عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تراتُبية القرارات

تراتُبية القرارات

بقلم : طارق العكاري

من الأخر إلى البداية، القرار الأخير بإنشاء المجلس القومي للمدفوعات يعد أخر القرارات المتعلقة بالسياسات المالية. من المفترض أن يعمل هذا المجلس الذي يرأسه السيد رئيس الجمهورية شخصياً ومدراء المخابرات والمركزي على إدخال الدوائر التجارية الغير رسمية إلى دائرة الاقتصاد الرسمي، ويعمل أيضاً على توسيع دائرة الدفع الضريبي.



تفصيلا, المحلات عادة تعمل على التقدير الجزافي من مصلحة الضرائب وهو أمر يتم بالتراضي والتفاوض بين  المأمور والتاجر. فيتفقا الاثنان على تقدير للبيع طبقاً لرؤية المأمور وتوسلات التاجر ويتم تحديد قيمة الربحية بناء على هذا التقدير سنوياً وتخصم الضرائب على هذا الأساس. في حالة أن يكون الدفع عن طريق كروت الأئتمان أو الكروت المدفوعة مقدماً يصبح البنك شاهداً بأوراقه على أرقام البيع الحقيقية. ففي حالة إتمام كل العمليات التجارية أو معظمها على الأقل عن طريق الكروت سوف يطلب المأمور كشف حساب البنك ليعرف حصيلة البيع الحقيقي ومن ثم يصبح التاجر مجبراً على تقديم فواتير الشراء الحقيقيه بدلاً من التي كان يخفيها متعمداً لتقليل التقدير الجزافي.

من سيتأثر بهذه القرارات هم التجار الذين يعملون في الأجهزة الكهربائية المستوردة والتليفونات المحمولة (بدون ضمان) وأجهزة الإستقبال (الريسيفر) وبشكل عام كل من يتعامل مع السلع المستورده كمنتج نهائي داخل إلى الوطن بدون أي قيمة مضافة تطرأ عليه.

تحدثت فى مقالات سابقه عن هوامش الربح المرتفعه للمستوردين بغرض الإتجار وعدم توفير البنوك للنقد الأجنبي لأولوية السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج، وأنه في حالة ارتفاع سعر المنتج لقيمة أعلى من قدرة العميل المستهدف سيضطر المستورد إلى خفض هامش ربحه حتى نصل إلى نقطة التعادل وهو ما نراه الان واقعاً.

يضرب هذا المجلس بشدة فواتير الاستيراد الغير حقيقية (المضروبة) لأن في هذه الحالة لن يقوى التاجر على استلام فاتورة من المستورد بقيمه أقل من الحقيقيه كما اعتاد وإلا سيصبح هامش الربح كبير جداً، وبالتالي تزيد قيمة الضرائب. منذ عدة أسابيع أحد أشهر وأكبر السلاسل التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية أعلن عن إغلاق عدد كبير من فروعه وذلك لعدم جدوى البيع المباشر مقارنة بالبيع عن طريق الانترنت. فلماذا يدفع أجور وإيجارات وصيانة في حال أن نفس أرقام البيع يمكن تحقيقها من البيع عن طريق الانترنت؟

ويبقى السؤال، هل كل المواطنين يمتلكون حسابات بنكية ولهم كروت دفع إلكتروني؟ الإجابة لا، ولكن بعد قرار مجلس الوزراء بعدم دفع رواتب الحكومة نقداً بعد أول إبريل 2017 ووجوب دفعها عن طريق الكارت البنكي، نتحدث هنا عن إضافة ملايين الحسابات من موظفين الحكومة (تعداد الجهاز الإداري للدولة حوالي سبعة مليون موظف).

إتساق تعيين وزير التنمية المحلية ذو خلفية هندسية في مجال تكنولوجيا المعلومات وإنشاء المراكز الذكية يدل على وجود إرادة سياسية لتفعيل دور الكارت البنكي وتعظيم دور الحكومة الإلكترونية. فالرشوة والفساد يتطلبان راشياً ومرتشياً، طالب خدمة من حقه أو بدون ومعطي خدمة بالحق أو بدون، ويجب أن يلتقي الطرفان. فماذا سيكون الحال إذا لم يلتقيا وتعاملا عن طريق الشاشات فقط؟ كيف الحال لو تم استخراج شهادات الميلاد والرخص ودفع المخالفات والشهر العقاري عن طريق الانترنت؟ كيف ستكون جاهزية الحكومة لهذه الحالة؟ هل سيتصدى لها المنتفعون بداخلها لتعطيل النظام (السيستم واقع) والأجهزة كما تصدوا لقانون الخدمة المدنية في صورته الأولى بدعم من البرلمان؟ هل سيصبح هذا الحلم رماداً وتفشل منظومة الحكومة الإلكترونية للمرة العشرين والتي نسمع عنها من أيام حكومة نظيف؟ في الحقيقة الله أعلم، وإن كنت متفائل هذه المرة لوجود اجراءات مرتبه تدل على إرادة لتفعيل المنظومة.

منذ أسابيع قليلة تواجد أحد الأشخاص الذين يعملون في مجال الديكورات والتشطيبات في فرع الشركة بالاسكندرية وجاء لصرف مبلغ من مستحقاته بعد إنهاء الأعمال المكلف بها، فقام مدير الحسابات بإستيقافي مداعباً هذا الشخص وقال لي: "مش هصرفله أصله مش بيحب مصر"

 أنا: إزاى كده؟ معقولة!! ووجهت نظري إليه.

هو: يعني يا باشا عاجبك الأسعار دي؟

أنا: أنت عملت لينا شغل بكام؟

هو: حوالي كذا.

أنا: جبت لينا فاتورة؟

هو: لا، بس لو عاوز أجيبلك من المورد على طول.

أنا: لا، فاتورة من شركتك أنت، مش هتدفع ضرايب على الشغلانة دي ولا ايه ؟.

هو: لا وهي البلد إدتني إيه علشان أدفع لها ضرايب؟

أنا: إدتك أمان وأنت جاي بعربيتك وعليها البضاعة، وشوارع منورة، وقسم شرطة لو حد مدلكش فلوسك فتعمله محضر ونيابة وقضاء. وعلى فكرة إحنا اللى بنصرف عليك من جيبنا.

هو: لا يا باشا، أنا بأخد حقي من شغل عملته عند حضرتك.

أنا: وفين حق البلد اللى أنت بتشتغل فيها؟

لن اتطرق لمظهر هذا الشخص الدال على عكس أفعاله لعدم إيماني بالشمولية الفئوية.

قس على هذا الحوار النجار المسلح والمحار والسباك والميكانيكي والخادمة والسائق الخاص والجنايني والورش العاملة بدون أوراق ومصانع التعبئة (تحت السلم) وشركات الدعايا والإعلان وشركات الصيانة وأعمال لا حصر لها لا تدفع جنيهاً واحداً للضرائب. ترتيب وتتابع القرارات بعد التعويم ترتيب محترم. فلم يكن من الممكن إتخاذ قراراً واحداً بدون قرار التعويم ولم يكن من الممكن تضييق الخناق على المستورديين في إجبارهم على إظهار القيمة الحقيقية لفواتيرهم بدون التعويم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز