عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
حفنة ملح

حفنة ملح

بقلم : د. أحمد عيسي عبدالله

ذلك الحمل الثقيل، الذى لا يكاد يفارقنا، نغلبه أحياناً، ويغلبنا أحياناً أخرى، قد يضعفنا تارة، وربما يقوينا تارة أخرى، ننساه، أو نتاناساه، لا يرى فيه بعضنا إلا نقصاً وتنغيصاً ومرارة، ويراه آخرون امتحاناً واصطفاءً..نكبر ويكبر معنا ، ويكبر فهمنا له، وسرعان ما نكتشف - بألم- أن لكل لذة ورغبة حدوداً، وأننا - مهما بكينا و طلبنا- لن نحصل على كل ما نشتهي ونريد. من ذا الذي لم يذقه ويكتوِ بناره؟



إنه الألم، قرين الحياة، الذي نعرفه وننكره، بجميع صوره وأصنافه وأسبابه ،الجوع والبرد، والمرض والمجهول، والوحدة والشوق، والخوف من غير المألوف،

عجيب هذا الألم، والأعجب تألمنا منه مع توقعه ومعرفتنا إياه، ولا أدري، هل يولد معنا أم بعدنا أم قبلنا؟ هل يكبر معنا؟ أم لعله هو الذي يكبرنا؟

نبكي بسبب وبلا سبب.. منذ تلك الصرخة الأولى التى يستهل بها كل قادم لهذه الحياة، ولا أحد يعرف هل هى صرخة خوف من الغد المجهول، أم هى ضحكة لم تتضح معالمها بعد ؟ هل فيها تأسيس وتقرير مبكر لحقيقة الحياة واقترانها بالألم؟

ويستمر الصراخ عندما نكبر، ويعلو الصوت، ويتكرر، و يختلط بالمشاعر، ولسان حال الانسان يقول: لا أفهم ما الذي يحدث بالتفصيل.

 وتبدأ رحلة الهروب من الألم، هروب من كل الدنيا وآلامها، بعيداً عن هذا العالم المخيف والغير آمن..كلنا نرفض الألم ونهرب منه، ونعمل كل ما بوسعنا كي نتجنبه قدر الإمكان، فالألم أقوى عدو في نظر البشر جميعاً، ويعمل الناس جادّين ليل نهار ليعيشوا حياة بعيدة كل البعد عن الألم والضيق والصعوبات.

لكن الواقع يشهد أن الألم رغم قساوته وصرامته وعدم ترحيب البشر به إلا أنه زائر ثقيل نراه في كل مكان وفي كل بيت، يدخل من دون استئذان.. فالكبار والصغار على السواء يلاقيهم الألم في البيت والعمل، وفي الشارع وعلى السرير.

وقد تذكرت قصة ذلك الشاب الصغير الذى كان يشعر بالألم وعدم الرضا عن كل ما يحدث حوله من أمور، فذهب إلى معلمه ليعبر له عن معاناته ، فنصحه المعلم بأن يضع حفنة من الملح في كأس من الماء ثم يشربه ، وفعل الشاب ما نصحه به المعلم ثم عاد ليسأله المعلم : كيف وجدت طعم الماء ؟
قال الشاب وهو يبصق إنه مالح جداً!

ضحك المعلم ضحكة خفيفة ثم سار الاثنان بهدوء نحو النهر، ولما وصلا إلى النهر طلب المعلم من الشاب أن يأخذ نفس حفنة الملح ويضعها في النهر .
وعندما رمى الشاب حفنة الملح في النهر قال له المعلم : الآن اشرب من النهر.. وفعل الشاب و سأله المعلم : كيف تستطعمه ؟

 قال الشاب : إنه منعش                          

سأل المعلم : هل وجدت طعم الملح ؟ رد الشاب : لا

وهنا نصح المعلم الشاب الصغير قائلاً :
إن آلام الحياة مثل الملح الصافي ، لا أكثر ولا أقل ، فكمية الألم في الحياة تبقى نفسها بالضبط، ولكن كم المعاناة التي نستطعمها يعتمد على السعة التي نضع فيها الألم، لذا فعندما تشعر بالمعاناة والآلام فكل مايمكن أن تفعله هو أن توسع فهمك وإحساسك بالأشياء ، لا تكن مثل الكأس بل كن مثل النهر الجارى  .

 

*استشارى ادارة الموارد البشرية

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز