها النفسية المدمرة على الشخصية العربية. ومع ازدياد حالات الطلاق هذه ، وتطور وسائل الاتصالات والتواصل بدأ البعض يفكر باللجوء الى أقصر وأسهل الطرق للطلاق ، ونعني بذلك الطلاق عبر وسائل الاتصال الالكترونية!
وقد تنبه أحد قضاة المحاكم الشخصية في العراق بحكم عمله الى هذا الأمر ، فأنجز بحثاً علمياً شيقاً نشره في كتاب حمل عنوان " الطلاق بوسائل الاتصال الحديثة " تضمن أنواع الطلاق الالكتروني والآراء الفقهية المختلفة بشأنها ، مبتدءاً بتعريف الطلاق وأركانه واقسامه وصوره ، ثم يلج الى الموضوع الأهم في بحثه وهو الطلاق بوسائل الاتصال الحديثة ، مثل الطلاق برسائل الهاتف النقال ، والطلاق برسائل البريد الألكتروني والمحادثة ، فضلاً عن وسائل الاتصال الأخرى مثل التليكس أو التلغراف أو البرق والفاكسميل ، واستخدام التوقيع الألكتروني ، ويلاحظ القاضي عماد العكيلي ان صوراً حديثة للطلاق بدأت تظهر في المدة الأخيرة " فظهر الطلاق بواسطة الرسائل المسجلة في الهاتف النقال ، وظهر الطلاق بواسطة البريد الألكتروني ، أو ما شاكل ، ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم الاسلامي تزايداً في نسبة الطلاق خاصة بين حديثي العهد بالزواج ، فأننا نشهد حضوراً قوياً لمهمة جديدة للهاتف النقال فيما يخص هذا الموضوع ، اذ أصبح أحد الوسائل المهمة التي يتم بها الطلاق ، فالرجل لا يجد عناء في كتابة كلمات الطلاق لزوجته بدل مخاطبتها بذلك " . ثم يستعرض آراء عدد من اساتذة الشريعة والقانون ، وفتاوى المفتين المتباينة في بعض البلدان العربية والاسلامية بشأن صحة هذا النوع من الطلاق وشروطه ومستلزماته ، عوضاً عن موقف الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني الرافضة في أغلبها للطلاق الالكتروني .
ولما كان العراق شأنه شان اغلب الدول الاسلامية لم ينظم احكام الطلاق بوسائل الاتصال الحديثة في تشريعات ، فأن الباحث يتوصل الى ان القضاء العراقي اجتهد واعتبر مثل هذا الطلاق واقعاً وفقاً للأحكام الفقهية التي تجيز وقوعه ، ولذلك فأنه يشدد على تعديل قانون الاحوال الشخصية باضافة نصوص تعالج وقوع الطلاق بواسطة وسائل الاتصال الحديثة ، مع سن تشريع عقابي صارم لمن يسيء استخدام هذه الوسائل في الاعتداء على خصوصية الاخرين والعبث بامورهم الخاصة .
الأمر السيء في الطلاق الالكتروني انه يقدم كامل التسهيلات لارتكاب أبغض الحلال عند الله ، كما انه يشجع الرجل على القاء كلمة الطلاق كتابياً او صوتياً من دون حرج ، وبذلك يساعد على زيادة نسب الطلاق في المجتمعات التي تعاني أصلاً من تفاقم هذه الظاهرة ، ولا سيما في فصل الصيف الذي يؤكد قضاة الأحوال الشخصية انه فصل الطلاق بامتياز بسبب شدة حرارة الجو وفلتان الأعصاب ، واللجوء الفوري الى كتابة الرسائل النصية في ساعات انقطاع الطاقة الكهربائية ، أو اللجوء للطلاق الشفوي .. وتلك حكاية أخرى !