عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الدرس الأول في الحب

الدرس الأول في الحب

بقلم : أمل حجازي

اسمحوا لي أن اكون مدرستكم اليوم. سأكون أنا المدرسة البديلة التي تأتي فقط عندما تغيب مدرسة الفصل الأساسية، ولكنني اليوم لن أعطيكم درسا في الفيزياء أو الرياضيات أو الكيمياء، تلك المواد الصلبة الجافة التي لم أحبها أبدا وأنا تلميذة صغيرة. فلعبة الأرقام والمعادلات والنظريات المعقدة لم تستهويني قط، رغم أهميتها. وأعرف جيدا أن مادتي اليوم لها نفس مقدار الأهمية لو لم يكن أكثر من كل تلك المواد. مادة اليوم هي "الحب".



الدرس الأول في الحب:

   يحتاج هذا الدرس لمعلمة واحدة فقط. ولكل واحد فينا معلمته الخاصة به؛ أنه الدرس الخصوصي الأول في حياتك. لن تختار أنت المعلمة، ولكن لا تقلق فستحبها بالتأكيد، لا بل ستعشقها وتتمني أن تهبها الدنيا وما فيها. ستعيش حياتك كلها على مقدار ذلك الحب الذي تعلمته منها؛ فلو كان قويا خالصا، وهكذا يكون في معظم الحالات، عليك ألا تخشي شيئا، فأنت قادر على مواجهة العالم طالما قلبك تغذى وشبع من هذا الحب. أما لو لم تحظى بالقدر الكافي منه، فستبحث عن حب بديل تعوض به حرمانك هذا، ولو أنني أشك إنك ستجد له بديلا! هل عرفتم عن أي حب أتحدث؟ الحب الوحيد الغير مشروط في هذه الدنيا...أمك.

وإذا كان هذا هو الدرس الأول في الحب، فماذا بعد؟...ستعلمك الحياة  دروسا في الحب كثيرة وستكون أنت دائما ذلك التلميذ الجديد الذي يجلس بانتباه وتركيز في الفصل ليتعلم  كل مرة درسه الأول في الحب.

من أين يأتي الحب؟

طالما سألت نفسي: " هل يولد الحب مع الإنسان بجيناته وتكوينه البيولوجي؟ أم أنه يتعلمه من خلال رحلة الحياة؛ فيتسع قلبه لحب أشخاص كثر بدرجات مختلفة؟ الحب هبة يهبها الله لنا، هي نعمة بالتأكيد يخصنا بها الله، لأنه هو-عز وجل-يحبنا.

من مكونات الحياة الجميلة: الحب والسعادة، وفى الواقع كلاهما مرتبط بالأخر. فأنت تحب إذن أنت سعيد، وأنت سعيد إذن أنت تحب. واتكلم هنا عن الحب بكل أنواعه. درس الحب الأول الذي تتعلمه في كل مرة تقابل فيها نوعا جديدا من الحب.

فأنت تكبر وتقابل ذلك الرجل الذي يشقى ويتعب من أجل سعادتك وراحتك. تجتمع فيه الحنية مع الهيبة، العقل مع المنطق. يخاف عليك ولكنه يعطيك مساحة من الحرية يعرف جيدا أنك تستحقها، فهو يعرفك أكثر من نفسك. أنه الحب الذي يصعب وصفه دائما؛ فهو حب من نوع خاص جدا. هو الحبيب الذي يعطي ولا يطلب، هو البطل الأوحد والأول في حياتك، وكل من يأتي بعده يلعب أدوارا ثانوية لا ترتق أبدا لما يفعله البطل. الأمان والسند، ضهرك الذي لا ينكسر بوجوده؛ كلها مرادفات لأسمه؛ هذا البطل هو...أبوك.

" بكرة تعرفي قد إيه انا بحبك لما يكون عندك أولاد "... تلك الجملة التي طالما رددتها أمي وأنا صغيرة عندما كنت أسألها ببراءة الأطفال وأحيانا لإستدرار عطفها: " ماما بتحبيني قد إيه؟". وبالطبع أمي تكون دائما على حق!

تمضي بك الحياة ويحين موعدك الآن مع درس جديد في الحب. هو الحب الذي ينبت في قلبك مع أول مرة تعرف أنك ستصبح أبا.  ومعكِ أنتِ مجرد أن يزف لك الطبيب خبر حملك. يالا روعة هذا الحب؟ كيف تحب شخصا وأنت لم تراه بعد؟ كيف تنتظر قدومه بفارغ الصبر كإنتظارك لحبيب في موعد غرامي حميم؟...انتظر قليلا فهذا ليس كل الحب، تلك فقط البداية! يأتي هذا المخلوق الصغير للدنيا فيأخذ عقلك وقلبك من أول نظرة. تنقلب حياتك رأسا على عقب بسبب هذا الصغير، تنقلب لتكون أجمل وأمتع، ويصبح لها طعما لذيذا لم تذقه من قبل. ستعلمه الكثير وتندهش حين يعلمك هو أكثر. على قدر ما تعلمه الشجاعة قد يعلمك هو الخوف. ففي المرة الأولى التي يمرض فيها ويهدأ المنزل من لعبه وشقاوته، ينخلع قلبك عليه خوفا وقلقا. هل تذكر أنك كنت تخشى من المرض كما تخشاه الآن على أبنك؟ هو ذلك الحب المقدس الذي يربط الأسرة كلها، ويجعل للحياة معنى وهدف. فهل يوجد أجمل وأسمى من هذا الحب الذي يسرى في الدماء ليربط جيلا بعد جيل؟

هل أنتم مستعدون الآن لأقوى وأجمل دروس الحب؟ هل أنتم مستعدون للتحليق معي عاليا فوق السحاب؟ هذا الحب الذي اعنيه هو ذلك الشعور الذي لا يمكن وصفه وتفسيره.  يشبه الموسيقى التي تصاحبها لوحات فنية. شلالات تسقط من حولك، وورود حمراء وبيضاء وصفراء تملأ الكون. ترى الدنيا بثوب جديد، تراها كما لم تراها من قبل. عندما يدق قلبك للمرة الأولى ستقع في غرام الحياة من جديد. ستعيد اكتشاف نفسك مع كل دقة قلب زائدة. ستسهر الليالي ويهرب النوم من عينيك التي تأبى ان تنام فتفوتها لحظة من التفكير في الحبيب. ستتعذب بنار الحب؛ فتشتاق ولا تقدر على بعاده، ستضعف ولا تقوى إلا بوجوده. ستسكن روحا جديدة جسدك؛ فتشعر مرات أنك تطير كالفراشة من روعة الحب، ومرات أخرى تغرق في بحوره ظمأ وشوقا من لوعة الحب. محظوظ هو من جرب نار الشوق ثم اطفأ لهيبها بلمسة أو همسة أو قبلة ...تلك هي رسائل الحب.

 وعجيب أمر هذا الحب، فقد يولد من نظرة أو نظرات، من كلمة أو كلمات؛ فتبدأ الذبذبات تسري من قلبك لتصل لكل خلايا الجسد؛ قلبك الذي لم تعد تعرف ماذا جرى له؛ هل جن ليورطك معه بما يفعل؟ هل جن لكي يربك حياتك هكذا؟ هل فقد قلبك عقله؟ أم فقدت أنت عقلك وقلبك معا حين وقعت في الحب؟!...نعم، عندما تقع في الحب تقتسم العالم مع حبيبك، ولكن قلبك ابدا لن يقبل القسمة على أثنين، سيسطو عليه حبيبك، وستستسلم أنت دون أدنى مقاومة؛ تلك هي السرقة الوحيدة التي لا يعاقب عليها القانون، سرقة القلب!

قد أوشك زمن حصتي على الانتهاء، ولم تنتهي دروس الحب بعد؛ فالدنيا لن تكف عن إعطاءكم دروسا جديدة كل يوم. فمازال هناك حب الأصدقاء، حب الوطن، وحتى حبك للأشياء والأماكن؛ كلها دروس عليك ان تستمتع وأنت تذاكراها.

وحيث أننى اليوم أقوم بدور المدرسة المتخصصة في مادة الحب، فسوف اطلب منك أن تكون طالبا متفوقا في مدرسة الحياة التي سوف تعلمك كل يوم دروسا من هنا وهناك؛ خذ من كل بستان وردة ولا تنس أن ترويهم جميعا بالحب.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز